نفس النبي

بقلم / مجاهد منعثر منشد

صباحا خرج من رحم أمه في جوف الكعبة, يشع بألق النور الإلهي الذي يحاربه عبدة الأوثان, حكام مكة يدعون الناس لجمع الهدايا الإجبارية التي تقدم للأصنام , مكة الراقدة في أحضان الجهل ككائن أنهكه التعب .

وعلى الجهل يقع معبدهم المقدس, الذي خرج منه هذا الفتى لتوِّه وأخذ يقتل الجهل, في وجهه بشائر النور الإلهي وقبس النبوة، وفي أذنيه أدعية النبي المستجابة .وصورة لخدم المعبد, وقد صموا أفواههم بأربطة وهم يوقدون شرارة الحرب في الهيكل المظلم, حتى لاتلوث أنفاسهم طهارتها .

يبلغ من العمر عشر سنوات، نهض من حجر النبي, أول ذكر آمن برسول الله، وصلى معه، وصدقه بما جاءه من عند الله

شديد الآدمة خاطب بعض المسلمين قائلاً: وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنُفُني في فراشه، ويُمسُّني جسده، ويُشُّمني عَرفَه، وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه.

كان أوفر الناس حظاً، وأطول صحبة لرسول الله، فمنذ ولد، وهو بين يدي محمد، قبل النبوة وبعدها، لم يفترق عنه، في سلم أو حرب، ولافي حلّ أوسفر، بل كان بين يدي النبي، وتحت سمعه وبصره، إلى أن لحق الرسول بالرفيق الأعلى، وهو على صدره، حيث سكب آخر أنفاسه في الحياة، فقد صحب النبي صحبة متصلة أكثر من ثلاثين عاما، لم يظفر بهذا الشرف أحد من المسلمين!

عندما استقرت أقدامه على الأرض أحس كأنه وصل إلى شيء , ألقى نظرة على الأشياء من حوله فرأى بين وحداتها تفاهما كان مفقودا من قبل . وأحس كأن هذا القمر يشع في السماء يخاطب هذا الحجر الملقى على الأرض . ليس هناك شيء منفصل عن شيء . كل المخلوقات تواكبت في وضع واحد كتناسق قوس الله عند انتهاء المطر وظهور الشمس .

وقف متأملا كأنه نسي المشي , ألقى نظرة على المعبد المقدس يحيطه الجهل فأحس غربته .هذا هو الشيء الوحيد المنفصل عن كل ما حوله . وكأنما اتفقت بعض الكائنات على خصامه . نزل عليه الليل أشد ظلمة وكأنما الفجر على بقية الأشياء . وأحس الفتى أن قلبه ينبوع لكل هذا , فمن النبي صدرت إليه إشارة حار في معناها غيرت نظرته للكون , فهو منذ بلغ رشده وهو يؤكد على القران الكريم .وقاده إليه الرسول وقال له: أنت مع القران والقران معك . وعلمه وتركه يعلم الناس مثلما علمه, وقدم النور المقدس لجهلهم , الكائن الأبدي المطهر في نظرهم .

وها هو فجأة ينظر إلى الحجر والقمر ويلحظ بينهما تفاهما وتناسقا . ويشعر أن سر التفاهم نبع من قلبه, يرى الليل جاثما جدا على جهلهم . عند ذلك همهم الفتى بحسرة وآهة تحمل غاية أسرار لذة الوصول وكل آلام جهد العلم والايمان فيها عبادة مثل الصلاة, وخشوع مثل الركوع وتحية لوجهه العظيم لقائل كلمات القران عرفه .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here