حسين طليس – بيروت
11 فبراير 2023
فرق الانقاذ اللبنانية خلال عملها في تركيا
“حجم الدمار هائل جدا، كان المشهد أشبه بمنطقة تعرضت لهجوم نووي كبير، إبادة كاملة ولا مظاهر للحياة. على امتداد رحلتنا من مطار أضنة إلى كهرمان مرعش، وعلى مدى 11 ساعة في الحافلة، لم نر سوى مشاهد الركام والأبنية المتساقطة على جوانب الطرقات، ما من منزل سليم، حتى الأبنية التي لا زالت واقفة، تصدعت بالكامل وهجرها سكانها.”
هكذا يصف محمد هدبا، من فوج إطفاء بيروت، ما شاهده فريق الإنقاذ اللبناني، الذي انطلق إلى تركيا بعد ساعات على وقوع كارثة الزلزال، بتكليف من الحكومة اللبنانية. حيث كان لموقع “الحرة” مقابلات مع عناصر الفريق في طريق عودتهم بالحافلة من كهرمان مرعش، بعد انتهاء مهمتهم، قدموا خلالها شهادات صادمة عاينوها على مدى أيام خلال عمليات الانقاذ.
وكانت الحكومة اللبنانية قد أرسلت فريقي إنقاذ مع وقوع الكارثة، توجه الأول إلى تركيا والثاني إلى سوريا للمساهمة في عمليات الإنقاذ، وتألفت الفرق من مجموعات نخبة منتدبة من فوج الإطفاء والدفاع المدني والصليب الأحمر إضافة إلى الجيش اللبناني.
أول الواصلين
وصل فريق الإنقاذ اللبناني إلى تركيا، الاثنين، “كنا الفريق الأول الذي يصل إلى مدينة البستان في كهرمان مرعش، حيث بدأت مهمتنا بمجرد وصولنا، وكان لا يزال الأمل كبيرا في العثور على ناجين، فكلما مر الوقت كلما قلت الحظوظ”، وفق ما يقول رئيس شعبة العلاقات العامة في فوج إطفاء بيروت النقيب علي نجم، في حديثه لموقع “الحرة”.
فرق الانقاذ اللبنانية خلال عملها في تركيا
حجم الدمار الذي عاينه الفريق كان “أكبر من الوصف” وفق نجم الذي كان ضمن الفريق المتواجد في تركيا، “مبان خالية كليا ومناطق مهجورة بالكامل، وما من شيء على حاله، الطرقات الرئيسية بين المناطق وداخل المدن كلها خارج الخدمة، متشققة ومنهارة، وفي أكثر من مكان كانوا ينصحوننا بعدم اكمال طريقنا بسبب خطر انهيارها، لكن كان لدينا مهمة علينا اتمامها.”
“حتى معالم المناطق نفسها تغيرت على أهلها، فمن كانوا يساعدوننا في التنقل بين المهمات، ما عادوا يعلمون كيف يتجهون، حيث تدمرت المدينة ودلالاتها، وكل الأماكن استحالت ركاما فباتت تشبه بعضها البعض.”
كانت مهمة الفريق الأساسية هي الإنقاذ، بحسب ما يوضح نجم، “أي البحث عن الأحياء، بكونه يتطلب تدخلا سريعا ومعدات خفيفة أكثر من المعدات الثقيلة التي تعمل بقوة على الأرض، وكنا قد اصطحبنا معنا معداتنا من بيروت.”
فور وصول الفريق اللبناني إلى المدينة، أنشأ غرفة عمليات مصغرة لتلقي الإنذارات والمعلومات والاتصالات حول الأماكن المرجح فيها وجود أحياء بين الأنقاض، وذلك بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية والسلطات المحلية وأبناء المنطقة.
وفي اتصال ورد عند الساعة الرابعة فجرا، تبلغ الفريق بوجود مبنى يسمع منه أصوات أحياء من تحت الركام.
انقاذ الأم وابنتها
في اليومين الماضيين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد انقاذ الفريق اللبناني لأم حامل وابنتها من تحت الركام في مدينة البستان، بعد نحو 48 ساعة على وقوع الكارثة، كان محمد هدبا المنقذ الذي دخل إليهما في حفرتهما حيث احتجزتا تحت الأنقاض.
لقطات أرسلها فريق الإنقاذ اللبناني لموقع الحرة لعمليات البحث عن ناجين
يروي هدبا تفاصيل العملية لموقع “الحرة” حيث بدأت استجابة الفريق للبلاغ فور وروده فجرا. “حضّرنا الفرقة بالمعدات اللازمة وانطلقنا، بعد الكشف على المبنى حددنا المكان الذي سنبدأ العمل منه، وتمكنا من سماع أصوات المرأة الحامل المحاصرة مع ابنتها، على عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض.”
“بدأنا العمل بيدينا، صدقا أن أصابعنا تحفرت، والمشكلة أننا اضطررنا لرفع الأنقاض حجر بحجر، فأي خطأ من شأنه أن يؤدي لمزيد من الانهيارات في المكان، فيقتل الناجين أو المنقذين، وقد يؤدي إلى سقوط صخور على رؤوس الناجين، فضلا عن ذلك فإن اعمال رفع الأنقاض تنتج الكثير من الغبار والدخان الذي من شأنه أن يؤدي لاختناقهم، وهذا ما كنا نحاول تفاديه عبر سكب الماء طيلة الوقت في مكان الحفر لمنع الغبار من الانتشار”، وفق ما يؤكد هدبا.
استمرت العملية لمدة 9 ساعات من الحفر، بحسب المنقذ، “اضطررنا لقص عواميد الحديد والإسمنت، كانت أشبه بمعجزة فعلميا بعد الدخول في اليوم الثالث على الكارثة تتضاءل جدا احتمالات العثور على أحياء، لاسيما في ظل انخفاض درجات الحرارة التي بلغت حد الـ 15 درجة تحت الصفر، ولكن سبحان الله كان نصيبهم أن بقوا أحياء.”
ويتابع هدبا روايته للتفاصيل: “في البداية قمنا بحفر نفق إليهم، تمكنا عبره من إيصال الغذاء والماء والأوكسيجين لهم، أولا قدمنا لهما السكر والأوكسيجين، بناء على نصيحة الطبيب المواكب، من ثم أوصلنا لهم الماء والغذاء.”
الحكومة اللبنانية أرسلت فريقي إنقاذ مع وقوع الكارثة
استعان الفريق بمترجم تركي – عربي، وعبره تواصل مع الامرأة المحاصرة وعلم منها أنها حامل، وأن ابنتها إلى جانبها تلفظ أنفاسها الأخيرة، في هذه اللحظة يقول هدبا “انهمرت الدموع من أعيننا، كل الفريق كان يبكي، وزاد حزننا حين استطعنا أن ندخل كاميرا ونصور طبيعة المكان العالقين به، كانت ظروف لا تصدق، كانت الأم وابنتها عالقتان في مساحة أقل من متر واحد، والركام يحيط بهم من كل ناحية. ولكن ذلك اعطانا دافع أكبر وأمل للعمل.”
خلال مهمة الإنقاذ، ضربت المنطقة هزة ارتدادية، “طلبوا مني اخلاء المكان بسرعة بسبب الهزة خوفا من انهيار الركام علينا، ورغم خطورة الأمر، لم استجب للتحذيرات، واستمريت في العمل إلى أن نجحت في انتشال الطفلة، كنت قد بلغت مرحلة قررت فيها إما أن أنقذهم أو أموت إلى جانبهم.”
وبحسب تأكيد هدبا، لم يعثر في مدينة البستان على أي ناجين، باستثناء الامرأة وابنتها، “ولهذا السبب ضجت القصة كثيرا، كان شعورا لا يوصف، حتى الناس التي تجمعت حولنا في الشوارع كانوا يقبلوننا ويشكروننا فلم يخرج غيرهم في كامل المنطقة على قيد الحياة.”
شعور تشاركه كامل الفريق مع محمد، ومن بينهم المسعف في الصليب الأحمر اللبناني عبد الله زغيب، الذي كان مشاركا في العملية، يقول لموقع “الحرة” إن الشعور الذي انتاب الجميع لم يكن قابلا للوصف، “المساهمة في انقاذ حياة أشخاص، خاصة مع فرحة الشباب بنجاتهم وفرحة الناس من حولنا، منحتنا دفعا قويا وفعالية لنستمر بالعمل، حتى لو بحثنا بأيدينا، خاصة وأن انقاذ الناس هو مجال عملنا وهدفنا الأسمى.”
لكن غصة الفريق عادت بعد العثور على جثتين في المكان، تبين أنهما يعودان إلى زوج الامرأة وابنها، كانا قد توفيا تحت الأنقاض. ومع ذلك فإن نجاح الفريق في انتشال الأم الحامل وابنتها أعطاه سمعة طيبة في المنطقة، يقول هدبا “ازداد الطلب علينا بالاسم، كلما سمع أحد صوتا من تحت الركاب يطلب حضور الفريق اللبناني، وضعت الناس كل أملها بنا بعد نجاح عملية الإنقاذ.
صعوبات لا تنتهي
“أثناء تنقلنا، كانت بزاتنا تتغطى بالصقيع والجليد لشدة البرد فتصبح بيضاء اللون”، وفق المنقذ في الدفاع المدني اللبناني يوسف الملاح، “كنا نعمل بظروف صعبة جدا، ففي النهار درجة الحرارة تصل إلى خمس درجات تحت الصفر، وتتدنى ليلا إلى 18 تحت الصفر، ولكن حين نكون في المهمة ننسى التعب والبرد”.
أما من ناحية نجم، فيرى أن أبرز الصعوبات التي واجهها الفريق كان حاجز اللغة مع المجتمع التركي، “فنوعية عملنا تتطلب تواصلا مع الأهل وأخذ المعلومات منهم، فيما الذين يتحدثون بالعربية قليلون جدا، فضلا عن الإنكليزية أو الفرنسية، فكنا دائما بحاجة مترجمين أتراك من أجل التواصل مع الناس وأخذ المعلومات منهم عن الأبنية التي نعمل فيها.”
إضافة إلى ذلك، “لم يكن هناك أي وسيلة تواصل فالاتصالات متقطعة، ولا محال تجارية، أو أماكن لتقديم الخدمات، أو شراء أو شحن الهواتف، كان العمل صعب لأن طبيعة الأرض صعبة ومختلفة جدا عن طبيعة الأرض في لبنان”، وفق نجم.
لا تنتهي الصعوبات التي يستذكرها أعضاء الفريق، بالنسبة إلى زغيب مثلا، كان أخطر ما في الأمر الهزات الارتدادية التي تحصل بين الساعة والأخرى، “فتضعنا جميعا تحت الخطر من منقذين أو سكان. وبكوننا نشهد أمامنا على المأساة ونتائج الزلازل والانهيارات، فكنا نضطر لترك كل شيء من يدنا والابتعاد.”
هاجس تشاركه زغيب مع هدبا الذي يؤكد أن الهزات الارتدادية والزلازل باتت روتين يتكرر كل ساعة أو ساعتين. “كنا نخشى أن يهبط مكان اقامتنا علينا أيضا، ولا يمكن البقاء في خيمة أو في الخارج في ظل البرد.
Share on WhatsApp
زلزال تركيا وسوريا
من تركيا إلى سوريا.. قصص مروعة يرويها عناصر فرق الإنقاذ اللبنانية
حسين طليس – بيروت
11 فبراير 2023
فرق الانقاذ اللبنانية خلال عملها في تركيا
فرق الانقاذ اللبنانية خلال عملها في تركيا
“حجم الدمار هائل جدا، كان المشهد أشبه بمنطقة تعرضت لهجوم نووي كبير، إبادة كاملة ولا مظاهر للحياة. على امتداد رحلتنا من مطار أضنة إلى كهرمان مرعش، وعلى مدى 11 ساعة في الحافلة، لم نر سوى مشاهد الركام والأبنية المتساقطة على جوانب الطرقات، ما من منزل سليم، حتى الأبنية التي لا زالت واقفة، تصدعت بالكامل وهجرها سكانها.”
هكذا يصف محمد هدبا، من فوج إطفاء بيروت، ما شاهده فريق الإنقاذ اللبناني، الذي انطلق إلى تركيا بعد ساعات على وقوع كارثة الزلزال، بتكليف من الحكومة اللبنانية. حيث كان لموقع “الحرة” مقابلات مع عناصر الفريق في طريق عودتهم بالحافلة من كهرمان مرعش، بعد انتهاء مهمتهم، قدموا خلالها شهادات صادمة عاينوها على مدى أيام خلال عمليات الانقاذ.
وكانت الحكومة اللبنانية قد أرسلت فريقي إنقاذ مع وقوع الكارثة، توجه الأول إلى تركيا والثاني إلى سوريا للمساهمة في عمليات الإنقاذ، وتألفت الفرق من مجموعات نخبة منتدبة من فوج الإطفاء والدفاع المدني والصليب الأحمر إضافة إلى الجيش اللبناني.
أول الواصلين
وصل فريق الإنقاذ اللبناني إلى تركيا، الاثنين، “كنا الفريق الأول الذي يصل إلى مدينة البستان في كهرمان مرعش، حيث بدأت مهمتنا بمجرد وصولنا، وكان لا يزال الأمل كبيرا في العثور على ناجين، فكلما مر الوقت كلما قلت الحظوظ”، وفق ما يقول رئيس شعبة العلاقات العامة في فوج إطفاء بيروت النقيب علي نجم، في حديثه لموقع “الحرة”.
فرق الانقاذ اللبنانية خلال عملها في تركيا
فرق الانقاذ اللبنانية خلال عملها في تركيا
حجم الدمار الذي عاينه الفريق كان “أكبر من الوصف” وفق نجم الذي كان ضمن الفريق المتواجد في تركيا، “مبان خالية كليا ومناطق مهجورة بالكامل، وما من شيء على حاله، الطرقات الرئيسية بين المناطق وداخل المدن كلها خارج الخدمة، متشققة ومنهارة، وفي أكثر من مكان كانوا ينصحوننا بعدم اكمال طريقنا بسبب خطر انهيارها، لكن كان لدينا مهمة علينا اتمامها.”
“حتى معالم المناطق نفسها تغيرت على أهلها، فمن كانوا يساعدوننا في التنقل بين المهمات، ما عادوا يعلمون كيف يتجهون، حيث تدمرت المدينة ودلالاتها، وكل الأماكن استحالت ركاما فباتت تشبه بعضها البعض.”
كانت مهمة الفريق الأساسية هي الإنقاذ، بحسب ما يوضح نجم، “أي البحث عن الأحياء، بكونه يتطلب تدخلا سريعا ومعدات خفيفة أكثر من المعدات الثقيلة التي تعمل بقوة على الأرض، وكنا قد اصطحبنا معنا معداتنا من بيروت.”
فور وصول الفريق اللبناني إلى المدينة، أنشأ غرفة عمليات مصغرة لتلقي الإنذارات والمعلومات والاتصالات حول الأماكن المرجح فيها وجود أحياء بين الأنقاض، وذلك بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية والسلطات المحلية وأبناء المنطقة.
وفي اتصال ورد عند الساعة الرابعة فجرا، تبلغ الفريق بوجود مبنى يسمع منه أصوات أحياء من تحت الركام.
انقاذ الأم وابنتها
في اليومين الماضيين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد انقاذ الفريق اللبناني لأم حامل وابنتها من تحت الركام في مدينة البستان، بعد نحو 48 ساعة على وقوع الكارثة، كان محمد هدبا المنقذ الذي دخل إليهما في حفرتهما حيث احتجزتا تحت الأنقاض.
لقطات أرسلها فريق الإنقاذ اللبناني لموقع الحرة لعمليات البحث عن ناجين
يروي هدبا تفاصيل العملية لموقع “الحرة” حيث بدأت استجابة الفريق للبلاغ فور وروده فجرا. “حضّرنا الفرقة بالمعدات اللازمة وانطلقنا، بعد الكشف على المبنى حددنا المكان الذي سنبدأ العمل منه، وتمكنا من سماع أصوات المرأة الحامل المحاصرة مع ابنتها، على عمق ثلاثة طوابق تحت الأرض.”
“بدأنا العمل بيدينا، صدقا أن أصابعنا تحفرت، والمشكلة أننا اضطررنا لرفع الأنقاض حجر بحجر، فأي خطأ من شأنه أن يؤدي لمزيد من الانهيارات في المكان، فيقتل الناجين أو المنقذين، وقد يؤدي إلى سقوط صخور على رؤوس الناجين، فضلا عن ذلك فإن اعمال رفع الأنقاض تنتج الكثير من الغبار والدخان الذي من شأنه أن يؤدي لاختناقهم، وهذا ما كنا نحاول تفاديه عبر سكب الماء طيلة الوقت في مكان الحفر لمنع الغبار من الانتشار”، وفق ما يؤكد هدبا.
استمرت العملية لمدة 9 ساعات من الحفر، بحسب المنقذ، “اضطررنا لقص عواميد الحديد والإسمنت، كانت أشبه بمعجزة فعلميا بعد الدخول في اليوم الثالث على الكارثة تتضاءل جدا احتمالات العثور على أحياء، لاسيما في ظل انخفاض درجات الحرارة التي بلغت حد الـ 15 درجة تحت الصفر، ولكن سبحان الله كان نصيبهم أن بقوا أحياء.”
ويتابع هدبا روايته للتفاصيل: “في البداية قمنا بحفر نفق إليهم، تمكنا عبره من إيصال الغذاء والماء والأوكسيجين لهم، أولا قدمنا لهما السكر والأوكسيجين، بناء على نصيحة الطبيب المواكب، من ثم أوصلنا لهم الماء والغذاء.”
الحكومة اللبنانية أرسلت فريقي إنقاذ مع وقوع الكارثة
الحكومة اللبنانية أرسلت فريقي إنقاذ مع وقوع الكارثة
استعان الفريق بمترجم تركي – عربي، وعبره تواصل مع الامرأة المحاصرة وعلم منها أنها حامل، وأن ابنتها إلى جانبها تلفظ أنفاسها الأخيرة، في هذه اللحظة يقول هدبا “انهمرت الدموع من أعيننا، كل الفريق كان يبكي، وزاد حزننا حين استطعنا أن ندخل كاميرا ونصور طبيعة المكان العالقين به، كانت ظروف لا تصدق، كانت الأم وابنتها عالقتان في مساحة أقل من متر واحد، والركام يحيط بهم من كل ناحية. ولكن ذلك اعطانا دافع أكبر وأمل للعمل.”
خلال مهمة الإنقاذ، ضربت المنطقة هزة ارتدادية، “طلبوا مني اخلاء المكان بسرعة بسبب الهزة خوفا من انهيار الركام علينا، ورغم خطورة الأمر، لم استجب للتحذيرات، واستمريت في العمل إلى أن نجحت في انتشال الطفلة، كنت قد بلغت مرحلة قررت فيها إما أن أنقذهم أو أموت إلى جانبهم.”
وبحسب تأكيد هدبا، لم يعثر في مدينة البستان على أي ناجين، باستثناء الامرأة وابنتها، “ولهذا السبب ضجت القصة كثيرا، كان شعورا لا يوصف، حتى الناس التي تجمعت حولنا في الشوارع كانوا يقبلوننا ويشكروننا فلم يخرج غيرهم في كامل المنطقة على قيد الحياة.”
شعور تشاركه كامل الفريق مع محمد، ومن بينهم المسعف في الصليب الأحمر اللبناني عبد الله زغيب، الذي كان مشاركا في العملية، يقول لموقع “الحرة” إن الشعور الذي انتاب الجميع لم يكن قابلا للوصف، “المساهمة في انقاذ حياة أشخاص، خاصة مع فرحة الشباب بنجاتهم وفرحة الناس من حولنا، منحتنا دفعا قويا وفعالية لنستمر بالعمل، حتى لو بحثنا بأيدينا، خاصة وأن انقاذ الناس هو مجال عملنا وهدفنا الأسمى.”
لكن غصة الفريق عادت بعد العثور على جثتين في المكان، تبين أنهما يعودان إلى زوج الامرأة وابنها، كانا قد توفيا تحت الأنقاض. ومع ذلك فإن نجاح الفريق في انتشال الأم الحامل وابنتها أعطاه سمعة طيبة في المنطقة، يقول هدبا “ازداد الطلب علينا بالاسم، كلما سمع أحد صوتا من تحت الركاب يطلب حضور الفريق اللبناني، وضعت الناس كل أملها بنا بعد نجاح عملية الإنقاذ.
صعوبات لا تنتهي
“أثناء تنقلنا، كانت بزاتنا تتغطى بالصقيع والجليد لشدة البرد فتصبح بيضاء اللون”، وفق المنقذ في الدفاع المدني اللبناني يوسف الملاح، “كنا نعمل بظروف صعبة جدا، ففي النهار درجة الحرارة تصل إلى خمس درجات تحت الصفر، وتتدنى ليلا إلى 18 تحت الصفر، ولكن حين نكون في المهمة ننسى التعب والبرد”.
أما من ناحية نجم، فيرى أن أبرز الصعوبات التي واجهها الفريق كان حاجز اللغة مع المجتمع التركي، “فنوعية عملنا تتطلب تواصلا مع الأهل وأخذ المعلومات منهم، فيما الذين يتحدثون بالعربية قليلون جدا، فضلا عن الإنكليزية أو الفرنسية، فكنا دائما بحاجة مترجمين أتراك من أجل التواصل مع الناس وأخذ المعلومات منهم عن الأبنية التي نعمل فيها.”
إضافة إلى ذلك، “لم يكن هناك أي وسيلة تواصل فالاتصالات متقطعة، ولا محال تجارية، أو أماكن لتقديم الخدمات، أو شراء أو شحن الهواتف، كان العمل صعب لأن طبيعة الأرض صعبة ومختلفة جدا عن طبيعة الأرض في لبنان”، وفق نجم.
لا تنتهي الصعوبات التي يستذكرها أعضاء الفريق، بالنسبة إلى زغيب مثلا، كان أخطر ما في الأمر الهزات الارتدادية التي تحصل بين الساعة والأخرى، “فتضعنا جميعا تحت الخطر من منقذين أو سكان. وبكوننا نشهد أمامنا على المأساة ونتائج الزلازل والانهيارات، فكنا نضطر لترك كل شيء من يدنا والابتعاد.”
هاجس تشاركه زغيب مع هدبا الذي يؤكد أن الهزات الارتدادية والزلازل باتت روتين يتكرر كل ساعة أو ساعتين. “كنا نخشى أن يهبط مكان اقامتنا علينا أيضا، ولا يمكن البقاء في خيمة أو في الخارج في ظل البرد.
يستذكر المنقذ اللبناني قصة سيدة تركية نجت من الزلزال الكبير، “أصرت على العودة إلى منزلها لإحضار بعض الأغراض، رغم أن ذلك ممنوعا، ولكنها توجهت خلسة إلى المنزل ودخلت، وإذ بهزة ارتدادية تضرب بالتزامن فانهار المنزل عليها وتوفيت وعملنا على سحب جثتها. ولأننا كنا من أول فريق انقاذ وصل، فقد شهدنا في المدينة كافة الهزات الارتدادية وما أدت إليه من دمار لاحق وتسببت به من خطر.”
يضيف هدبا “عانينا حتى بتوفير الطعام في اليومين الأولين، إلى أن بدأ يصلنا الغذاء، فلا مطاعم ولا متاجر ولا مخازن ولا السلطات المحلية قادرة على توفير أي شيء في ظل الكارثة القائمة، فلا مياه ولا غاز، المنطقة منكوبة بكل معنى الكلمة. أضف إلى كل ذلك سماكة الثلوج كانت مرتفعة جدا. كنا نعمل ويدينا ترتجف. لم نكن نتوقع كل ذلك.”
مشردون بين منازلهم
القصص من فوق الركام لا تقل مأساوية عما جرى تحت الركام، فبحسب هدبا “الناس التي باتت تعيش مشردة على الطرقات راحت تشعل أثاث المنازل المدمرة، لتفادي التجمد، ولا أعلم كيف ينجو المشردون في العراء، بلا بطانيات ولا ملابس ولا مدافئ.”
من جهته يرى نجم أن “أكثر ما يزعج ويؤسف ويشعرك بواجب أن تقوم بما يفوق استطاعتك وامكاناتك، هو وجود الأهل الناجين أمام المباني المهدمة، ينتظرون وصول فرق الإنقاذ، يستمعون إلى نفس أو همس أو صوت من أحد في الداخل، حين كانوا يروننا كفريق إنقاذ يتمسكون بنا وبثيابنا لنبحث لهم عن أحبابهم تحت الركام، لحسن الحظ أخرجنا عددا من الأحياء ولسوء الحظ كان العدد الأكبر متوفين.”
المشهد الذي لا يمكن نسيانه بحسب النقيب في فوج الإطفاء، “هو وقوف الأم والأخ والابن على أطلال الأبنية ينادون أحباءهم تحت الركام، وضع لا يمكن تخيله يتسبب بألم كبير، لاسيما وأنه وضع عام، كل الشوارع تتكرر فيها نفس المشاهد طيلة النهار، وما باليد حيلة.”
في اليوم الأخير من مهمة الفريق، وفي طريق مغادرتهم، صادفوا شخصا يقف في الشارع ويصرخ بصوت عالي، بحسب ما يروي نجم، “تقدمنا نحوه، فدلنا على قطتين في منزله المتصدع والذي تم اخلاؤه، تقفان على النافذة وتصدران أصواتا، وهو يقف في الأسفل ينادي عليهما ويبكي، فلا يمكنه الصعود إلى المبنى لإخراجهم ولا بمقدورنا نحن أيضا الصعود إلى المبنى بكونه متصدع بشكل كبير ومهدد بالانهيار في أي لحظة، وما من آلية بإمكانها الوصول إلى الداخل، خاصة واننا هنا نتعامل مع حيوانات يمكن أن تهرب منا عند وصولنا إليها، وبالتالي الخطر مرتفع جدا. رحلنا وما كان بإمكاننا أن نفعل شيئا.”
مشاهد لا تنسى
بدوره يقول الملاح، “هناك مشاهد تراها وتنساها في اللحظة نفسها، ولكن هناك مشاهد تطبع ولا تنسى، والوصف في هذه الحالة لا يكفي لنقل الصورة الفعلية لما رأيناه هناك، للوهلة الأولى استذكرنا فوراً مشاهد ما بعد انفجار مرفأ بيروت، نتيجة الدمار الكبير وصراخ الناس من تحت الأنقاض ومن فوقها، كان مشهد لا يمكن لعقل أن يتخيله.”
ويضيف “الطوابق متساقطة على بعضها لا فراغ بين الطابق والآخر، وبالتالي نسبة النجاة ضئيلة جدا بكونه ليس انهيارا مائلا، وضعنا كامل خبراتنا في المكان الذي عملنا به وبالمعدات المتوفرة لدينا، ولكن بصراحة كان عمل الفريق أعلى من المعدات بكثير، باندفاع وتنظيم وتوجيه.”
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط