ما هي الحدود الفاصلة بين مجاملة أو تزلف ونفاق و بين ثناء و رياء ؟ :
بقلم مهدي قاسم
في أغلب المجتمعات الشرقية التي تعشعش في قلوب شرائحها و فئاتها الواسعة مظاهر تظلمات و أحقاد وكراهية مزمنة ، أوجدتها ظروف الفقر والحرمان أو الثراء الفاحش وغير المشروع و حساسيات سياسية أو احترابية فئوية ــ على عقائدية ، إضافة إلى عدم تكافؤ مصاحب بمشاعر غبن وإجحاف عند البعض الآخر ، و خاصة غياب مبادرات تقدير وتثمين لجهود فردية أو جماعية مبذولة ، سواء كانت جهودا عضلية أو فكرية وروحية جمالية ، بالطبع فضلا عن آفات غيرة أو حسد التي غالبا ما تصبح متحولة إلى رادار أو ناظور كبير ، عند هؤلاء أو أولئك للنظر من خلاله ، بنية مسبقة لاعتبار كل من يُشيد أو يثمّن جهدا مبذولا و مفيدا لصالح الجماعة أو الأفراد هو شكل من أشكال تزلف ، مجاملة ، بل أقرب إلى نفاق ورياء !..
علما إن بعضا من هؤلاء أو أولئك ، عندما يتعلق الأمر به ثناء أو مدحا من قبل الآخرين فلا يعتبر الأمر تزلفا أو نفاقا بل يسر و يفرح لذلك !! ..
في حين عندما يشيد أو يثني المرء بغيرهم فسرعان يعتبرونه مجاملة متزلفة أو نفاقا فاضحا ..
بالنسبة لهم ، يجب أن تكون ” الأنا ” المتضخمة عندهم هي مركز الكون المشع على الإطلاق ، بينما الأخرين ما هم سوى أطياف باهتة وشاحبة تدور عائمة حولها ضئيلة منحنية !..
أما في المجتمعات المتحضرة ـــ كالأوروبية ــ مثلا و ليس حصرا ــ فأن التقدير المعنوي ــ تثمينا و إشادة ، بل مدحا ــ طبعا لمن يستحق عن جدارة ، من المميزين إبداعا أو لعاملين خيرا لصالح المجتمع و عملا نافعا ، فأن مثل هذه الإشادة أو الثناء تعد أمرا مهما ، بل من صميم القيم الاجتماعية السائدة ، وذلك بهدف إحساسه بأهمية عمله الجيد والمفيد للآخرين و أن المجتمع يقدره على ذلك ،الأمر الذي سيدفعه ــربما ــ إلى بذل مزيد من جهود و أعمال خيرة أو خلق قيم جمالية لصالح المجتمع ، و بعيدا تماما عن مظاهر مجاملة أو نفاق ..
بل …
أن هذه المجتمعات المتحضرة تجد أنه لأمر عادي تماما أن تشيد وتثني على حيوانات مدجنة وأليفة عندما تستجيب هذه الحيوانات مطيعة لأوامر أصحابها لأمر من الأمور تتعلق بالنظافة واللياقة مثلا ..
فيخاطبونها بثناء وإشادة
ــ كلب شاطر .. كلب ماهر ..ببغاء ذكية .. و الخ ..
فعندها تهز هذه الحيوانات ذيلها سعيدة ، كأنها تشعر بأهمية هذه الإشادة و الثناء لسلوكها اللطيف !..