ابتسامة مهنية : قصة قصيرة
بقلم مهدي قاسم
ما أن جلس في ركن جانبي للمقهى ، حتى أسرعت إليه النادلة بوجه بشوش و ابتسامة مشرقة ، ودية تتضمن ترحيبا مبطنا به ، سائلة إياه بلهجة لطيفة : ماذا يود أن يطلب ؟..
بالرغم من صعوبة اللغة استطاع أن يفهمها بأنه يطلب قهوة ، عندها أخرجت النادلة قلما و دفتر الطلبات من جيبها العريض وكتبت نوعية الطلب ، ومضت و لا زالت تبتسم بلطف ومتواصل ، لتلبي طلبات الآخرين ..
عندها أخذ قلبه يخفق جياشا ، متدفقا ، بمشاعر فرح ومسرة طارئتين ، متفكرا ، ربما أنه قد عجبها بوسامته الشرقية ذات سمرة طاغية ، وهي الشقراء ذات بياض شديد يبهر العين بشفافيته الناصعة : أي شيء من قبيل الأضداد المتوافقة أحيانا بانسجام ووئام ..
إذ خطر بباله ما قرأه ذات مرة :” الأضداد تجذب بعضها بعضا “..
ومنذ تلك اللحظة ، أخذ يتابعها بأنظاره المركزّة وهي تنتقل بين طاولات الزبائن ذهابا و إيابا ، مُلبية طلباتهم المختلفة على مدار الساعة ..
ومن شدة تركيز أنظاره عليها و متابعته لها بثبات ومثابرة مستميتة و متواصلة ، فقد شعرت هي بذلك ــ كمن يشعر بمراقبته من خلف ظهره ـــ وهي تجيء وتذهب مثل لولب منطلق ، الأمر الذي دفعها للالتفات إليه مبتسمة في هذه المرة أيضا ، وهي تسأله فيما إذا يود أن يطلب شيئا جديدا ، أم يرغب في الدفع ؟..
فقال لها بلهجة حاول أن تكون لطيفة ومحببة :
ــ كوكا كولا ..كوكا كولا !..
سجلت في دفتر الطلبيات : كوكا كولا ..
ومضت لترجع بالطلب و بنفس الابتسامة اللطيفة والودية لا زالت مرتسمة على أساريرها ..
ولكن ما أقلقه و كدّر مزاجه ، فيما بعد ، إنها بعد تقديم الطلب كانت تجيء وتذهب دون أن تلتفت إليه ، حتى ولا تحس بوجوده ، كأنما لم يعد موجودا ، إلا حينما تشعر بتركيز نظراته نحوها بثبات وإلحاح ، خالقا انطباع من ينوي إن يطلب شيئا !..
فقرر أن يلجأ إلى حيلة أخرى عسى ولعله يلفت انتباهها إليه بشكل أفضل ، فأخرج من جيبه رزمة كبيرة من الدولارات ولوّح بها نحوها بذريعة أن يدفع ، فجاءت بخطوات سريعة حاملة الفاتورة مع نفس الابتسامة اللطيفة و البشوشة فدفع الثمن مع بخشيش سخي ، فشكرته لتمضي إلى عملها ، ولكنه سرعان ما أوقفها قائلا بنبرة مرتبكة ؟..
ــ سوري ؟ …..
ــ نعم تفضل …..
أشر إلى وجهها قائلا بنبرة مغازلة :
ــ أنت ابتسامات حلوة و جميل !..
ــ شكرا !..
ــ أنت رقم موبايل ؟ ..
لم تفهم ، فأخرجت جهازها الجوال من جيبها و عرضت عليه بحركات حائرة تدل على عدم فهمها لمقصده ..
فرد بابتسامة محرجة ومهشمة بإحراج وهو يشير إلى نفسه :
ـ لا .. لا .. أنت رقم تلفون أنا ..ابتسامة أنت حلوة جدا .. الحقيقة.. أنتي أنا معجب جدا جدا !..
فعند ذلك اختفت الابتسامة من وجه النادلة فجأة لتحل محلها علامات رصانة و هيبة ، و بعدما فطنت أو حدست من أي قوم قد يكون هو ، فكتبت له بترجمة غوغل :
ــ ابتسامتي هذه .. هي بابتسامة مهنية فقط .. تتطلبها طبيعة عملي ، وهي ممنوحة للجميع الزبائن دون استثناء .. طبعا ، داخل المقهى حصريا .. شكرا ..مع السلامة !..