في أعقاب مباريات ” خليجي 25 “: و الشخصية العراقية المتغيرة والعابرة لأي تحليل سوسيولوجي أو سيكولوجي !..

في أعقاب مباريات ” خليجي 25 “: و الشخصية العراقية المتغيرة والعابرة لأي تحليل سوسيولوجي أو سيكولوجي !..

بقلم مهدي قاسم

كل المحاولات والجهود والمساعي التي جرت حتى الآن بهدف و نية تحليل الشخصية العراقية وفق المقاييس المألوفة والمعهودة لمفاهيم العلوم السوسيولوجية ــ والسيكولوجية المعتادة والمعتمدة في المعاهد والمؤسسات العالمية ذات الاختصاص ، وبناء على أساس تجاربها العريقة والمكتسبة ، لم ترتق تلك التحليلات إلى مستوى أكاديمي علمي ، نتيجة أو خروجا بتصور مقنع ، ربما ليس فشلا أو تقصيرا في قدرة هؤلاء المحللين ، أنما قد يكون بسبب تذبذبات واهتزازات هذه الشخصية صعودا ونزولا في تقلبات المناخات والأجواء النفسية المضطربة المتغيرة ، و المتنقلة دوما بتطرف ــ طبعا سلبا و إيجابا و حسب ظروف ومراحل ومناسبات معينة ــ و المتأرجحة بين قمة نبل وسمو حينا ، وبين انغلاق سلبي وخضوع للأمر الواقع المذل حينا آخر :
أنه سريع الغضب والعصبية والاهتياج والاحتقان النفسي المتوتر إلى أقصى درجة متصاعدة ، فلو امتلك قدرة مع ضمانة الإفلات من العقاب لدمّر خصمه واباده من الوجود بلمح بصر ، لفعل ذلك بنشوة ومتعة كبيرتين ، مع الاستعانة بكل وسائل الدمار الشامل للتسقيط والتنكيل به ، ولكنه سرعان ما يعود متندما ربما تدمع عينيه تأثرا و تأسفا على فعلته تلك ، في ظروف متغيرة ومختلفة إيجابية أخرى ..
يحقد ويكره بسرعة ولكنه إذا ما جاءت مناسبة ملائمة معينة ، فسرعان ما ينسى كراهيته وحقده و يصبح ودّيا و طيبا وديعا إلى أقصى حد ، بل ويكون كريما مع خصمه ــ الافتراضي ــ وحتى بشكل مبالغ به أحيانا ، وربما يصبحون أصدقاء أيضا إذا ما تلاءمت الظروف في أوضاع أو مناسبة ودية واحتفالية مفرحة ..
( بالطبع مع وجود نماذج و حالات استثنائية مرضية مزمنة ــ ميؤوس منها من ناحية تغيير أو اندماج في بيئة إنسانية سليمة ــ وهي تعتاش على شحنات دائمة من بغض و حقد وكراهية نحو الآخر الذي يتخذ منه خصما دائما ، ليضفي من خلال ذلك معنى ومبررا على حياته المضطربة والمتشنجة دوما ) ..
ولكن يبدو أن مناسبات معينة ــ كخوض مباريات كرة القدم ــ مثلا ، ويا له من وصفة سحرية مدهشة ! تؤثر على النفسية العراقية كبلسم شاف ومجدد ــ هي أكثر الأجواء والمناخات الاجتماعية مناسبة وملائمة للنقلة الكبيرة للشخصية العراقية ــ عموما وليس مطلقا ــ بين الأضداد المتضادة من تناقضات محيرة حقا ، من حيث الانتقال والقفزات المفاجئة من السلبية المتشنجة المعتمة ، انتقالا أو قفزة عبر حدوث تغييّر وازدهار الشخصية نحو آفاق تسامح و طيبة كرم و سخاء وشعاع روح أخوية دافئة وحنونة !، ( بالطبع في هذه المرة كحالة إيجابية وقيّمة ووثّابة في سلم القيم الإنسانية السامية ) ، بل و نسيان الماضي سريعا بكل تظلمّاته ومآسيه وكوارثه ومعاناته الفظيعة التي قد تكون سببتها هذه الجهة المحلية أم تلك الأطراف الأجنبية ..
( في السنوات الماضية حتى الضحكة اعتبرها بعض الفئات العقائدية المتعصبة حراما في العراق لو تسنت لهم فرصة لعاقبوا كل مَن يضحك !!)
و كذلك الانتقال الجماعي السريع بين ليلة وضحاها ـ من طقوس حزن و أجواء موت وانتحاب ، إلى كرنفال فرح و بهجة وغبطة وغناء و رقص ..
و آخر دليل على انطباعاتنا ـ أعلاه ـ هو :
كيف جمعت الرياضة العراقيين بمختلف مكوّناتهم و أديانهم منصهرين كنسيج اجتماعي منسجم في بوتقة واحدة ــ كذلك ما تلمّسه وعايشه مواطنو دول الخليج و أجانب آخرون أيضا من قبل أهل البصرة ، في مناسبة مباريات( خليجي ــ 25 ) من أواصر ترحيب ومودة حارتين ، ربما محبة صادقة أيضا ! ، فضلا عن مظاهر كرم وسخاء فخمة ومشهودة ، وصلت لحد عدم قبول أسعار الأشياء المشتراة في المحلات أو المطاعم في مدينة البصرة ، وكذلك التنقلات المجانية في وسائط النقل و المواصلات العامة أو الشخصية من قبل هؤلاء الضيوف الخليجيين ، فكل ذلك قد أدهش كثيرين من أبناء الخليج ، ليكتشفوا أخيرا أن أهل العراق ليسوا مثلما صورتهم وسائل الإعلام الخليجية ، أو العربية الأخرى بشكل سلبي وبشع مشوّه في تلك الأوقات المتأزمة والتي ليست ببعيدة جدا ..
بل …………………..
أنا واثق تماما من أنه لو جرت مباريات” خليج 25 ” في بغداد ـــ أو في أية محافظة عراقية أخرى ــ فأن معظم أهالي بغداد أو سكان تلك المحافظة لقاموا بنفس المستوى من حفاوة استقبال واحتضان وخدمات مجانية وترحيب ومودة عارمة بالضيوف الأجانب ..
ولكن في نفس الوقت عندما هذا العراقي السخي والكريم أو ذاك ، و الذي يرفض أن يقبل سعر البضاعة المشتراة من قبل الضيف الخليجي الغني ــ رغم إلحاح هذا الأخير من أجل الدفع ــ و الذي نجده يفتح حضنه واسعا أمام الخليجي أو غيره ، إلا أنه عندما يمر عبر الرصيف وهو يرى طفلا ، أو صبية عراقية صغيرة تجلس ناعسة متكئة على ركام بضائعها ، لتبيع مناديل ورقية أو مياها معدنية في الساعات المتأخرة من المساء المغبر بدخان السيارات والمخاطر المحدقة ، فيمضي إلى شأنه بلا مبالاة وعدم اكتراث ، دون أن يستوقفه ذلك المشهد المؤسف والمحزن حقا ..
أو عندما يرى حفنة من لصوص تنهب ثروات بلده وتسبب له كل هذا الشقاء والمعاناة لا يتضامن ، كنسيج اجتماعي واحد وبقوة جبارة وهائلة ــ مثلما حضوره الهائل في مناسبات رياضية ــ ليرمي بهذه الحفنة من الساسة الفاسدين في قمامة النفايات السياسية ..
فهذه ليست ازدواجية في الشخصية العراقية فقط إنما أعمق النفس غورا و أبعد لمحات اجتماعية مدى ، من ذلك بكثير حين يكون منغلقا جدا أو منفتحا جدا بين طرفي المبالغة والتطرف ..
ومن شبه مؤكد أنه كانت لتلك المراحل العصيبة من القمع السياسي والفئوي السلطوي الدموي الفظيع للأنظمة السابقة والحالية، والمتكررة بين فترة و أخرى التي مرت على حياة العراقيين ، إضافة إلى كثرة الحروب الطاحنة الرهيبة والعديدة ، فقد كانت لها دورا كبيرا في عدم استقرار موجات النفس العاصفة والمضطرمة للشخصية العراقية على حالات واحدة متجذرة من نهج وسلوك دائمين ، أسوة بشعوب وأقوام أخرى ..
ولكن الجانب الإيجابي في هذا الأمر كله ــ حسب اعتقادي طبعا ــ هو هذا الميل الجيد نحو الانفتاح و التغيير الجماعي السريع من حالة أو مرحلة إلى أخرى ربما نقلة حضارية مجيدة ومفرحة التي تتمتع بها الشخصية العراقية لو …نقول لو حكم العراق رجال دولة من سياسيين محترفين شرفاء يكون هاجسهم البناء والتعمير و تقديم الخدمات فقط ، دون أن يخلطوا العقيدة أو الأيديولوجيا بشؤون إدارة الدولة ، بقدر ما يسعون إلى إدارة دولة خدمات تهتم برفاهية المواطن و تسهيل شروط عيشه ونوعية حياته ، وتطوير قدراته الذهنية وإمكانياته العلمية وتنمية مواهبه من خلال المدارس والجامعات العصرية وذات الاختصاص المهني والحرفي فقط ، بعيدا عن جعله عبارة عن ببغاء ملقن يردد شعارات سياسية فئوية أو عقائدية أخرى ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here