العراق يستبدل الولايات المتحدة بفرنسا وسلة من مذكرات تفاهم قابلة للإلغاء

بغداد/ تميم الحسن

احتفل الإطار التنسيقي بما وصفه «أكبر اتفاقية» في غضون أكثر من نصف قرن يبرمها العراق مع فرنسا، فيما الحقيقة هي مجرد «مذكرات تفاهم» بحسب بعض المصادر.

وبالغ «الإطار» في مديح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فيما كان العام الماضي قد اتهمه بـ «التدخل في شؤون العراق».

ويرجح ان الافراط في توصيف ما جرى خلال زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الى باريس وراءه القلق من الولايات المتحدة.

وعرج السوداني في تصريحات على هامش الزيارة على ازمة الدولار ومستقبل القوات الاجنبية في العراق.

وكشف الاعلام الرسمي عن ان ما اسماه بـ «الشراكة الستراتيجية» مع فرنسا تضمنت 50 مادة واكثر من 60 بنداً.

ويقول مصدر سياسي مطلع لـ(المدى) إن «ما حدث في فرنسا هو مذكرات تفاهم بمعنى انها بدايات للشراكة».

واضاف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه: «مذكرات التفاهم خاضعة لمزاج المعادلة السياسية التي تحكمت في تلك الفترة فاذا تغيرت هذه المعادلة في وقت لاحق قد يتم الغاء هذه التفاهمات او عدم اتمامها».

ويؤكد، ان «عدم الاستقرار السياسي في العراق هو ما يمنع الدول من عقد اتفاقيات طويلة الأمد والاكتفاء بمذكرات تفاهم وعلى أساسها يتم تقييم الوضع».

وكانت مذكرات تفاهم سابقة ابرمها رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي عام 2021 بـ 27 مليار دولار مع فرنسا في مشاريع طاقة ونقل لم يعد أحد يتحدث عنها بعد الان.

واشار المصدر المطلع الى ان «التضخيم من حجم الزيارة والاشارة الى فقرات كثيرة للشراكة مع فرنسا هو بسبب القلق من صدام قريب مع الولايات المتحدة».

ويرجح المصدر ان «الإطار التنسيقي يفكر بإيجاد دولة اخرى للتفاهم معها او بوابة الى الولايات المتحدة التي مازالت غير مطمئنة للتعامل حتى الان مع التحالف الشيعي».

واختتم رئيس الوزراء محمد السوداني، أمس السبت، زيارة استمرت يومين الى العاصمة الفرنسية باريس في 8 جولات خارجية لرئيس الحكومة منذ تسلمه السلطة قبل اقل من 100 يوم.

وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان أن «السوداني اختتم زيارته الى فرنسا بعد أن شهدت الزيارة توقيع اتفاق الشراكة الستراتيجية بين العراق وفرنسا والذي اشتمل على أكثر من 50 مادة للتعاون والتبادل في مجالات متعددة».

وأضاف البيان أن «الزيارة تضمنت توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مكافحة الفساد واسترداد الأموال العراقية، وحماية الآثار ودعم البحث العلمي وتدريب الدبلوماسيين».

ولفت البيان، إلى أن «الزيارة شهدت أيضاً عقد لقاءات مع عدد من ممثلي كبريات الشركات الفرنسية في قطاعات الطاقة والنقل والتسليح العسكري والبنى التحتية».

وجاء توقيت الزيارة فيما يواجه العراق ازمة غير مسبوقة في ارتفاع سعر صرف الدولار وتهديدات باحتجاجات جديدة ضد السياسة النقدية.

وكان محتجون قد أمهلوا الحكومة يوم الاربعاء الماضي، اسبوعا واحدا قبل العودة للاعتصام امام البنك المركزي احتجاجا على ارتفاع الدولار.

وكررت منصات ومدونو الإطار التنسيقي بما يشبه الخطاب الموحد، معلومات عن تفاصيل التفاهمات مع باريس والكثير من المدح للرئيس ماكرون.

وقال بعض المدونين ان الرئيس الفرنسي «ضرب التقاليد الدبلوماسية» اثناء الزيارة ليرحب بالسوداني واظهر حفاوة غير مسبوقة باستقبال رئيس الوزراء.

وكانت نفس هذه المنصات قد انتقدت ترحيب وعلاقة ماكرون برئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لمواقف سابقة من الاخير.

وقال قيس الخزعلي زعيم العصائب في مؤتمر حواري عقد في بغداد العام الماضي، ان «الرئيس الفرنسي تدخل بشكل مباشر واتصل بالقادة العراقيين للتوسط باختيار الكاظمي».

واضاف، «نرفض التدخلات الفرنسية بالشأن العراقي»، مشيراً الى انها «منذ فترة وخلال الحكومة الحالية اخذت مساحة أكثر ودورا أكثر من دورها، من خلال استثمار علاقتها مع شخصيات ورجال الدولة».

وهدد الخزعلي حينها باريس وقال: «على الرئاسة الفرنسية ان تصحح موقفها قبل ان تكون هناك تداعيات تجاه فرنسا بعد تشكيل الحكومة (يقصد حكومة السوداني قبل تشكيلها)».

وقبيل الزيارة كانت معلومات قد وردت لـ(المدى) رجحت ان تتضمن الزيارة في الكواليس، الحديث عن «ازمة الدولار» والتفاوض على وجود القوات الاجنبية، وعرض العراق وساطته بين دول متخاصمة.

وخلال تواجد رئيس الحكومة في باريس قال في تصريحات صحفية إن «العراق لا يحتاج إلى قوات قتالية أجنبية، بل إلى تعاون مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أو مع الدول خارج التحالف الدولي في مجال مكافحة الارهاب وضمان الاستقرار والأمن».

وعن ملف الوساطات الدولية أكد السوداني خلال لقائه التلفزيوني مع مجموعة قنوات فرنسية أنه «منذ اليوم الأول لمباشرتنا بمهام عملنا، كنا على درجة من الحرص لممارسة دور التقريب بين الجمهورية الإسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية وباقي الأشقّاء العرب لإدامة التقارب والتفاهم، وصولاً إلى الأمن وخفض التوترات في المنطقة».

وبين «حصلنا على تأكيدات من هذه الدول، ونحن مستمرون بالمساعي. هناك حرص من الدولتين على استئناف هذه الاجتماعات برعاية العراق، وقريبا نساهم بتحقيق لقاء في بغداد».

اما عن ازمة الدولار فقد المح رئيس الوزراء عن رغبة الحكومة في التفاوض مع الولايات المتحدة بهذا الشأن.

وقال السوداني إنه «سيزور وفد برئاسة وزير الخارجية ومجموعة من المختصين واشنطن، يحمل معه عدة ملفات».

وبين ان أحد هذه الملفات «سيتم تناولها مع البنك الفيدرالي الأمريكي ووزارة الخزانة، للوقوف على تداعيات تطبيق المعايير التي وضعتها الخزانة الأمريكية بالشكل الذي يضمن الهدف المرجو من كل الأطراف».

ويعتقد بالمقابل مراقبون ان الازمة الاقتصادية هي واحدة من محركات الزيارة الى فرنسا، بحسب ما يقوله احسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي.

ويضيف في حديث لـ(المدى) ان «الحكومة تريد ايجاد معادل غربي جديد يكون فاعلا في الداخل العراقي وبوابة للاتحاد الأوروبي».

ويشير الباحث في الشأن السياسي الى ان «فرنسا استغلت الانكفاء الامريكي في المنطقة فتمددت في المنطقة والعراق التقط الرغبة الفرنسية في التوسع».

وبين الشمري ان «فرنسا لديها تعاون قديم مع العراق منذ ايام النظام السابق وخاصة في عقد صفقات السلاح مع بغداد».

واشار الباحث الى ان «الازمة السياسية تدفع العراق للبحث عن اية مساحة لاستثمار العراق والتي ستكون لها مردودات مهمة على الملف الاقتصادي».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here