ثنائية الخير والشر في الطبيعة البشرية !!

ثنائية الخير والشر في الطبيعة البشرية !!
هل يولد الانسان بلا أخلاق ( أخلاق سز 😀!!!)

فاروق جواد رضا

أنشغل الفلاسفة على مدى قرون بمسألة ثنائية الخير والشر في الطبيعة البشرية ! ففريق رأى ان الانسان مجبول على الخير بالفطرة وقد رأى أرسطو ان الفضائل الاخلاقية تكتسب بالتعلم وان الانسان يولد بلا اخلاق ، كما رأى العالم “سيگموند فرويد “ان الانسان يولد كالصفحة ناصعة البياض لا هو خير ولا هو شر ، في حين ان دراسة أخرى للعالم والطبيب الايطالي “سيزار لومبروزو “ مؤسس نظرية الرجل المجرم ( وهذا ما درسناه في كلية الحقوق/ علم الإجرام ) ذهب الى غير ذلك وبين ان الانسان المجرم هو الذي يحتفظ عن طريق الوراثة بملامح خاصة و بالخصائص البيولوجية للإنسان البدائي والحيوانات المتوحشة وتتمثل في ضخامة الفكين وانحدار الجبهة والوجه عميق التجاويف ! إلا أن نظرية لومبروزو تعرضت إلى عديد من الانتقدات الواسعة من علماء الإجتماع كما اننا لم نقتنع بها ونعتقد على العكس انه ليست هناك عوامل بيولوجية وجينات داخل أجسامنا تدفعنا الى سلوك عوامل الشر والحقد والبغض والكراهية للإنسان الآخر بل ان كل ذلك مكتسب ونتاج التربية البيتية والثقافة والتعليم وقد أثبتت دراسات حديثة في علم النفس التطوري وجود شيء من “الخير الفطري” لدى البشر..
تعود بِنَا الذاكرة ونحن نبحث في هذا الموضوع الى أول زيارة لنا الى ارض الوطن بعد سقوط نظام “صدام حسين” وبعد اغتراب أكثر من عقدين من الزمن أستأجرنا سيارة تكسي لإيصالنا الى مكان معين ، وكعادة بعض السائقين بتداول الحديث عن اوضاع البلد ، سألني السائق ولم تكن بيننا سابق معرفة وهو متبرما و ” ضايج ” ( ليش أحنا العراقيين الله خالقنا هيچ مو زينين : يقصد سيئين :! ) حيث بدأ حديثه عن الفوضى العارمة والتشرذم والجرائم الكثيرة التي كانت تحدث يوميا في بغداد حيث صب جام غضبه على منطقة فقيرة ومعينة بالذات من العاصمة واصفا سكانها بالتخلف وأنهم وراء كل هذا الخراب وانعدام الأمن في بغداد ! ومن الطبيعي أننا لم نشاركه الرأي لأننا نرى اولا انه من الخطأ تعميم الأحكام على كل سكنة المنطقة وثانيا لإعتقادنا أن السبب الرئيس لقيام البعض من سكان تلك المنطقة التي ذكرها بارتكاب الجرائم ومخالفتهم للقوانين ! وهو ان هؤلاء المواطنين ذاقوا الأمرين ومنذ عقود خلت وأنهم سبق وأن تعرضوا لأبشع انواع الإهمال وانعدام تام للخدمات والصحة والتعليم ونتذكر منها شخصيا ( فترة الصرائف والفيضانات ! ) ومعاناتهم في العهد الملكي والتي كانت ملازمة لهم سنويا ، موضحا لسائق التكسي ان الانسان في عالمنا هذا يولد خاما ونظيفا وأن الظروف والمجتمع والبيئة هو الباعث الرئيس لصلاح الإنسان من عدمه ، و سألته بدوري عن رأيه ضاربا له مثلا فيما إذا لو أخذنا طفلا حديث الولادة من هذه المنطقة الفقيرة والمهملة من العاصمة الى سويسرا أو أوربا وأعدناه بعد عشرين عاما مجددا الى العراق وبعد أن أسبغنا عليه بما هو متعارف عليه في تلك البقاع كل ما يستحقه كمواطن من فرص الصحة والثقافة والتعليم ، هل سيكون هذا الشخص على نفس النمط والوتيرة والشاكلة قياسا بغيره ممن حرم من ذلك ممن لم تتاح لهم مثل تلك الفرص ؟ فأجابني مبتسما بالنفي !! وهذا الموضوع يذكرنا ايضا بفيلم سينمائي فرنسي بعنوان «ابن الغير» (La Fils de l’Atre). يروي الفيلم حكاية طفلين في إسرائيل. حدث أثناء ضرب إسرائيل بالصواريخ خلال احدى الحروب أن شاعت الفوضى في أحد المستشفيات فاختلط طفلان ولدا أثناء ذلك بحيث تسلمت عائلة يهودية أرثوذكسية طفلاً من أم عربية، وتسلمت الأم العربية طفل الأسرة يهودية . لم تدرك العائلتان ولا السلطات الإسرائيلية حقيقة ما حدث. نشأ الطفل اليهودي بين الأسرة الفلسطينية المسلمة، حيث سموه ياسين، ونشأ الطفل الفلسطيني المسلم بين الأسرة اليهودية المحافظة وأطلقوا عليه اسم جوزيف وعندما بلغ جوزيف الثامنة عشرة من عمره وتقدم للخدمة العسكرية، اكتشفوا عند فحصه أن جيناته لا تطابق جينات والديه. تعمقوا في سيرته وفتحوا ملفات المستشفى لعام 1990 فوجدوا الخطأ الذي حصل. اتصلوا بالأسرة الفلسطينية التي ربت ابنهم وسمته ياسين. صدمة هائلة لكلتا الأسرتين. لم تعرفا ما تفعلانه. ولكنهما في الأخير وبعد صراع نفسي مرير رضختا للأمر الواقع. واصل الطفل المسلم حياته كيهودي وابن يهودي، وواصل الطفل اليهودي حياته كمسلم وابن مسلم فلسطيني..!
نرى انه بالإضافة الى موضوع الفيلم من الناحية الفكرية والفلسفية إلا انه يشير من طرف آخر إشارة متفائلة إلى إمكانية عيش الشعوب سوية بسلام ووئام اذا كان الوطن هو البيت الإنساني الذي يحقق فيه الإنسان لكرامة والعدالة والمساواة في تكافؤ الفرص بمعزل عن مخلفات الأشياء المكتسبة الأخرى المغايرة للفطرة الإنسانية ! بلا شك ان لا خيار للطفل عند ولادته في إختيار ما هو عليه من لون أو دين أو قومية أو مذهب !
فاروق جواد رضا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close