المباديء الأساسية للتنمية المستدامة

ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – كلية شط العرب الجامعة – البصرة
المصدر: تقرير صادر عن جامعة سان دييغو الأمريكية San Diego University

أدت الثورة الصناعية الى تحقيق النمو والتطور الأقتصادي ، لكنها في الوقت ذاته أدت الى بروز مشاكل عالمية شاملة مثل التغيير المناخي والتدهور البيئي وأستغلال الطبقة العاملة وتعاظم التفاوت الأجتماعي. ورغم أن منظمات مختلفة وجماعات النشطاء قد طالبت ودعت الى حماية المجتمعات المختلفة ، مثلما عمدت الحكومات الى سن تشريعات لتطوير التكنولوجيا المستدامة وتحسين الظروف المعيشية ، فأن الحاجة تدعو الى بذل المزيد من الجهد لتحقيق المزيد من الأنجازات.
ولاشك أن للتطور والنمو حدودا معينة. ولكي يكون بمقدور الأجيال القادمة أن ترث الموارد التي يمكن أستخدامها لضمان رفاهيتها فأنه لابد من وضع بعض القيود على مستويات الأستهلاك السائدة حاليا. ولابد ان ندرك في أطار مثل هذه العملية أن تحقيق المزيد من التنمية المستدامة لايعني أن بيئتنا الحالية أو نمط أفعالنا يمكن أن يكون مستداما.
وهناك بالطبع مهتمون بضرورة ضمان مستقبل مستدام ، ولمثل هؤلاء لابد من أيلاء أعتبار خاص وفهم واضح لما تعنيه التنمية المستدامة وأهميتها ومبادئها الأساسية. كما يتعين دعم الأهداف التي تؤثر على نحو أيجابي على النمو الأقتصادي والتضمين الأجتماعي وحماية البيئة.

أهمية التنمية المستدامة
يتعين على سائر الثقافات والشعوب أن توازن مابين الأحتياجات الأقتصادية الحالية بشكل يؤدي الى الموائمة بين نواحي القصور الأجتماعية والبيئية كي نحافظ على الموارد الطبيعية والهواء النقي والماء الصالح للشرب والبيئة الصحية للأجيال القادمة. وهذه في الواقع الطريقة الوحيدة لضمان رفاهية بعيدة المدى تتعلق بالصحة والمجتمع أن لم يتعلق ذلك مباشرة بالوجود البشري.
ووفق (أجندة التنمية المستدامة) Sustainable Development Agenda الصادرة عن الأمم المتحدة فأنه يتعين على الشعوب والمنظمات والأفراد أن يتخذوا الأجراءات الضرورية لتوطيد اعمدة التنمية المستدامة الأساسية الثلاثة وهي:
1. التضمين الأجتماعي: كي نضمن حصول سائر الشعوب والثقافات على الفرص ذاتها مع التركيز في العقد (2020 – 2030) على تحقيق المساواة بين الجنسين.
2. الأستدامة البيئية: والهدف من ذلك التصدي للتهديد الوجودي المتمثل بالتغيير المناخي من خلال العمل على تقليل التلوث وتجديد البيئة الطبيعية وتطوير الطاقة المتجددة (الخضراء).
3. الرفاهية الأقتصادية: العمل على القضاء على الفقر والجوع من خلال أتاحة الفرص والرفاه الأقتصادي لسائر الشعوب والثقافات والجماعات.
هذه الأعمدة الثلاثة متداخلة بعضها مع البعض الآخر حيث أن تدعيم أحداها سوف يؤثر تأثرا أيجابيا أو سلبيا على العمودين الآخرين. فعلى سبيل المثال ووفق ماأشار أليه ماكنزي McKinsey فأن النمو الأقتصادي قد يفضي الى توفر التمويل المالي اللازم لأبتكار وسائل جديدة للأستدامة البيئية ، لكن من خلال أستهلاك الموارد التي لايمكن تعويضها بسهولة أو أنها ربما تكون غير قابلة للتعويض.
أن مثل هذه العلاقة الدقيقة تطرح أسئلة مهمة مثل: كيف يمكن للنمو أن يؤدي الى تقليص عدم المساواة من دون ان يؤدي ذلك الى تركيز الموارد الطبيعية بيد الأطراف القوية؟ وكيف يمكن للدول المتطورة أن تضمن أن الدول النامية تحظى بالدعم من خلال التحول من الممارسات غير المستدامة؟ والسؤال الأهم هو الآتي:

هل يمكن ان تكون التنمية مستدامة؟
لايمكن الركون ألى مرجعية واحدة لتعريف التنمية المستدامة ، وعليه فأن بلورة مثل هذا المفهوم قد نشا عبر سلسلة من المؤتمرات الدولية نورد في أدناه أكثرها تأثيرا:
مؤتمر الأمم المتحدة عام 1972 الخاص بالبيئة البشرية.
التقرير الموسوم (مستقبلنا المشترك) لعام 1987 والمعروف ب (تقريربرنتلاند) Bruntland Report الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالبيئة والتنمية.
قمة الأرض في ريو عام 1992 التي صدرت عنها أجندة 21.
تقرير (أهداف التنمية المستدامة لعام 2015) الصادر عن الأمم المتحدة والذي يضم 17 هدفا رئيسيا و 169 هدفا فرعيا قابلة للتحقيق حتى عام 2030.

وقد نتجت عن تلك المؤتمرات جملة مباديء مثل التضمين الأجتماعي والأستدامة البيئية والرفاه الأقتصادي والمجتمعات الآمنة والشراكات بين مختلف البلدان والشعوب. على ان تلك المؤتمرات والتقارير قد أنتقدت بسبب الأخطاء غير المقصودة وسوء الفهم والتراخي.
لقد فشلت التقارير الأولى في فهم طبيعة الفقر في البلدان النامية ولم تشدد على ألتزامات البلدان المتقدمة.
طرحت التقارير الأولى وجهة نظر متوازنة في الغالب من جانب البلدان المتقدمة دون الألتفات الى مايجول في بال البلدان الفقيرة أو النامية أو الأطراف الأخرى المستفيدة من حملة الأسهم والسندات.
لم تتوفر الرغبة أو المقدرة في تحميل الشعوب أو المؤسسات المسؤولية من جراء التراخي أو الفساد ، أضافة الى عدم توفر الوسائل الفعالة للسيطرة على تأثيرات التغيير وقياسها.
أتسمت المفاهيم الأولى التي شكلت الأساس للتنمية (المستدامة) بكونها ضعيفة حيث بدت أوجه التقدم شكلية فحسب أما التفاوت الأجتماعي والتدهور البيئي فقد ظلا على حالهما.

وقد استهدفت اهداف التنمية المستدامة لعام 2015 التعاطي مع أوجه النقد المبكرة من خلال أنتهاج منهج تعاوني بالنسبة للتنمية المستدامة. كما كان الهدف أيضا السعي لأشراك المزيد من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة وعدد كبير من الخبراء الفنيين. كما أن تلك الأهداف أستوجبت أعادة تشكيل مفهوم الأستدامة.
الأستدامة الضعيفة والأستدامة القوية
جاءت الأستدامة الضعيفة حصيلة تشكيل المفهوم الأولي لتقاطع مختلف الموارد أو رأس المال كي يتم أستخدامها من جانب الأجيال القادمة. ومن أمثلة هذا التبادل هو التناقص في الموارد الطبيعية التي تمت موازنتها من خلال زيادة الموارد الأخرى– وهو في الأغلب تعاظم رأس المال البشري. ومن الناحية النظرية فأن مثل هذا التعويض سوف يؤدي الى رفاهية بشرية بيّنة.
وتكمن مشكلة الأستدامة الضعيفة في أنه من خلال التطور الصحيح والأستثمارات يمكن الحصول على جوانب التنمية المستدامة (على نحو شامل) مثل النمو الأقتصادي والمجتمعات المزدهرة. وفي الوقت الذي شاعت فيه الأستدامة الضعيفة في أوساط الحكومات والأعمال فأنها تعرضت الى نقد قاس من جانب الأكاديميين والنشطاء والباحثين مثل كلاوس بوسلمان Klaus Bosselmann على أساس كونها (خاطئة الى حد بعيد). وماتزال الأستدامة الضعيفة تستنزف الموارد غير القابلة للتعويض ، وهذا يعني أن التنمية المستدامة أمر مستحيل.
بدلا من ذلك يتعين علينا التوجه الى نموذج جديد للتنمية المتجددة مثلما اورد جوليان أجيمان Julian Agyman في مفهومه عن الأستدامة (العادلة) والذي يبين فيه الكيفية التي تؤثر فيها التنمية في الوقت الحاضر على الأنظمة الطبيعية ويعمد الى أستخدام أساليب لأستعادة الأنظمة وكذلك تحسين الأنتاجية.
أما الأستدامة القوية strong sustainabiility فلا تتيح الفرصة لتعويض الرأسمال البشري لعناصر طبيعية مثل الأرض أو المياه أو التنوع الأحيائي. ويتعين على التنمية المستدامة الحقيقية أن تقر بأن المنتجات التي يقوم بها البشر لايمكن أن تحل تماما محل الرأسمال الطبيعي الذي نجده في الأنظمة البيئية بحيث تتم المحافظة على الرأسمال الطبيعي والأهتمام به وتجديده.
وقد مثلت اهداف عام 2015 خطوة نحو الأستدامة القوية بالتوافق مع أفساح المجال للأنصاف والعدالة لمختلف المجتمعات في أرجاء العالم. ولتحقيق مثل هذا الغرض أدرجت أجندة عام 2030 سبعة عشر مبدأ اساسيا للتنمية المستدامة تسعى في مجملها لتحقيق ممارسات تنمية عادلة ومتجددة.
وتتداخل أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة مع بعضها البعض فالفقر على سبيل المثال يساهم بحصول عدم المساواة بين البشر مما يؤثر على جودة البنى التحتية ، وهذا بدوره يؤثر على أستخدام الموارد والأستهلاك ومايتبع ذلك من حصول نزاعات تؤدي الى المزيد من الفقر وما الى ذلك. ومثلما هو حال أعمدة التنمية الأقتصادية الثلاثة فأن التضمين الأجتماعي والأستدامة البيئية لابد ان يتصفا بالتوازن والتكامل فضلا عن ضرورة تطبيق النظرة ذاتها على اهداف التنمية المستدامة التسعة عشر الآتي ذكرها:
1. القضاء على الفقر بأشكاله كافة في كل مكان بالعالم.
2. وضع حد للجوع وتحقيق الأمن الغذائي والتغذية المحسنة ودعم الزراعة المستدامة.
3. ضمان حياة صحية للناس والسعي لتحقيق الرفاهية للجميع وللأعمار كافة.
4. ضمان جودة تعليم منصف وشامل ودعم فرص التعلّم مدى الحياة للجميع.
5. تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.
6. ضمان توفر مياه الشرب النقية وتعزيز الصحة العامة وتحقيق أدارتها المستدامة.
7. ضمان الحصول على الطاقة الرخيصة نوعا ما التي يمكن الثقة بها والمستدامة والحديثة للناس كافة.
8. دعم النمو الأقتصادي المستدام والشامل وتوفير العمل الكريم والمنتج للجميع.
9. أقامة بنى تحتية مرنة ودعم التصنيع الشامل والمستدام وأحتضان الأبتكار.
10. تقليص هوة اللامساواة في مختلف البلدان.
11. اضفاء صفة المرونة والأمان والشمولية والأستدامة على المدن والمستوطنات البشرية.
12. ضمان تحقيق الأستهلاك المستدام وأنماط الأنتاج.
13. أتخاذ أجراءات سريعة وفعالة للتصدي للتغييرات المناخية وتأثيراتها.
14. المحافظة على المحيطات والبحار والموارد البحرية وأستخدامها بشكل مستدام في التنمية المستدامة.
15. حماية الأنظمة البيئية البحرية وأحياءها وضمان أستخدامها بشكل مستدام ، وكذلك التعامل مع الغابات على نحو مستدام ومحاربة التصحر وأيقاف ما يحصل للأراضي من تدهور وكذلك ايقاف مانتعرض له من خسارة في مجال التنوع الأحيائي.
16. دعم أقامة مجتمعات آمنة مهيئة للتنمية المستدامة والسعي لتحقيق العدالة للجميع وأقامة مؤسسات مؤثرة ومسؤولة على مختلف الصعد.
17. تدعيم وسائل التنفيذ والعمل على تنشيط الشراكة الدولية في أطار تحقيق التنمية المستدامة.
أن لمثل هذه التعهدات تطلعاتها الكبيرة وأهميتها ،غير أنها تواجه عقبات على المستويين الوطني والدولي. وعلى أثر ذلك ظهرت الآلاف من المنظمات وتطوع الملايين من الناس وأنفقت مليارات الدولارات من أجل تحقيق تلك الأهداف قبل عام 2030.
مامدى أسهامنا في التنمية المستدامة؟
من الجوانب الأيجابية في هذا الخصوص أننا بدأنا نعرف المزيد عن التنمية المستدامة ، لكن التثقيف حول هذه المسألة يمثل الخطوة الأولى فحسب. وقد وضعت أحدى الأنتقادات التي وجهت الى مؤتمرات الأمم المتحدة الأولى وخاصة العبارة التي أطلقت في قمة ريو لعام 1992 (فكر عالميا وأعمل محليا) عبء التغيير على العمل الفردي بعيدا عن أحداث تغييرات أكبر وأكثر شمولية لمجالات أساسية مثل أنتاج الطاقة وأستخدام الأرض والزراعة والأسكان. أن العمل على تحقيق التنمية المستدامة يتطلب دعاة التغيير والمخترعين والمؤيدين في مراكز صنع القرار.

What is Sustainable Development?sandiego.edu

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here