الكوكب وضيمه

أ.د عبودي جواد حسن
برفسورسابق في الترجمة الاعلامية \جامعة عجمان\الامارات

لا يختلف اثنان بان الفن بكل انواعه سواء اكان شعرا او رسما او نحتا او موسيقا أو قل ماشئت ما هو الا انعكاس لواقع بيئة معينة مهما كانت مساحة تلك البيئة وتعداد سكانها فقد تكون بلدة صغيرة أوكوكب من كواكب هذا الكون الشاسع. والفاعل الاصيل اي الفنان الاصيل هو جزء لايتجزأ من تلك البيئة ولسان حالها واختياراته هي تعبير لما يجري ويدور وقد يتعاون مع غيره من ابناء بيئته للاشتراك في الولادة الجديدة. لنترك هذه الحقائق ولنتاول بعض من الاشعار المغناة.
ففي النصف الثاني من القرن العشرين في خزين ذكراتي تلك الاغنية التي قامت فرقة البيتلز الانجليزية (The Beatles ) بانتاجها وهي اغنية ( Imagine) (تخيلوا) وقام بتقديمها عضو الفرقة جون لنين الذي اغتيل في نيويورك من طرف معجب مخبول. وهي اغنية لقصيدة لايسع المكان لذكر محتواها بالكامل وهي دعوة للمتلقين ان يتخيلوا انهم يعيشون بسلام في عالم لافوارق ولا قتل ولا استشهاد فيه ولا حدود بين دوله . وتقول القصيدة قد يتخيل المتلقون ان الشاعر يحلم ويرد الشاعربالقول هذا التصور ليس تصوري وحدي وآمل ان يوم ما سيراودكم هذا التخيل. كما يقول تخيلوا لا وجود لتملك الاشيئاء في عالمنا المتخيل هذا فلا حاجة للطمع والجوع ولكن سيكون هناك وجود وسيادة لاخوة الانسان لاخيه الانسان.
جاءت هذه االقصيدة المغناة وهي من تاليف الراحل جون لنين بعد ما ساد العالم من احداث في القرن العشرين وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية واثناء الحرب الباردة (Cold War) وانقسام العالم الى معسكرين راسمالي واشتراكي متناقضين ايدولوجيا واثناء استمرار الحرب في فيتنام والتي راح ضحيتها الالاف من الابرياء واثناء الثورة الثقافية في الصين واثناء ويلات القرن الاخرى المتعددة. هكذا كان الفن الهادف في القرن العشرين. فن يدعو الى التعايش السلمي ونبذ الفوارق وازالة التميز.
الا انه لسوء الحظ ان مبتغى خيال ها الفنان صاحب القصيدة المغناة وامله وحلمه في ان تزول الفروق ويسود السلام وتزال القيود ويعيش الانسان بحرية كما يشاء لم يتحقق في اي مكان من هذا الكوكب. حيث اشتعلت الحروب وانتشرت الاوبئة وازداد بؤس الناس واضطربت البيئة وتقلب المناخ وكثرت الكوارث والفواجع ونشب الاقتتال بين سكان هذا الكوكب (Earthlings )في معارك وحروب على الارض والسماء ولم تنجو منه حتى المياه باحياءها
وبعد هذا وعلى الصعيد االعربي في الالفية الثالثة وفي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين جاء دور الفنانة العربية الشابة عراقية الاصل والهوى رحمة رياض في قصيدة مغناة تدعو فيها الحبيبة حبيبها الى مغادرة هذا الكوكب والابتعاد عنه وعن محاربي المسرة والسرور Joy Killers) ) والعيش براحة بال والتمتع بما توفره الكواكب الاخرى من سلام وحرية وعدالة وعيش هانىء وذلك بعد ان جزع محبو الحرية والعدالة والسلام من المناداة والدعوة الى ترك العشاق بحالهم. وللتذكير العشاق هنا مجازا هم عشاق الحب والحياة بعد ان فشلت كل الجهود لتحقيق ذلك على كوكب الارض المحترق بنيران الهلاك والسائر نحو الهاوية هكذا رسمته القصيدة.
ما اردنا قوله لقد جزع الانسان من المهالك واشباهها التي يعيشها كل يوم وكل ساعة على هذا الكوكب واخذ يبحث عن السلام والطمانينة في كوكب آخرغيرهذا بعد ان جزع من المناداة الى فك اسره من الحزن والبؤس بواسطة عشاق الكوارث والماسي المجبلين على الشر وعلى هذه الطباع الذميمة . ولم يجد هذا الانسان من منفذ للتعبير عن ورطته هذه الا الفن والشعر والغناء على وجه الخصوص وهكذا اخذ يتنادى المحبون بكل انواعهم واجناسهم الى النفوذ الى كواكب اخرى وما قصيدة الكوكب الا صرخة بوجه هؤلاء الاشرار وليس استسلام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close