ولا غالب إلا الله.. لا غالب لضعفنا إلا أنفسنا

ولا غالب إلا الله.. لا غالب لضعفنا إلا أنفسنا.

قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

بقلم : نيرة النعيمي

مدارات من القلق تحوم حول عوالم الإنسان ، تشكلت بفعل تعقيدات حياته المعاصرة وواقعه المتخم بتداعيات المرارة والفجيعة اثر الصراعات والحروب المتواصلة ، ترجمتها الكثير من الاقلام والصور بلغات مختلفة وعبر ازمان متعاقبة وترجمها الرسامون بلغة تداولية خاصة جمعت نقاشا بين لون وفرشاة يديره فنان في ساحة محددة مليئة برموز تأملية وخطوط قلقة تخبر المتلقي بما كان وما هو كائن اليوم . فالناس في حاجة مستمرة لبعضهم البعض خصوصا في الأوقات العصيبة ، كنوع من المساندة النفسية‏ والمعنوية فيما بينهم ، فالإحساس بالامتزاج مع الناس الذين يتعرضون للموقف نفسه والمشاعر نفسها كالخوف من الحرب والمصيرالمجهول الناتج عنها ليقلل إلى حد كبير من احتمال وقوع الإنسان في كرب ما بعد الصدمة‏ والأسى المرافق لها ليشعر الفرد بأن المشكلة جماعية ولا تقع على عاتقه بمفرده‏‏ ، وهذا ما دار في الساحة التشكيلية العربية والعراقية خاصة بإحالة الفنانين لبعض لوحاتهم الى خطاب موجه للمتلقي من الناس بلغة فنية روحية تحاكي واقعهم الذي مالبث مكتظاً بالصراعات الدموية بغية مشاطرتهم تلك الهموم والمآسي

تَمرُّ الأحداث وتتعاقب السنين، تَمرُّ الأيام مسرعة من غير رحمة، تحمل معها كل شيء، يُنسى فيها الأشخاص وتضيع في سرعتها الذكريات مع تفاصيلها، تلك التفاصيل التي عاصرَها أفرادها، الذين عايشوها يوماً بعد يوم، يَمرُّ الوقت فوق الأحياء وفوق البيوت والأماكن، فوق العُشب والبحر، يَمرُّ الزمان ليَمحي كل أثرٍ باقٍ ولكنه يقف عاجزاً أمام الكلمات التي سطّرتها الروح على جدرانِ التاريخ، ذلك التاريخ الممزوج بالعِزِّة أو الذُل، بالربح أو الخسارة، ذلك التاريخ الذي حمته أرواح ساكنيه وأرواح الأبطال الذين عاشوا فيه ليبقى حياً مهما طال الزمان، حيّاً كأنَّ هذا المكان لا يزال يضِجُّ بأصوات ساكنيه.ومن أصدق الصور على هذا الكلام هي صورة قصر الحمراء، الشاهد الذي بقيَ ليؤكد لنا أنه مهما مرَّ الوقت ومهما تعاقبت السنين فلن يستطيع شيء أن يُخفي روعته أو ذاك الانبهار الذي ستشعره لحظة دخوله، الذي ما إن تطأه قدماك حتى تشعر بذلك الشعور الذي يبدأ بالتسلل إلى داخلك، الشعور بالدفىء والبرودة بذات الوقت، الذي ما إن تتسلل عيناك تسترق النظر لقراءة ما هو مكتوبٌ على جدرانه حتى تنفجر بداخلك قوة غريبة ممزوجة بالفرح، فتلك الكلمات التي تُزَينُه ليست بغريبةٍ عنك، وتلك العبارة المليئة بالروحانية والعزّة التي تملأ المكان قد سَبق وأن قرأتَها الكثير والكثير من المرّات ولكنك تنسى معناها، تلك العبارة التي تبدأ شفتاك بتكرارها مراراً وتكراراً لتتغنى بها ولتبقى ساكنة في ذاكرتك، عبارة “ولا غالب إلا الله”.نحن كشعوب نقوى بشعور أنّ الله معنا في أي وقت وفي أي زمن، وأنّ من نستند عليه هو القويّ الغالب الباقي في كل الأحوال، لهذا علينا في كل شأنٍ من شؤون حياتنا أن نتذكر أنّه لا غالب إلا الله الذي بيده جميع الأمورعندما تقرأها ستُغمض عيناك وتهمسها شفتاك وتلامسها أطراف أصابعك على الجدران الباردة، عندها سيندلع صوتٌ مهيب، صوتٌ لأعدادٍ غفيرة تُردد في صوتٍ واحدٍ غليظٍ مُهيب: “ولا غالب إلا الله.. ولا غالب إلا الله”. تلك العبارة التي اتخذها “بنو نصر” والمعروفون أيضاً باسم “بني الأحمر” شعاراً لهم وجعلوها عبارة تُذكّر زوّار الأندلس أن الحضارة الإسلامية كانت هنا ولا زالت روحها تسكن جدرانها. ويُقال أن قِصة هذا الشعار هو أن قائدهم قد أُجبر على خوض حربٍ مع القشتاليين ضد إشبيليا ليكون بهذا قد شارك بسقوط آخر معقل من معاقل المسلمين في الأندلس، وعندما عاد لقومه استقبلوه مهللين ومرددين “الغالب.. الغالب”، ولكنه من شدة حزنه لما فعل وقلّة حيلته كان رده يقتصر بقوله “ولا غالب إلا الله”، وظلّ هذا الذنب يتربّص به فطلب بتزيين القصر بعبارة “ولا غالب إلا الله” ليراها في كل زاوية من زواياه. سواء صَدَقت تلك القصة أم لا، فقد نجح “بنو نصر” باختيارهم لهذه العبارة ونجحوا بإيصال الرسالة لنا، ففي هذا الوقت نحن بأشدّ الحاجة إلى ما يُذكِّرُنا بقوتنا؛ لأنّ كمية الضغط التي نتعرض لها كشعوب عربية وإسلامية وما نراه يحدث حولنا قد هشّمنا من دواخلنا وجعَلَنا فارغين ضائعين ظانين أنّ لا حول لنا ولا قوة. ولكن كان دور هذه العبارة بأن ذكّرتنا أن حال الأمم من تغيّر إلى تغيّر ولن تبقى أمّة على حالها، فهذه الكلمات تثبت أن دوام الحال من المُحال، وأن البقاء لله وحده، فمهما تكالبت علينا الأمم، ومهما تجبّرت بعض الدول، ومهما وهن وضعف المسلمين فلا غالب إلا الله.ومهما ابتعد المسلمين عن دينهم واختاروا اللجوء إلى الثقافات الغربية لتبنّيها ونشرها بين شباب المسلمين، ومهما حاول العالم محاربة الإسلام وتشويهه فلا غالب إلا الله. كما تُذكِّرنا هذه العبارة وقصتها بحالنا، فإن قوينا أو ضعفنا، وإن تجلّى الشك في قلوبنا أو بَعُد، وإن دَبَّ الرُعبُ في دواخلنا خوفاً على حالنا، وإن أخذتنا الحياة بما فيها، ومهما تجبّر الناس بظلمهم وطغيانهم وسعوا لنشر الفساد في الأرض فتُذكِّرُنا أنّ لا غالب إلا هو سبحانه وأنهم إلى زوال وأننا جميعنا تحت رحمته فلا يبقى إلا وجهه سبحانه.نحن كشعوب نقوى بشعور أنّ الله معنا في أي وقت وفي أي زمن، وأنّ من نستند عليه هو القويّ الغالب الباقي في كل الأحوال، لهذا علينا في كل شأنٍ من شؤون حياتنا أن نتذكر أنّه لا غالب إلا الله الذي بيده جميع الأمور، وأنه معنا وحولنا، ولكن علينا أن ننهض بأنفسنا ونغيّر حالنا، حال الوهن والضعف لينصرنا الله على ضعفنا وعلى استضعاف الغيرِ لنا. علينا أن نؤمن أنّ لا غالب إلا الله ولكن علينا أيضاً أن نؤمن أنه لا غالب لضعفنا إلا أنفسنا. قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here