كيف استطاع جيرمان هزيمة ملّوح؟

حمزة الحسن

سيدة جنوبية محجبة جارتنا سافرت للعراق وأخذت معها مبلغاً من المال يتجاوز المسموح به قانونياً
وفي مطار أوسلو وخلال الانتظار كانت شرطية تتجول مع كلب بوليسي
مدرب على شم النقود واذا كانت فوق القانون وهو من فصيلة كلاب سبرينجر
يتواجد في المطارات الاوروبية وفي كوبا أيضاً.

الكلب جلس في مواجهة السيدة مثل أي شيخ قبيلة مهذب وعجب وتلك علامة على ان السيدة تحمل اكثر
من المبلغ المقرر فقالت لها الشرطية:
” لطفاً كم معك من نقود؟”
أعطتها رقماً غير صحيح فقالت الشرطية:
” الكلب يقول إن هذا الرقم غير صحيح”
شاطت الجنوبية وهي تحدث نفسها بصوت عال:
دهر صابك وفلك طكك وجيرة حاترة بعزك،
تصدقين بالكلب وأنا أكذب؟”
” إذن تعالي الى غرفة خاصة”.

وكان الكلب صادقاً وتمت مصادرة الكمية الزائدة،
لكن السيدة أصيبت بزلزال ثقافي ونفسي وهي تروي لنا قائلة:
” إذا كانت الكلاب تعرف حجم النقود المهربة،
فكيف لم نعرفها وهي تهّرب علناً في العراق؟”

وصل طياح الحظ في بلدنا
ان تحل الكلاب محل الايديولوجيا الثورية والقومية والاشتراكية،
وتتدخل كقوة تدخل سريع لفك الاشتباك
في معارك مجلس النواب وفي امكنة أخرى،
وتحرس الامن والعدالة وترسخ التنمية.
أحد العقود مع شركة امريكية وصل الى 3 مليارات و 300 مليون دينار عراقي،
اي ان سعر الكلب الواحد يساوي 25 الف دولار،
الرفيق الجديد حلّ مكان الايديولوجيا الثورية التي لم تكن تقبل الا بالتغيير الجذري للعالم.

من مواصفات الكلب البوليسي الجديد ، بتعبيرمسؤول، انه يتمتع بحاسة قوية تشم رائحة الخطر بسرعة،
ولا أدري ما الذي كان ينقص المثقف الثوري ابن السياسي الثوري عن امتلاك مثل هذه الحاسة في شم الخطر مع انه غاطس فيه؟
أو في الأقل التحذير من مخاطر الاحتلال؟

ألم تقل كتب التعاليم الثورية ان على المثقف الثوري ان يشم رائحة الخطر على مبعدة أميال،
في حين كان الخطر على مبعدة أشبار في نظام التراتبية الاجتماعية والتغول السلطوي،
ودخول الناس الانفاق السرية النفسية للحماية،
وفي تشظي اللغة حسب المكان والولاء والجماعة،
وفي سطحية الثقافة السياسية السائدة،
وفي ثقافة الوصم والمعارة واحتكار الحقيقة والسلطة والحرية،
وفي ذهنية الجاه واللقب والموقع وليس في الكفاءة والموهبة،
وفي تحويل الانسان الى حشرة تزحف حسب الطلب،
وفي تفاصيل يومية بلا نهاية؟

كيف يستطيع الكلب الرفيق جيرمان أو k9 أو الدوبرمان من شم رائحة الخطر بسرعة،
في حين عجز المثقف الثوري ذيل السياسي الثوري من شم رائحة الخطر وهو يتحكم بمزاجه وحالته النفسية ونومه وشهيته للطعام والحياة وطريقة مشيته ولغته العامة،
وفي كل تفاصيل حياته اليومية،
بما في ذلك رعب توقف سيارة مسدلة الستائر،فجأة، على الرصيف؟

التوقع والتلقين أمران متناقضان،
التوقع والاستباق انفتاح وحرية تفكير واستقلالية ومغامرة فكرية وانسانية وعصيان ثقافي،
في حين ان التلقين عمى وحجاب وتبعية وفقدان الاستقلالية والخوف من المغامرة وانتظار التوجيهات والتعليمات بعد ان تبرع بعقله وكرامته للغير،
والنتيجة أو الفضيحة هي الرفيق جيرمان ومكتبه السياسي في حراسة الامن القومي والمستقبل.

هذا الرفيق من نوع K9 بمواصفات عالية الجودة والقوة والطمأنينة،
السلطة تصرف على الرفيق الجديد مع أنواع أخرى من الكلاب البوليسية مع الطعام والسكن الصحي والعلاج مع دخوله كلية الشرطة التي كانت حكرا على الرفاق،
أكثر من عشرة الاف دولار في الشهر،
بعضها يتعلق بتوفير اجواء صحية وسعيدة والبعض الاخر في نزهات الترفيه.

لو أن هذه الظروف الاقتصادية توفرت للناس،
ووزعت هذه المبالغ على العراقيين بهذه الطريقة العادلة التي توزع للكلاب البوليسية،
لسادت العدالة واستقر الأمن وتقلصت حلقة الارهاب.

السؤال المحير لماذا استيراد هذه الكلاب الاجنبية،
والعراق لا تنقصه لا الكلاب الحقيقية المسكينة العاطلة عن العمل والوعي التي تتسكع في المزابل،
ولا الكلاب البشرية الممسوخة التي تتسكع في مجلس النواب والوزراء ومؤسسات الدولة؟
ما الذي ينقص الكلب العراقي ملّوح لو توفرت له هذه الشروط بما في ذلك الدخول الى كلية الشرطة،
والعناية الطبية الخاصة والطعام والرياضة والتدليل؟

الكلب العراقي قادر على العض والنهش أسرع من أي زعيم حزب أو عضو حكومة أو برلمان او زعيم حركة انقاذ وطني،
من كثرة الضيم والمطاردة بالحجر والتبول على حيطان الاحزاب الديمقراطية والسهر الليلي قرب انابيب النفط المسروقة في الليل،
والسلطة المسروقة في النهار،
وقادر على ايقاظ الناس والحراس من اللصوص افضل من كل خطابات الزعماء التي تنبح على الناس وليس على اللصوص.

ثم كيف يستطيع الرفيق K9 ان يفهم طريقة تفكير العراقيين اذا كانوا هم انفسهم ، من الدوامة، وحروب الابادة، لم يعودوا يفهمون أنفسهم،
بل في حالات محددة قد تنتشر صار البعض منهم يتخيل نفسه ضبعاً أو ذئباً يعوي او علبة خل او دهن او شاحنة بطاطا بعد ان قتلوا فيه على مراحل جوهر الانسان؟
الكلب العراقي ، في الأقل، عاش معنا في البيوت والحقول وتسكع في الشوارع،
ولا توجد حكاية ليلية على المواقد أيام زمان،
إلا والخلفية الموسيقية هي نباح كلب في الشارع او في الحقول،
وصار جزءاً من الذاكرة الجماعية،
وتعرض مرات لحملات صيد وقتل بقرار من النظام السابق للاذلال مع مكافاة لكل من يقتل كلبا،
بحجة المرض مع مبلغ مالي لكل من يصطاد كلباً او قطاً،
وخاصة في الربع الاخير من الشهير حيث يجري البحث عن كل دينار فالت في جيب خفي او جواريب
او ثقب حائط او تحت السرير
وعرف مثلنا التشرد والحرمان وتعرضت هويته للاهتزاز مثلنا،
حتى صار يشك هل هو كلب حقيقي أم سياسي عراقي صار كلباً؟

يقال ان كلبا عراقيا اخذوه الى اوروبا،
وجاؤوا بكلب اوروبي الى العراق،
بعد سنوات سألوا الكلب العراقي عن الحال، فاجاب:
” هنا شعرت اول مرة انني آدمي”،
وعندما سالوا الكلب الاوروبي عن الحال في العراق، أجاب:
” هنا شعرت لأول مرة انني كلب ابن كلب”.

لماذا غدرنا برفيق ليلنا العراقي الجميل القديم وحارس حقولنا واحلامنا وحكاياتنا الذي كان يحمل اقبح الاسماء مثل ملّوح والأسود وعجّول لصالح الرفاق الجدد مثل الدوبرمان وجيرمين شيبرد وبول ماستيف؟
كما تنكرنا من قبل لعصافير السماوة وصقور الرمادي وحمام الاضرحة ورفضنا ادخالهم في الجمل الشعرية،
وعشقنا حمام الكرملين وعصافير ساحة بكين وصقور هانوي،
كما لو اننا ندمج ونشوه االطيور والكلاب والطبيعة والازهار حسب عقائدنا؟

ماذا سيقول او كيف ستكون مشاعر صديقنا الكلب ملّوح الجميل الوفي وهو ذاهب الى المزابل يبحث عن بقايا طعام في الصباح،
وهو يرى الرفيق وحارس الامن والعدالة والمستقبل جيرمان شيبيرد وهو في الطريق الى كلية الشرطة للدراسة والتدريب يقوده شرطي بكل دلال،
وتنتظره وجبة افطار على غرار زعماء البلاد؟
لماذا حُرم الكلب ملّوح من ثروة بلاده كما حرمنا،
ووقع تحت وصاية الرفيق جيرمان الكلب والرمز كما وقعنا؟

هل هو قدر أم فضيحة أن يحتلنا مجرم ويحمينا كلب ويحكمنا حرامي؟
لكل هذه الاسباب وغيرها اضم صوتي الى نباح ملّوح لكي نستعيد معا حقوقنا المشتركة,

اذا كانت الكلاب البوليسية الجديدة تحرس الامن والعدالة وترسخ مستقبل العراق،
فأين ذهبت كل تلك المشاريع الثورية؟
يوم كان الشباب والشابات يصعدون على اعواد المشانق كما يصعد قمر عراقي في المساء فوق حيطان بساتين البرتقال؟
في حين يصعد السياسي اليوم على جماجم وبؤس الناس؟
واين ذهبت كل تلك السنوات من البحلقة في الحيطان ونتف الشعر وتكسير الصحون والطاولات والبيانات الشعرية والثورية من نخب الادب والفن والسياسة في ضرورة قلب النظام، بل قلب العالم،
لكن عندما تتوقف قربهم سيارة لاندكروز بيضاء ، رمز الموت، من سيارات الامن العامة،
كانوا يتبولون في سراويلهم؟

اين ذهبت جهود وسجون ومشانق واضرابات العمال وانتفاضات الفلاحين،
بل أين ذهب العصيان المسلح بالالبسة الداخلية المبقعة لمناضلات زقاق الخطيئة الكلجية في الصابونجية مقابل وزارة الدفاع وجوار محل لبن اربيل،
يوم صدر قرار في النظام الملكي بغلق المبغى في انتفاضة الكلسون الأحمر؟

كيف يستطيع الرفيق الجديد، كلب الحراسة الثوري ان يقوم بواجبه، اذا كان الشرطي الذي يدربه ويقوده ويطعمه لا يملك حقوقا مثله لا في السكن ولا في التعليم ولا في الحرية ولا في العدالة،
ومحروم ليس من دخول كلية الشرطة اذا لم يكن في عصابة سياسية مسلحة فقط،
بل محروم حتى من البول على حائط البرلمان تحت نوبة سُكّر غير مسيطر عليها؟
ومن الافراط في تدليل الرفيق الجديد،
لم يعد الشرطي يعرف هل هو شرطي يقود كلباً،
أم هو كلب يقوده شرطي؟

أبعد من ذلك كيف يستطيع كلب الحراسة هذا حل خلافات رئيس الوزراء او مجلس النواب الخصيان عقليا وثقافيا وسياسيا او مجلس الوزراء أو غيرها،
اذا كان هؤلاء يعيشون تحت حماية الكلاب الجديدة المتحضرة خريجة كلية الشرطة
واذا كانوا بلا حرص كما كلاب الحراسة؟
وأين ذهبت المؤتمرات والكونفرانسات الثورية التي تتحدث عن مستقبل مشرق سعيد،
ومشاريع التحول الثوري في الحانات وغرف الدخان وعلب الكوكا كولا،
اذا كانت النتيجة ، أو الفضيحة،
ان الرفيق k9 ورفاقه من جنسيات متعددة هم من صاروا حراس الحاضر والمستقبل وبناة العراق الجديد؟

اذا كنا لا نراعي مشاعر البشر،
فلماذا لا نراعي مشاعر الكلب العراقي من هذه الاهانة والاهمال والتمييز الطبقي والعرقي التي ظننا انها حكر علينا،
مع ان الكلب العراقي اليوم من الجوع ورمي الحجارة والمطاردة وفقدان كل الحقوق ـــ مثلنا ـــ قادر في ثوان، أكثر من الرفيق الجديد الاجنبي،
على التهام كل مشاريع الاصلاح،
والتبول على طاولات مجلس الامن القومي العراقي،
والتغوط ، احتجاجاً، وسخطأً، في ساحة التحرير،
لأنه لأول مرة يكتشف فقدان الهوية،
وانه صار كالآخرين في الواجبات بلا حقوق،
يرهز مثلنا أمام رجال السلطة لكي يعودوا بشراً،
كالطلب من فيل أن يعزف على الغيتار،
كما نفعل نحن، في نوع فريد من خداع الذات،
عندما نجرب، كالحمقى، عشرات المرات اساليب الاحتجاج نفسها ضد السلطة،
ونتوقع نتائج مغايرة؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here