ثورة القرامطة – 2

ثورة القرامطة – 2 * الدكتور رضا العطار

وعندما ضاق اهل الشام بحكم القرامطة وزادت فضائحهم وعمت الفوضى البلاد التجؤا بالخليفة العباسي المكتفي في بغداد سرا , و كتبوا اليه يستغيثون به شاكين سوء احوالهم. فقام الخليفة بدوره بارسال جيش جرارالى مدينة حما في سوريا واستولى عليها و سحق حصن القرامطة فيها واسر الحسين القرمطي واقتيد ذليلا الى العراق حيث حمل على جمل وعرض في اسواق بغداد ثم صلب على جسرها. وبه انتهت الثورة القرمطية في الشام . واذا كانت هذه الثورة قد بائت في العراق والشام باخفاق ذريع الا انها نجحت الى حد بعيد في ارساء حكمهم الوطيد في البحرين .

اما بشأن ثورة القرامطة في اليمن فقد ظهروا هناك وانتشروا بعد ان برز بينهم حاكم قاسي القلب قاتل سفاك باقر البطون اسمه علي ابن الفضل الذي فرض زعامته على البلاد بقوة الحديد والنار مدعيا بالنبوة , فقد امر ان يذكر اسمه في اذان الصلاة و تحرك عسكريا واخضع المقاطعات كلها لسيطرته. لكنه بعد ان دخل مدينة صنعاء امر بذبح خمسة الاف بنت باكر مدعيا: ( ان معشر النساء فتنة خطيرة يقفن حجر عثرة في سبيل عملياته الجهادية ) وقد سميت هذه الجريمة الشنعاء بوقعة المشاحيط .

لكن بقى الامن مفقودا و الاوضاع مضطربة لاتستقر ولا تهدا الا في عام 905 م , حيث مات هذا السفاح مسموما على يد احد الأشراف الذي دعاه الى داره لعمل حجامة له, فوضع له السم في المبضع. هذا ما يقوله المؤرخ البريطاني نتنج.

لقد كان للعقيدة الزيدية في بلاد اليمن يومذاك من الأسباب التي مهدت الى ترويج الافكار القرمطية خاصة في المناطق الشمالية منها و التي لازالت بعض اجزائها مأهولة من قبل قبائل قرمطية الى يومنا هذا تمارس تقاليدها الموروثة وهذا ليس بمستغرب اذا ما لاحظنا ان هذه الافكار كانت قد مدت جذورها في عمق المجتمع اليمني الى درجة اصبح من السهل على السلطة اليمنية البسارية من فرض نظامها الأشتراكي على شعب اليمن في اواخر القرن الماضي.

اما بشأن ثورتهم في البحرين فقد كان جمهورهم هناك واسعا فقد اعلن ابو سعيد انه هو المؤسس والحاكم للدولة القرمطية و كان الرجل على درجة عالية من القوة والبطش بحيث تمكن من الحاق الهزيمة بجيش العباسيين . لكن بعد فترة وجيزة اغتيل على يد غلامه الصقلي في الحمام بعد ما راودته نفسه. وخلفه في الحكم ابو طاهر سليمان الذي قام بمهاجمة الحجاج في موسم الحج عام 317 , فكانت الطامة الكبرى حيث صادف دخول جيش القرامطة الى مكة المكرمة مع يوم التروية والناس يهلون ويلبون , فقتل منهم اكثر من عشرة الاف من زوار الحرم الشريف ورمي كثيرا منهم في بئر زمزم , كما سرق القرامطة الحجر الاسود واخذوه الى مدينة هجر في بلادهم كما نهبوا التحف والمجوهرات النفيسة وعاثوا فيها الفساد , وفي هذه الاثناء كان

ابو طاهر نفسه يجلس على باب الكعبة وينادي باعلى صوته :

انا الله وبالله انا يخلق الخلق وافنيهم انا

وبالرغم من ان ابو طاهر كان زنديقا , لكنه كان صليفا مدعيا نفسه امام المسلمين ,

وفي الوقت الذي كان جنده اثناء الغارة يصرخون في وجوه الاهالي قائلين

عليك ثوبان وامي عارية — فألقي لي بثوبك ياابن الزانية . …

وتجاوز عدد الثياب المنهوبة عن عشرين الف ثوب .

وعندما شاع الخبر في بغداد , عم الهياج والفزع وساد الحزن والاسى و وقع النوح والبكاء بين الاهالي وخرج النساء منشرات الشعر مسودات الوجوه يلطمن الخدود. بعدها توقف الحج لتسعة اعوام متتالية خوفا من ان يعاود القرامطة هجماتهم.

و من سخرية التاريخ ان يتحول القرمطي ابو طاهر بعدئذ من قاتل حجاج بيت الله الحرام وسارق الكعبة والحجرالاسود الى حارس لطريق الحج لقاء راتب سنوي يتقاضاه من الخليفة العباسي في بغداد.

ورغم كل هذه الجرائم الشنيعة والفضائح الاخلاقية يحسبه المؤرخون صانع العصر الذهبي لدولة القرامطة فقد تمكن هذا الفاجر الطاغية من فرض سيطرته على مناطق البحرين والقطيف والأحساء ومسقط وفي احدى حملاته وصل بجيشه الى مدينة الكوفة واحتلها لكنه تركها قائلا : ان اهلها غدارون ينكثون العهود. ارسلوا الى الامام الحسين في الحجاز يطلبونه وعندما قدم اليهم قتلوه . وبعد موت ابو طاهر خلفه الحسن الأعظم الذي سار بجيشه واستولى على دمشق ثم واصل سيره حتى دق ابواب القاهرة .

* مقتبس من كتاب ثلاثية الحلم القرمطي لمحي الدين اللاذقاني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here