الشيخ والرفيق

حمزة الحسن

دُهش الرئيس الأمريكي نيكسون في أوائل السبعينات من طلب الرئيس السوفيتي برجنييف
خلال إجتماع الحد من الأسلحة الاستراتيجية وقبل بدء الاجتماع،
عندما قال برجنييف:
” نريد سيادة الرئيس مساعدتكم في حملة التشهير ضد الروائي المنشق من الاتحاد السوفيتي
ألكسندر سولجيتسن الهارب في أمريكا “،
وكان الروائي الحاصل على نوبل قد فر من الاتحاد السوفيتي ونشر روايته:
” أرخبيل غولاغ”
عن فترة الجحيم الستالينية والمعتقلات السرية للمخالفين وتجربته هو في معتقلات : إعادة التأهيل بالعقاقير الطبية والصعقات الكهربية والخ،
وأحدث نشرها دويا عاصفا في أوروبا لأن الاتحاد السوفتي مغلق تلك السنوات،
ووضع الأحزاب الشيوعية الاوروبية كالحزب الايطالي والاسباني والفرنسي في حرج كبير
وكانت على وشك استلام السلطة في انتخابات،
وكان رد الرئيس الامريكي مبتسما:
” أنت تعرف أن الصحافة الأمريكية لا تخضع لقرارات اللجنة المركزية للحزب”.
روائي مقابل سلاح نووي؟

بلا مواجهة جريئة مع الذات وتفكيك العقل السياسي المتوارث الرث،
منتج كل الأزمات، سنظل كثيران النواعير ندور في حلقة مفرغة ونصدق أننا نمشي،
لكن من يقوم بهذه المراجعة وما هو الثمن ؟
والأهم هل هناك وعي لاحداث قطيعة مع الماضي القريب في الأقل،
والقطيعة لا تعني الانفصال بل التصفية؟
ليس في الأفق” وعي القطيعة” عدا لعن وشتم النظام وهي ثقافة لا تحتاج كفاءة ولا قدرة،
بل ترسخ النظام الذي بدوره سينتج ثقافة دفاعية وهكذا ندور منذ القرن الماضي.

جميع الأحزاب الشمولية المستندة على آيديولوجيا وفكرة جاهزة عن الحياة،
هي أحزاب دكتاتورية وقمعية بصرف النظر عن العناوين،
ولا تقل خطراً عن النازية والفاشية،
لأن طبيعة الايديولوجيا الدمج أو المحو وملكية الزمان والمكان والتاريخ والحقائق
واحتكار السلطة والحرية بصرف النظر عن العناوين.

القصة ليست في العناوين بل في الموقف
من كرامة وحرية وحقوق الانسان،
وبهذه الكلمات وصفت الفيلسوفة الكبيرة حنة أرندنت
الفترة الستالينية بأنها لا تقل خطرا عن النازية،
وفي حالة واحدة فقط يمكن لهذه الاحزاب النجاة من قدرها التسلطي،
اذا اعادت النظر في العلاقة بين الفكر وبين الواقع،
والكف عن محاولات تحويل الواقع حسب نظرية جاهزة،
يمكن تعليم التمساح على الغناء وعزف البيانو لكن هذا لن يحدث
عند أصحاب الرؤوس الصلبة لأنهم رفعوا” الأفكار” الى مستوى” الشرف” مع أن الأفكار
قد تكون صحيحة اليوم وخاطئة غداً،
الأفكار ليست هي المثل العليا كالنبل والصدق والوضوح والأمانة والخ،
لذلك قال برتراند راسل:
” لست مستعداً للموت من أجل أفكار قد تكون خاطئة غداً”.

حتى ماركس الذي شوهه التطبيق المؤسساتي قال مقولته الشهيرة:
” الحياة خضراء والنظرية رمادية”.
ليس الفكر هو مرجع الواقع بل الواقع بتحولاته هو مرجع الفكر،
وعندما يتحول الفكر الى مؤسسات يتحول الى مؤسسة بوليسية.
الفكر بحث وشك وابداع ،
والمؤسسة قوانين وقواعد وثوابت.
الفكر سعي نحو المستقبل والمؤسسة سعي نحو السلطة،
الفكر اقتراب من الواقع وليس الواقع نفسه،
المؤسسة تحول النظرية الى واقع بالاكراه والقسوة وأجهزة الدولة القمعية،
وفي كل تجارب التاريخ فشلت هذه المحاولة.

الفكر مغامرة فكرية والمؤسسة حدود وقواعد،
الفكر قلق دائم من تحولات الواقع غير المتوقعة،
والمؤسسة طمأنينة لاجهزة الجيش والأمن والشرطة والحزب،
وعشنا وشاهدنا كيف تهاوت هذه الاجهزة في بلدان كثيرة
أمام عنف وصدمات الواقع.

لكي تقتل أي فكر حتى العلمي احصره في نظام صارم،
وهو ما فعله ستالين الملقب بسوسو،
لص المصارف وزعيم عصابة قطاع طرق وحرق المزارع والبيوت والقاتل المحترف
الذي كان يضع خطط السرقة والقتل خلف حانة تفليس في جورجيا،
الحانة التي تحولت الى امبراطورية.

ثم جهزت لنا الايام سوسو عراقي باسم مختلف هو صدام حسين،
من الاصل المعدم نفسه والخلفية الطفولية نفسها ونزعة الانتقام نفسها الذي وجد في الحزب
غطاء للتنفيس عن عقده وامراضه وجروحه العميقة،
وكما فعل ستالين نقل صدام تقاليد الشوارع الخلفية الى السلطة،
النسخة الستالينية الأكثر تخلفاً وطبق حرفيا كل خطوات ستالين،
هو الذي جاء للسلطة بلا خلفية في ادارة الدولة بل عاطل عن العمل الى نائب للرئيس،
فوجد خبرة ستالين جاهزة وهو في حوالي الثلاثين،
ونفذ بدقة مجهرية كل خطوات ستالين عندما تعكز على لينين على مراحل وتدرج:
قام بتصفية رفاقه في مذابح ومن نجا من مذبحة تم اغتياله، تروتسكي مثلاً،
مقابله العراقي عبد الخالق السامرائي المثقف النزيه والدرويش،
حول الحزب الشيوعي الى مؤسسة أمنية وصدام كذلك،
ثم حول السلطة باسمه هو وصدام كذلك،
بنى أجهزة أمنية متعددة ومؤسسات عسكرية تتفاوت في التسليح،
قوات الحرس الرئاسي والامن والمخابرات مثلا،
كذلك فعل صدام في الحرس الجمهوري والاجهزة،
حبس الانفاس وقتل الملايين دون أن يرف له رمش،
عبارة أيضا قالها صدام إنه يسحق 10 آلاف أو 20 الف ولا يرف له جفن.
صدام قلد ستالين حتى في طريقة عيشه وفي القصور الرئاسية والبيوت الخفية،
ويقول مترجم الرئيس برجنيف الذي تحول الى دليل للسياح في مقابلة معه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي:
” عندما كان صدام يزورنا يقرأ لنا فقرات عن ظهر قلب لستالين وفي أي صفحة وكتاب،
وكان حريصا على زيارة” القلعة” الفيللا الخاصة بستالين
المحروسة بقوات خاصة ومخابرات وامن من عتاة الموالين”.

ستالين قتل ولم يمت موتا طبيعيا بزرقه بابرة سامة،
خلال النوم والسكر،
في عملية جرت بالتعاون بين قادة الحزب وبين بيريا رجل اجهزة الامن المعروف
الذي أعدم بعد ذلك زمن خروشوف،
وفي كتاب لـــ سيرجو بيريا ابن بيريا صريح وجرئ يقول لا أبريء أبي،
لكنه جزء من نظام وماكنة ضخمة مسننة ولو لم يكن هو لكان هناك غيره.

التشابهات كثيرة،
لكن سوسو العراقي أنتج لنا الكثير من الاشباه اليوم
وعندنا سبعة ملايين طفل وشاب خارج التعليم،
تقول صحيفة واشنطن بوست في تحقيق مقلق ومخيف،
إن أربعين بالمئة من شباب الجنوب يتعاطون الحبوب المخدرة كالكبتاغون
والكريستال والحشيشة وغيرها هربا من اليأس،
من الجنسين وكل ما يفعله رجال الشرطة عند القبض على هؤلاء
هو الضرب وفي البصرة وحدها 30 الف متعاطي،
والحالات غير المسجلة أكثر من ذلك في كل مدن العراق،
وتوزع هذه المخدرات في بعض المدارس بما في ذلك الابتدائية وفي بغداد أيضاً،
من غير التعليم المتخلف وثقافة الموت وهي وحدها أشد خطراً من كل المخدرات،
في نوع من الإبادة البيضاء الصامتة بلا دم،
وهناك تفاصيل مخزية نتحاشى الحديث عنها وهي معروفة للناس
تتعلق بمستوى الانهيار الاخلاقي.

هؤلاء سيشكلون في المستقبل جيش سوسو القادم
وينتقمون من المجتمع وطفولتهم البائسة كما فعل سوسو العراقي الاول
وسيعثرون للتغطية على نظرية أو أسطورة وزعيم ملهم ينطق بسم الرب والتاريخ وبزوغ دين جديد،
وعندها ستكون مذبحة.

المريد التابع للشيخ لا يؤمن بالتعدد بل إما المحو أو الدمج،
أو الكل أو لا شيء، والشمولي لا يؤمن بالتعدد،
بل احتكار السلطة والحقيقة والازمنة والناس.
المريد مرجعيته الشيخ والفقيه وقيل عن المريد لطاعته” كالميت مع مغسله”
وقيل في وصف الرفيق ” ملتزم بالنظام المركزي”
أي ليس بعيدا عن توأمه الميت مع مغسله
ما دام كلاهما تابع وميت عقلياً.

التابع مرجعيته الرفيق المسؤول الذي يستند على كتاب، نصوص،
كذلك المريد في علاقته بالشيخ وفي الحالتين النص هو المرجع:
الحياة هامش وفائض عن الحاجة،
عندما يقع خلاف أو التباس من ظواهر الحياة،
يلجأ الطرفان للنص للبحث عن الاجوبة:
في نصوص الشيخ والرفيق هناك اجوبة جاهزة لكل الاسئلة حتى التي طرحت
في الازمنة الغابرة وحتى الأسئلة التي لم تطرح في أزمنة لم تأت.
كلاهما عالمه مكتمل،
كلاهما عنده صورة المستقبل في النص وليس في الحياة،
علاقة الاتباع في الطرفين علاقة الشيخ بالمريد،
الشمولي يحكم بالطاعة والانضباط المركزي،
والداعشي يحكم باسم الايمان،
في الحالتين خلع العقل:
يقول الرفيق للتابع: نفذ ثم ناقش.

يقول الشيخ للتابع:
” ذبها براس عالم واطلع منها سالم”،
في الحالتين العقل غير مطلوب وهو أمار بالسوء،
كل شيء تم التفكير به في الماضي وهناك عقل القائد المؤسس الملهم
من يفكر بالانابة عن الجميع،
وليس فقط يفسر أحلامها بل يحدد أحلامها وشروطها ونواياها.

في الحالتين الخارج عن النص والجماعة منحرف،
التطابق هو الاصل والاختلاف انحراف.
الاستقالة العقلية شرط جوهري في الحالتين.
الانسان في نظر هؤلاء ملف حفظ ومنح كوداً ووضع في الخزن،
تم رسم سيناريو تخيلي له ويُفتح بعد سنوات كما لو أن الآخر محنط بلا حياة
خارج هذا العقل الميت.

الحياة في كلا الحالتين نقص وعوز والكمال في النص،
يجب أن تصحح بمساطر العقيدة أو النظرية:
الداعشي هنا رمز للاحزاب الارهابية،
وهناك أشكال كثيرة في الاحزاب الاسلامية تمارس القمع وعمليات
الاخضاع بعناوين أخرى
كذلك اليساري رمز لتشكيلة من الاحزاب بعناوين مختلفة.
هم في الحقيقة حزب واحد بعدة أقنعة.

اذا مت أنت مع هؤلاء فستكون شهيداً،
واذا مت مع أولئك ستكون مناضلاً،
الأهم أن تموت وسترتفع قيمتك في موتك لا في حياتك وستحمل هوية جديدة
حتى لو كنت في حياتك جئت للطرفين صدفةً أو بدافع البحث عن انتماء،
أو البحث عن مكانة دون أن تؤمن بالطرفين .

أما لو خرجت من هؤلاء، فستكون ملحداً أو مارقاً منبوذاً،
ولو خرجت من أولئك في ومضة وعي، فستكون خائناً ومنحرفاً وعميلاً:
خروجك من الصنف الأول سيجعلك ضحية عقاب الآخرة،
وخروجك من الصنف الثاني الثوري سيجعلك ضحية عقاب الدنيا حرقاً ونهشاً وتقطيعاً
ولن تسلم جدتك التي توفيت قبل قرن من شر الحبل،
بل ستعرف أن الرفاق كانوا يعرفون دمك الفاسد وانت
في البويضة ثم في الحفاظات وأن علامة إستفهام كانت عليك وانت في التخصيب في الرحم
لكنهم لم يروا هذه العلامة على أقذر نظام وحشي بربري في التاريخ كان يزحف ببطء
كأفعى العشب.

الارهابي المريد يقتل العدو الكافر وغير الشبيه ،
والشمولي يقتل العدو الطبقي والمختلف،
كل الاحزاب الشمولية مارست تصفيات حتى بين صفوفها،
لأن عقلية وأخلاق الفكر الشمولي عقلية عصابات،
والعصابة لا تسمح بالشراكة ولا المنافسة ولا التعدد،
وتحتكر الزمان والمكان:
كان شقاوات بغداد يتقاتلون لو تواجدوا في مقهى واحد أو حي واحد أو حتى لو في سجن،
لأن البنية العقلية واحدة مع الايديولوجيا السياسية:
لا منافسة أبدا واحتكار للحيز لهذا السبب قام النظام السابق بتصفية هؤلاء في الشوارع كصيد الساحرات في أوروبا في القرون الوسطى إلا من إندمج في الأجهزة الأمنية لأن السلطة كعصابة لا تسمح بالشراكة مع عصابة منافسة ولو في زقاق أو زاوية سجن:
سلوك حيواني افتراسي كما تحدد وتطوب الحيوانات حيزها بالروائح والبول ولا تسمح
لحيوان آخر بالاقتراب.

الشيخ يستند على نصوص ويفسر المقدس كما يرغب،
والشمولي يستند على نصوص سياسية ويفسرها كما يرغب،
الشيخ يقتل باسم الرب والشمولي بإسم الثورة والنظرية:
في الحالتين عليك أن تموت بصرف النظر عن العنوان.
في الاختلاف أنت كافر عند الداعشي والاسلاموي الظلامي لأن الحقيقة محتكرة وكذلك الحياة،
لكنك عند الاختلاف مع الآيديولوجي عميل ،
وبعد سقوط النظام وانتفاء العمالة تم تطويرها الى منحرف جنسياً،
حتى أن أحد الأحزاب” الثورية” يملك مكتباً للتشهير بالمختلفين من داخله وخارجه ووصل عدد من اتهمهم بالانحراف من بين صفوفه فقط بما يمكن وصفه بحزب الشاذين حسب وصف أحد الضحايا،
وهناك غوغاء يبلعون هذا الهراء لأن العقل الملقن مستقيل.
لم تستعمل الأحزاب الشمولية الاوروبية تهمة الانحراف الاخلاقي إلا في نطاق ضيق لأن لا سوق لها،
لكن احزاب الشرق ” الثورية ” مارست هذه المعارات ولم تمارس الفلسفة الخلاقة،
لانها موجعة وسوقها شغال والشراء فوري بلا فحص ولا سؤال.

في 17 ايلول 1993 زرت عضو لجنة مركزية في حزب عريق هو اليوم عضو مكتب سياسي وأعرفه معرفة قديمة لأننا من بلدة واحدة،
في منزله في كوبنهاغن مع صديق لي،
وعاتبته على الوصف الكريه لرفاقه في الحزب ــــ ولم أكن عضوا فيه يوما ـــ أيام الحملة على الحزب أواخر السبعينات ووصفهم بـــ:
” الساقطين” مع انهم ضحايا سوء تقدير النظام الفاشي ،
فقال لي حرفياً بكل أمانة وصدق:
” لو لم أعرف وطنية هؤلاء ـــــ أعضاء مكتب التشهير : التوضيح مني ــــ لوصفتهم على هذا اللقب بالخيانة”.
لا أعرف حتى اليوم كيف فسر الوطنية لكن هذا هو الحال وهذا هو العقل الاختزالي الذي يجزئ المواقف حسب المصلحة والعقيدة والرغبة،
أي ان الحقيقة لا معايير لها.

بعد صدور روايته” أرخبيل غولاغ” التي هزت عرش الامبراطورية أوائل السبعينات
وهروبه للخارج تعرض الروائي الكسندر سولجنيتسين الى حملة منظمة منسقة تجمع بين الشذوذ والجنون والتعصب الديني،
وكان العزف موحداً في جميع أنحاء العالم لــــ آخر ورثة دويستوفسكي لأن المصدر والتوجيه واحد لكن النظام انهار وعاد سولجنتسين وكرمته الدولة بأرفع الأوسمة ورواية ارخبيل غولاغ تدرّس اليوم في مدارس روسيا الثانوية.
الشيخ يقودك الى العودة الى السلف الصالح،
والشمولي يريدك المضي معه الى ماضي الحزب الصالح،
الصالح في الحالتين في الخلف، الى نموذج مسبق ونسق جاهز قسري:
كلاهما يستند الى زمن التأسيس الأول،
كلاهما مرجعيته النصوص بعد التأويل،
كلاهما يقدس زمن التاسيس والقائد المؤسس
وكلاهما يريد التابع ببغاءً في قفص لا يصك ولا يفك .

خلال قراءة الرسائل المتبادلة بين أنجلز وماركس،
مترجمة عن الطبعة الألمانية يقول أنجلز في رسالة لافتة:
” كنا ماركس وأنا نواجه فلسفات كبرى عريقة،
ولم يكن لدينا الوقت الكافي لبحث دور الثقافة في تغيير التاريخ،
وكل ما كنا نخشاه أن يأتي بعدنا تافهون ويركزون على العامل الاقتصادي”.

وهو ما حدث تماما وفكك تلك النظم الدكتاتورية،
وعندما حاول المفكر غرامشي وهو من قادة الحزب الشيوعي الايطالي
التركيز على دور الثقافة،
قام الحزب بعد إعدامه من النظام الفاشي باخفاء طروحاته منذ ثلاثينات القرن الماضي،
وتم الإفراج عنها نهاية الثمانينات بعد التحولات العاصفة
في أوروبا الشرقية وتهاوي النظم الاشتراكية القمعية،
حيث لعب العامل الثقافي وليس الاقتصادي الدور المحرك في التغيير.

عندما تصف يسارياً غربياً اليوم بأنه يساري،
إنما تصف ثقافة خاصة وطريقة تفكير مميزة ووجهة نظر واضحة في بناء الدولة،
وبدلت كل الاحزاب الشيوعية برامجها،
ولم يعد هناك الحديث عن نضال حتى الموت أو الأبد،
بل برامج مرحلية لسنوات في الصحة والسكن والتعليم والامومة والطفولة والخ،
دون الحديث عن النظرية المفسرة كل شيء،
لكنك لا تستطيع في بلداننا، عدا حالات فردية،
أن تميز بين الفقيه الوهابي وبين الرفيق الثوري التقدمي التاريخي الجماهيري والخ والخ ،
ربما الفارق الوحيد هو العمامة والقبعة:

في النهار يلطم في موكب عزاء تاريخي،
وفي الليل يجي سكران ويكسر الفرفوري ويطارد المختلفين معه ولو كانوا في الثقوب السوداء
باسم الثورة والجماهير والعدالة والتتن والطبقة والعرق المنزلي والعنف الثوري،
بعقل ثأري بدوي لا تنطفئ نيرانه أبداً،
ولو عاش في دول تجاوزت الحداثة الى ما بعدها والليبراليات القديمة الى الليبرالية الجديدة،
لأن الكلب الهرم لا يتعلم عادة جديدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close