بناء الدول

بناء الدول، نعيم الهاشمي الخفاجي

نحن بعالم تتحكم به خمسة دول كبرى، وهذه الدول العظمى الخمسة يتصارع بعضهم مع البعض الآخر على مناطق النفوذ، وإسقاط الأنظمة الموالية للدول الكبرى المتصارعة، بل أصبحت طريقة تغيير الأنظمة من خلال دعم مجاميع ارهابية مجرمة واضحة لكل متابع، وفرض عقوبات اقتصادية جائزة لتجويع شعوب معينة في محاولة لإسقاط أنظمة لاتسير بفلك القوى العظمى، فرض العقوبات الجائرة جريمة انسانية بحق الفقراء والأطفال والنساء.

من رسم حدودنا دول الاستعمار، ومن مكن ودعم أشخاص ليصبحوا حكام وملوك على الدول العربية التي رسمت حدودها دول الاستعمار هي الدول الاستعمارية، ومن ينصبه ويدعمه المستعمر ليكون حاكم فهو يخدم مصالح الاستعمار و يضطهد الشعب الذي تسلط عليه ليحكمهم بالحديد والنار، لذلك تقصدت دول الاستعمار على عدم بناء دول عربية تحكمها دساتير ومؤسسات وإنما يحكمها أشخاص يحكمون الشعوب العربية وفق ارائهم.

تحدث الكثير من العلماء والمتخصصين في علم الاجتماع السياسي الغربيين عن كيفية بناء الدول، فمثلا المستر تشارلز تيلي عرف بناء الدولة، بالقول بأنه مقدمة لظهور موظفين متخصصين، والسيطرة على أراضي الدولة، والولاء والاستمرارية، ومؤسسات دائمة مع دولة مركزية ومستقلة تحتكر استخدام العنف. وحسب معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية، قالوا ان قدرات الدولة الأساسية هي، المساعدة في الحصول على التكنولوجيا الجديدة، لذلك بناء أي دولة لا يمكن ان يبنى على أسس غير صحيحة، لا يمكن بناء دولة بدون وجود دستور يضمن حقوق كل مكونات الشعب، وأن وجد الدستور، يتم المباشرة بطرق طبيعية في تشريع القوانين وعمل مؤسسات ونقابات تضم كل النخب الثقافية بالمجتمع، وقد ثبت كذب بناء الدولة بمساعدة خارجية، ولنا بتجارب دولنا العربية التي رسم حدودها دول الاستعمار، واجب الدولة حماية المواطنين، وتأمين العدالة من خلال تشريع القوانين، وتفعيل دور السلطات الثلاث، واستقلالية مؤسسات القضاء ورعاية، والسماح بتشكيل الأحزاب، والاحتكام للصندوق الانتخابي والتداول السلمي للسلطة، بناء الدولة يتم من إيجاد عملة وطنية ودعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم الصناعات الحكومية وصناعات القطاع الخاص، والاهتمام بالتعليم والرعاية الصحية، واجب الحكومات عمل بنى تحتية وعدم إهدار أموال الشعب وثرواته البترولية والغازية والمعدنية والمائية التي هي ملك للأجيال القادمة.

الدولة المحترمة تكون المؤسسات الدستورية هي الحاكمة وليس الاشخاص، ولايمكن إيجاد دولة قوية بدون إيجاد دستور يضمن حقوق كل مكونات الشعب، وتعم العدالة والمساواة، ويكون واجب الرئيس خدمة المواطنين، يحكم فترة انتخابية واحدة أو عدة دورات حسب نصوص الدستور، مانراه بدول الشرق الأوسط لا توجد دول، إنما توجد أنظمة قمعية تحكم بعقلية الرئيس أو الزعيم أو الملك أو الأمير الاوحد، يحكم إلى أن يموت ويخلف ابنه لحكم الشعب بالقوة والإكراه، المستر فرانسيس فوكوياما، يقول في كتابه بناء الدولة( أن ضعف مؤسسات الدولة هو المصدر الأول للمشاكل الخارجية والداخلية).

لذلك بناء الدول يتم من خلال إيجاد دستور حاكم، وواجب البرلمان تشريع قوانين، ودعم مؤسسات متخصصة في علم الاقتصاد والمال والإدارة والاجتماع والعلاقات الدولية والقوانين الدستورية، وكل الأسس التي تُبنى عليها الدول، في مملكة الدنمارك في نهاية كل شهر كانون ثاني يتم إحضار طلاب من الجامعات والمعاهد من كل البلد، الطلاب يكونون متفوقين يتم عمل لهم دورة في البرلمان الدنماركي لتعليم الشباب كيفية العمل السياسي، العجيب اننا نقرأ مقالات ولكلا الجنسين من الذكور والاناث كانوا يقدموهم رموز ونخبة التيار اليساري العربي، يكتبون الان بصحف الرجعية العربية، يستخدموهم ككلاب لمهاجمة بعض الدول العربية الرافض شعوبها للانبطاح، يقول هؤلاء المستكتبين أن فلان دولة عربية يتم تفكيكها من الداخل لصالح المشروع الفارسي أو التركي، رغم أن الغالبية الساحقة من الدول العربية لاتحكمها دساتير ولا مؤسسات حاكمة، توجد تجربة في لبنان والعراق في تعددية حزبية واشراك كل المكونات في المشاركة في الحكم بالعراق ولبنان، وبما أن بالحالة العراقية واللبنانية يوجد هامش في التعبير عن الرأي، تجد المرتزقة يهاجمون النظام السياسي العراقي واللبناني خدمة لمصالح إقليمية استعمارية تريد جعل العرب لاحول ولاقوة، ولايحق لهم حتى الاعتراض، كل عمليات الإرهاب والاغتيال بالعراق ولبنان تقف وراءها أجندة اقليمية ودولية بأدوات عراقية وابنانية، مرتبطة بدول استعمارية، قضية اغتيال الحريري حققت هدف الجريمة وهي طرد القوات السورية من لبنان، فمن هو المستفيد من خروج الجيش السوري من لبنان، أكيد دولة أخرى ليست سوريا ولبنان، لنعيدالذاكرة للحرب الأهلية اللبنانية كان الهدف الرئيسي من الحرب الأهلية طرد منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية المسلحة من لبنان إلى دولة أخرى ليستمجاورة إلى فلسطين، ونجح الهدف من خلال الصراع المذهبي والديني بالساحة اللبنانية، انتهت بطرد ياسر عرفات إلى تونس.

بسبب الحرب هاجر ١٢ مليون لبناني خارج لبنان للعيش في كل قارات العالم، ولم يبقى في لبنان سوى ثلاثة ملايين لبناني فقط، ما نراه لا توجد دول عربية تحكمها دساتير، الحكومات العربية وبالذات البترولية طيلة قرن من الزمان أموال البترول لم تستخدم في توفير حياة كريمة لشعوبهم، وإنما استخدمت في شن وتمويل الحروب، الخارجية والداخلية، بل أنظمة الخليج مولت حروب الناتو الباردة والساخنة، صدام الجرذ باع بحقبة حكمه أكثر من تريليون دولار، بددها على شن الحروب، وترك العراق وهو مطلوب بمبلغ اربعمائة مليار دولار، أموال الدول البترولية مودعة في بنوك غربية ولا يمكن للدول العربية البترولية سحب أموالهم، بل كل عائدات البترول تصرف لشراء بضائع ومنتجات الشركات والمصانع الغربية، حتى شركات النظافة والقمامة ليست للدول العربية البترولية، الطاقة الكهربائية تعمل بالديزل، وكل مدينة بها محطات توليد تعمل بالديزل وأنا رأيت ذلك بعيوني ولم يبلغني أحد عندما كنت في دول الخليج.

نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي

كاتب وصحفي عراقي مستقل.

3/2/2023

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here