تفريغ الغضب

حمزة الحسن

عندما تكون هناك مظاهرة أو فكرة اعتصام،
نكتفي بالصمت
احتراماً لمشاعر الناس،
رغم أننا نشعر بلا جدوى ذلك وأن هذه المظاهرات أفرغت
الناس من طاقة الغضب والانفجار على مراحل وخدمت النظام،
من دون أية نتائج وغالباً ما تأتي النتائج عكسية،
لكن هذه المرة إستثناءً:
لماذا نتظاهر ضد ارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر الدينار،
مع أن سعر الانسان نفسه وصل الى الحضيض؟

ما قيمة وأهمية ارتفاع سعر الدينار،
أمام انسان لا قيمة له ولا لثروته وكرامته ومستقبل أطفاله؟
ثم هل قيمة الدينار في ارتفاعه؟
أم في الخدمات والحقوق والاسعار والبنى التحتية والصحة والتعليم الحديث
وفي الأمن والعدالة والضمان الاجتماعي؟
كان سعر الدينار في النظام السابق وصل الى ثلاثة دولارات وعشرين بنساً
في السبعينات والثمانينات،
لكننا كنا نساق كعبيد الأزمنة القديمة بسلاسل في حروب عبثية
أكلت الأخضر واليابس مع قمع وحشي:
ما قيمة أن يرتفع الدينار اذا كان الانسان نفسه بلا قيمة؟

ثم السؤال الأهم:
متى نكف عن تجزئة القضايا الى تفاصيل فرعية،
كهرباء وسعر العملة وسرقات وعصابات وحوادث اجرامية وتأخر رواتب والخ،
في حين كل القضية تتلخص في:
” النظام السياسي”
المنتج لكل العاهات والأمراض والمشاكل:
كيف يمكن علاج أعراض المرض كالحمى، مثلاً، بمسكنات،
دون علاج جذري للمرض نفسه؟

قصة العملة مثل قصة الكهرباء قرار سياسي يتم التلاعب به لأجل مصالح سياسية داخلية وخارجية ونظام المصارف العالمي متشابك ومتداخل تداخل أنياب الكلب.
الكهرباء ليست إنارة فحسب بل المستقبل،
الجامعة ومركز الأبحاث والحالة االنفسية والمستشفيات والتأمل والمزاج والمصنع
والتواصل مع علوم العصر ،
وضرب الكهرباء ضرب المستقبل.

لماذا لا نريد أن نفهم رغم كل تجارب العشرين سنة أن ” الحصار الاقتصادي”
في التسعينات مستمر حتى اليوم بطرق
أكثر مكراً ودهاءً وخبثاً
ومدرسة” صبيان شيكاغو Chiago school economics” في جامعة شيكاغو
الاقتصادية المتخصصة في تدمير الأسس الاقتصادية
التي يرتكز عليها المجتمع وتركه يتفسخ وينهار،
كما فعلت في تشيلي والاتحاد السوفيتي وكوبا والارجنتين وكوريا الشمالية وحصار العراق وغيرها من الدول تقف خلف كثير من أشكال التلاعب والهدم المنظم الخفي؟

لقد أدمن النظام على المظاهرات وإن لم تكن يخلق ظروفها لافراغ طاقة الغضب من التراكم وانفجار كبير في ظروف غير مناسبة له،
وانتفاضة في الموعد الخطأ يعادل خسارة ثورة قادمة،
وعلى قاعدة نعومي تشومسكي في قواعد خداع الشعوب:
” إخلق المشكلة لكن جهز لها الحل”
بحيث يتحول الحل الجاهز قبل المشكلة الى مكسب وانجاز واحتفال وإشادة،
وبهذه الطرق يعلم الشعب النظام كيف يخدعه بطرق ملتوية.

الخلاصة المركزة لكل القضايا في :
إعادة صياغة النظام السياسي على أسس جديدة،
وهي مهمة، في الظروف الراهنة، غير ممكنة،
ومع المطالبة برفع سعر الدينار،
ما هي المشكلة لو قام هؤلاء برفع وعي الناس إلى أن المعضلة لا تحل برفع سعر العملة،
هذا إذا كانوا يدركون أن هذا هو المأزق؟
ونشك في ذلك.

علاج مريض في حالة إحتضار أو نظام زومبي لا يتم بالمساج والبخور والتعاويذ والدعاء والنصائح والآمال الساذجة والبلاغة.
هذا النظام غير قابل للاصلاح بالمطلق،
وأي إصلاح جذري يهدمه لأنه تأسس على أسس خاطئة بل فاسدة،
فكيف نزيل عمود عمارة معوج ترتكز عليه،
دون أن تنهار العمارة؟

حدث العاقل بما لا يليق،
فإن صدق فلا عقل ولا ربطة عنق ولا بنطال ولا حذاء ولا حزام ولا شوارب،
بل حتى لا حمام ولا مطبخ ولا كهرباء ولا مستقبل له:
ومن يدري ربما لا قبر له وعساها بحظ وبخت فلاسفة التتن الذين أوهموه
أن الخيول ستتحول الى نسور والأنهار سيجري منها العسل،
والنملة شادة حزامها وترقص هجع وعمود الكهرباء يضرب طبل والكراسي تغني والملاعق
تعزف بيانو والمطي يقرا انكليزي. لم لا؟
ألسنا فرسان البلاغة والفصاحة والخيل والليل والبيداء والقرطاس والقلم يعرفنا
ونبات الخرّيط وأبو الجعلُ؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close