لماذا يتجه الانسان السوي نحو الخير دون الشر؟

لماذا يتجه الانسان السوي نحو الخير دون الشر؟ (*) د. رضا العطار

اذا كنت ممن يقولون ان الاشرار كتب عليهم منذ ان جبلوا ان يكونوا اشرارا، وان الاخيار كتب لهم ان يكونوا اخيارا، فأنت اذن من المتشائمين. وعلى العكس من ذلك فإنك اذا كنت ممن يقولون ان الاشرار والاخيار ليسوا سوى نتائج للمواقف التي لاقوها في الحياة، وان الشر والخير ليسا حكمين ازليين، فرضا على الانسان مسبقا، فإنك تكون من المتفائلين.

وبتعبير آخر فان المتشائمين يقولون بالجبرية بينما المتفائلون بالقدرية. فالفريقان على طرفي نقيض ولا سبيل لألتقائهما لا من حيث الخط المرسوم للسلوك، ولا من حيث امكان التدخل في الجبلة البشرية لأنتشالها من طريق الشر ووضعها على طريق الخير.

وثمة موقف ذاتي يتعلق بتوقعات المرء أزاء المستقبل من جهة، ثم أزاء المنظار الذي يستقرئ به الحاضر من حوله من جهة أخرى. فانت تستطيع ان تسأل نفسك: ما الذي تتوقعه لنفسك في المستقبل ؟ هل تتوقع حدوث مفاجآت سعيدة تشيع السرور والسعادة في قلبك، ام انت تترقب وقوع احداث سيئة تهز عرش سعادتك و تهدد مستقبلك ؟ ثم هل انت تنظر الى الاشياء والناس من حولك فترى كل ما يحيط بك جميلا ورائعا، ام انك على العكس من ذلك ترى الكون من حولك مضطربا والدنيا كلها بغض واحتقار ؟

فالاجابة عن هذين السؤالين يحددان موقفك من الخير والشر.

الميال الى عمل الخير يكشف نفسه من خلال ذكره الاخبار السارة او القصص التي تشيع الرضا والقبول، البهجة والسرور في قلوب مستمعيه، تجعلهم يحسون في اثناء سردها بالانشراح والارتياح. بينما الشرير يميل الى ذكر الاخبار المزعجة او وصف الحوادث المروعة بأسهاب، وكأنه يشعر خلال السرد بلذة روحية ومتعة تغمره، في الوقت الذي يلاحظ ملامح الألم مرتسمة على وجوه المستمعين.

فالأول يرى في احلامه عادة مناظر مسّرة، كأن تعرض امامه انهار عذبة المياه تجري داخل بساتين تزخر بشذى عبق الزهور، يلاقي فيها الحسناوات الحسام يلتفن من حوله. بينما الثاني يرى احلاما مزعجة تتمثل في رؤية قطط سوداء ووحوش ضارية وثعابين سامة وبيوت منهارة وقبور مفتوحة تخرج منها النيران.

وحتى في حياتك الروحية يمكنك ان تستبين اتجاهك الديني. صحيح ان معظم الناس يؤمنون بان الله يثيب على الخير ويعاقب على الشر، بيد ان ثمة تباينا بعيد المدى من شخص لأخر من حيث التأكيد على الثواب والعقاب. فاذا كان تأكيد الفرد على الثواب وعمل البر والاحسان والعطف على الفقراء كان انسانا خيرا. والاخر بعكسه.

كما اكد القرآن في سورة الأسراء على فوائد الخير وضرر الشر للأنسان قوله تعالى

( ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا )

فالخيرون يؤكدون انك اذا ما قمت بمعاملة الناس بالحسنى فانك ستلقي منهم كل خير وتقدير و اعتراف بالجميل. ومن ثم فان الفلسفة الاخلاقية تقول انك اذا عاملت الناس بما يكفل لهم الكرامة فانك ستجد منهم كل الشمائل الحميدة، ومن يشذ عن هذه القاعدة فانه يكون من المصابين بالامراض النفسية، بينما الاخر ينظر الى بني جنسه بمنظار اسود، ويعتقد انك كلما حاولت ان تعامل الناس بالحسنى فانك سوف لا تلقي منهم الا الشر والجحود ولسان حالهم يقول ( اتق شر من احسنت اليه )

وفي العلاقات الاسرية تجد الزوج الشرير عندما يدخل مرحلة التقاعد او الشيخوخة، ويحدث لديه من تدهور في صحته او في ايراده اليومي، تراه ينعي على الايام الكريهة التي اوصلته الى ما صار اليه من الضعف بعد القوة. يتهم ابناءه بالعقوق، فهم لا يقدمون اليه قسطا من دخلهم، يسددون له ما انفقه عليهم في السابق حتى اوصلهم الى المعاش، يشكو ويتذمر و يعظم من مرارة الحياة متوجسا نهاية مخيفة، متناسيا كيانه الشخصي كأب في الاطار العام لأسرته، ولم يبدئ يوما غبطته بوجوده وسط ابنائه وقد صاروا وحققوا ما كانوا يرمون اليه من طموح، لا وحتى ان ضحك الاحفاد ومرحهم، لا تفرحه.

بينما الزوج القويم الذي يسعى الى الخير، ينظر الى الشيخوخة كأحدى مراحل دورة الحياة الأبدية، فلا يفقد توازنه النفسي رغم ما يدب في اوصاله من ضعف وهزال، يعوضه عما يشاهده من ترعرع ونمو ونجاح في ابنائه. فهو ينظر اليهم لا بنظرة الطامع في مالهم بل بنظرة المطمئن اليهم الذين صاروا بسواعدهم، وهو بهذا سعيد فخور مغتبط. وذلك بفضل احساسه النفسي بان مستقبل الخير والبركة قد تحقق لأبنائه. يكفيه ان يحس باستمرار تقدمهم الفكري وترعرعهم الاقتصادي في ركب الحياة.

* مقتبس من كتاب التفاؤل والتشاؤم ليوسف ميخائيل اسعد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here