كوردستان والجرأة المطلوبة

بقلم ( كامل سلمان )

مناقشة الاخطاء وتشخيصها بعد التعثر والفشل هو السبيل الوحيد للنجاح ، ولا نجاح في غض الطرف عن الأخطاء . خلال الكثير من اللقاءات مع النخب المثقفة من الكورد والعرب والترك والفرس وغيرهم ، هناك حالة واحدة يتحدث بها جميع المثقفون ومن جميع الشعوب والامم والقوميات الا وهي حرية الكلمة والتحرر والديمقراطية والانفتاح وحق الشعوب في تقرير المصير ولا يختلفون نهائياً حول ذلك ولكن الاختلاف يبدأ عندما يصبح الحديث تحديداً حول حق الشعب الكوردي ، هنا يتحول كل شيء الى خط احمر ، فالعلماني والاسلامي والقومي وغيرهم يرفضون تعميم الحق الكوردي امام كل ما يطرح لأن الحق الكوردي يعني تسليب لحقوقهم القومية التأريخية او الدينية ، فالاستقلال الكوردي يعني حرب على الله وعلى الرسالة الاسلامية بالنسبة للإسلاميين ، فهنا تتغير الموازين وتتوقف الثقافة والديمقراطية وحق تقرير المصير لأن ذلك يهدد مصالح بلدانهم وكياناتهم وقومياتهم وحتى تراثهم ، وهذا الكلام نفس ما نقله لي احد الاصدقاء من اقليم كتالونيا الاسبانية وبنفس الاحساس يعاني الشعب الكتالوني من ازدواجية المواقف بالنسبة لأعداء الشعب الكاتلوني وكذلك ما نقله لي احد الاصدقاء من ولاية كشمير ، فالكل عندما تناقشهم وتحاورهم ، ديمقراطيون وانسانيون واخلاقيون ومظلومون امام حقوقهم ولكن مع حقوق الاخرين يتحولون الى ذئاب مفترسة ، فهاهم العرب والمسلمون يتباكون على حقوق الشعب الفلسطيني وعندما تقارن ذلك بحقوق الشعب الكوردي تنقلب عليك الدنيا بسبب هذه المقارنة ، فالحق الفلسطيني حق عربي اسلامي تأريخي مقدس واما الحق الكوردي فلا وجود له . . لذلك كان على المسؤولين الكورد ان يدركوا هذه الحقيقة ، بأن شعارات الامم المتحدة والمنظمات الدولية وحق تقرير المصير وحق الاستفتاء مجرد كلمات للتزيين ولتجميل المؤتمرات والتجمعات القومية والدينية ، ما كان على المسؤولين الكورد ان تخدعهم تلك الشعارات الاممية ويعلنوا الاستفتاء الذي كسر ظهر الكورد وأضاع مكتسباتهم لعشرات السنين ، اضاعها في سويعات مظلمة بسبب سوء التقييم وسوء الفهم لما يدور من حولنا ، نعم كادوا يكسرون كوردستان كله ، لكنهم اكتفوا بكسر جناح كوردستان واعادوه الى نقطة الصفر ، ، ، الحقيقة التي يجب على الكورد معرفته في الوقت الراهن هو ان دول العدوان ربطت مصيرها وزوالها ووجودها مع شيء اسمه دولة كوردستان او الحق الكوردي , فهذه الدول اما ان تكون موجودة قوية معززة بعدم وجود كيان للكورد او ان وجودهم يتعرض للزوال مع وجود كيان للكورد ، يعني اما انهم باقون بعدم وجود الكورد او انهم زائلون بوجود كيان للكورد ، هكذا هم يلعبون اللعبة وهذا يعني استعدادهم لإبادة جميع امتدادات الشعب الكوردي لو اضطروا لذلك لكي لا يمحا وجودهم ووجود تأريخهم الكبير كما يظنون ، وهذا ماسمعته بالنص من احد الكوادر التركية المثقفة الذي قال حتى بعد يوم القيامة لا نسمح للكورد بتأسيس كيان لهم ، اي انها قضية مصيرية لهم ، في محاولة لجعل الشعب الكوردي ان يعيش اليأس والانهزام الداخلي امام العناد التركي العربي الفارسي …
ولكن هل فعلاً سينهزم الشعب الكوردي امام حقه التأريخي الاخلاقي والإنساني والمصيري لأن اعداءه قرروا ذلك ؟ لأن اعداءه ارتأوا ذلك ، لأن اعداءه الاقوى حالياً ، الاعنف والاشرس والأكثر بطشاً .
نعم علينا ان نعترف ان اخطاءنا اعطت لأعدائنا الافضلية واعطتهم متنفس بعد ان خيم على عقولهم اليأس عندما انطلق اقليم كوردستان للعالمية واصبح اقليم بلباس دولة وسط المجتمع الدولي ، ولكن خطأ الاستفتاء جاء في الوقت القاتل ، في وقت هو انقاذ لليأس الذي عاشه اعداء الكورد . فعرفوا كيف يستثمرون اليأس في تعاون مشترك لجميع الدول المحيطة بكوردستان ومخابراتها وجيوشها واعلامها وسكوت مطبق للدول الكبرى لأن الدول الكبرى تدرك ماهو تفكير اعداء كوردستان ومدى خباثتهم لذلك رفضت الدول الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الامريكية الاستفتاء جملة وتفصيلا واعتبروه خطوة الى الوراء ، وهذا ما أثبتت الاحداث التي تلت الاستفتاء صواب رؤيتهم ، فسعى الاعداء بكلمة واحدة وجهد موحد ليجهزوا على الكيان الكوردي الفتي ويعيدوه الى نقطة البداية ، فهل كان ذلك خطئاً كوردياً ؟ نعم كان خطئاً كبيراً بكل الحسابات . . . فما هو الصح إذاً مع كثرة الضغوطات ومع كثرة التحرشات ومع الاصرار لإلغاء الوجود الكوردي ؟ نحن نعلم جميعاً انهم عازمون على إلغاء دور الكورد ونعرف نواياهم مسبقاً ولكنهم لا يتجرأون على فعل ذلك فيدفعون الكورد لارتكاب الأخطاء لكي يتسنى لهم توجيه الطعنات والصفعات ، او على الاقل يفتعلون الازمات لكي يتسنى لهم ضرب كوردستان ولم ولن يناموا لياليهم في راحة بال امام بزوغ شمس كوردستان ، امام الكورد طريق واحد فقط بعد كل ما حدث لكسر شوكة الاعداء وتحطيم امانيهم في منع ولادة الدولة الكوردية وجعل حساباتهم وبال عليهم ، وهو الطريق الذي سيقود الى بناء الدولة الكوردية مهما ازدادت شراسة ووحشية الاعداء ، الطريق الوحيد هو التمدد الافقي مع المجتمع الدولي اولاً ومع قوى الخير في العالم ، على المؤسسات الكوردية زراعة فروع لها في كل انحاء العالم ، وعلى الكورد ان يوصلوا رسالة لكل قوى المجتمع البشري حول جرائم اعداء الكورد ومخططاتهم ، الكورد شعب كبير وواسع ومنتشر في الارض وكل ما يحتاجه هو التوجيه الصحيح وتأسيس لجان لدراسة جميع المقترحات ومناقشتها ، ولا يصح السكوت وقبول الخطأ ، فأي خطأ بعد اليوم سيكون ثمنه مكلف جداً . دعونا نستفيد من تجارب الشعوب بشكل عميق ، انظروا الى دولة قطر بأمكانياتها المحدودة خلقت لنفسها كيان يضاهي كيانات دول كبيرة والسر الاول هو دخولهم عالم الاعلام بكل قوة واستطاع القطريون من تأسيس مملكة اعلامية عملاقة تضاهي نظيراتها العالمية وتغلغلت هذه المملكة في شؤون السياسة والرياضة والعلوم والتكنلوجيا فأستطاع القطريون من فرض شخصيتهم من خلال الاعلام على جميع دول العالم ، فهل الكورد عاجزون عن بناء مملكة اعلامية بهذا الحجم ؟ مع العلم اعداد وامكانيات الكورد في العالم تفوق امكانيات دولة قطر بمئات المرات لو استثمرت بشكل علمي ، دبي التي اصبحت ملتقى تجاري عالمي بفضل الاستثمارات وبفضل تقاطع الطرق الدولية ، مطارات كوردستان يمكن لها ان تكون مفتاح الربط بين الشرق والغرب ، كوردستان اليوم لها موقع ريادي افضل من موقع دبي بمئات المرات ويمكن ان تكون كوردستان محط انظار الجميع نظراً لموقعها الجغرافي العالمي ومناخها المثالي . هونغ كونك ، تايوان ، جنوب افريقيا وغيرها من المراكز العالمية التجارية والسياحية والعلمية تستطيع ان تكون كوردستان محل جذب عالمي ، وليعلم الجميع ان صعود كوردستان الى مستويات دولية هي ابواب مستقبلية لدولة كوردستان غصباً على دول الجوار التي ستضطر في نهاية الامر من التركيز على مصالحها حتى وان اضطرت للتعامل بواقعية مع الكيان الكوردي ، فالسياسة اصبحت مصالح اولاً وقبل كل شيء و رمال متحركة ثانياً بالنسبة للدول وخاصة الدول التي تترنح اقتصادياتها وهذه هي ميزة الدول التي تحارب كوردستان ، دول عندها مشاكل اقتصادية تفوق قدراتها ، فلا داعي ان نخشاهم ولا داعي ان نحسب لهم حسابات كبيرة ونحن ماكثون في نفس البركة التي لم تحرك ساكناً ، لهثنا وراء الاستفتاء ففشلنا لأن ذلك كان الطريق الخطأ ، والان حان الوقت لتصحيح الاخطاء ، حان الوقت لنلهث وراء التوسع والبناء ليرى اعداءنا كم نحن عازمون على اثبات مصداقيتنا وتجارب الاخرين حاضرة امامنا ولا نحتاج سوى الى تجسيدها . وهذا الحلم الكوردي الذي نراه بعيداً سيكون اقرب من كل قريب عندما تكون الخطوات الصحيحة هي التي تتحكم في مسار الشعب الكوردي . واخيراً اقول ليس عاراً ان تخطىء ولكن العار كل العار ان لا تصحح او على الاقل تسعى الى تصحيح الخطأ بعد ان تتذوق مرارة ذلك الخطأ .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here