شهرة سريعة كفقاعة زائلة

شهرة سريعة كفقاعة زائلة

بقلم مهدي قاسم

قبل انتشار الإنترنت وأخواته الكثيرات من مواقع وصفحات تواصل اجتماعي وفيديوهات ذات طابع شخصي ، كانت عملية بلوغ الشهرة الصحيحة والرصينة المرموقة تحتاج إلى فترة ليست بقصيرة قطعا ، قد تصل إلى سنوات طويلة من جهد وتعب وحرص وقراءة دائبة ومتابعة ودراية من خبرة تصقيل وتهذيب بهدف بناء معماري فني متماسك ذات قيمة إبداعية محسوسة وملموسة لمن يهوى الكتابة والتأليف ، في أثناء ذلك يكون هو قد قطع شوطا لا بأس به نحو شهرة نسبية وكسب قراء متابعين لأعماله إلى حد قد تدفع ببعض دور النشر إلى طبع أعماله دون أن يدفع نفقات الطبع على حسابه الشخصي ، لكون هذه الدور باتت على يقين بأن قراء كثيرين سيشترون النسخ المطبوعة لمؤلفاته ويغطون على نفقات الطبع والنشر ، ربما مع بعض الربح أيضا ، و قد كان كتّابا من قبيل نجيب محفوظ ،يحيى حقي ، يوسف أدريس يوسف القعيد علاء الأسواني ، مرورا بحنا مينا، ، الطيب صالح ،طاهر وطار ، محمد شكري ، فؤاد التكرلي ، عبد الرحمن المنيف الخ ..الخ ــ على سبيل المثال وليس الحصر ـ..
طبعا ، لولا ضيق المساحة والعجالة يمكن إضافة إلى أو ذكر عشرات روائيات و روائيين معروفين ومهمين أيضا ..
هذا بالنسبة لروائي أو شاعر وقاص مميز بإبداعه ، أما بالنسبة لفئة القراء الواسعة آنذاك ، فقد كان الكثير منهم يمتلكون أيضا ذوقا جماليا و فنيا رفيعا ، أقرب إلى ذوق جمالي مميز يؤهلهم لتقييم عمل إبداعي بشكل جيد لكاتب أو شاعر ما ، بهدف متابعة ما ينشره من رواية ، مجموعة قصصية أو شعرية ، ثم التردد الدائم إلى المكتبات بهدف اقتنائها بعد صدورها ، فضلا عن ترويج لها من خلال أخبار ثقافية و متابعات نقدية تُنشر في مجلات عديدة ورصينة محترمة ..
فالتي أو الذي ما كان يتمتع بموهبة كتابة حقيقية فلن تحصل أو يحصل على نصيب من شهرة حقيقية وأصيلة حتى لو تمت عملية الطبع على نفقات شخصية ، حيث كان معظم النقاد حذرين من هاتك أو اولئك الطارئين على عالم الرواية والقصة أوالشعر ..
إذ فمهما حاولت شويعرة أن تتغنى بنهدها أو بمؤخرتها لتكتسب شهرة رخيصة فكانت تصطدم بتجاهل القراء والنقاد الرصينين في ذلك الحين ..
طبعا ، إضافة إلى نشر ترجمة أعمال روائية قيمة لأهم لكتّاب وروائيين كبارا في أنحاء العالم والتي كانت تُتقنى وتُنفد كحلوة لذيذة .
هكذا كانت الحركة الثقافية والإبداعية النشطة ذات أصالة و رصانة التي كانت منتشرة وسائدة في ذلك الزمن المزدهر للعمل الإبداعي الجميل ـ،و كتحصيل حاصل و امتداد طبيعي فقد أنتجت أعمالا روائية وشعرية ، ذات قيمة إبداعية خالدة والقارئ المواظب والمثقف الجيد ــ قديما ــ يعرف أية أعمالا روائية وشعرية نقصد ولأي كتّاب وشعراء ..
أما الآن ــ في العموم الأغلب ــ فنحن إزاء لهاث شهرة سريعة لمهووسين بذلك ( من نوع كُّل وأنت ماشي ــ يعني على طريقة تناول سندويشة ماكدونالدز ) ــ شهرة إنترنتية ــ على فيسبوكية مجانية ، فبدلا من أن يذهب القارئ إلى مكتبات ليشتري و حصل على ما يعجبه من أمهات كتب قيمّة يوّد قراءتها ،في حالة شعوره بحاجة روحية إلى ذلك ، فبدلا من ذلك إن المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي سرعان ما تدس له تحت أنفه بمجرد أن يفتح عينه ،وبضغطة على جهازه بمئات من ” قصائد ” ونصوص هي مزيج غريب و عجيب من هراء و هذيان ــ بالطبع مع الاحترام للاستثناءات ..
ولكن الملفت هو تداني الذوق الفني و الجمالي العام ، فترة بعد أخرى بسبب ذلك ، وبشكل ملفت ومثير للشفقة حقا ــ أبسط مثال على ذلك هو :
قبل أن يتوفى الشاعر العراقي المعروف و صاحب القصيدة التدويرية حسب الشيخ جعفر كان قد نشر قصيدة جميلة و رائعة على صفحته في الفيس بوك ولكنها لم تحصل سوى على عشرين أو ثلاثين إعجابا ، في مقابل قصيدة ” لشاعرة ” تتكون من ثلاث عبارات تتغنى بنهد ورمح لحمي وبنبرة إباحية رخيصة تتوسل الشهرة فحسب ، حيث وصل عدد الإعجاب بهذه ” القصيدة ” إلى أكثر من تسعمائة إعجابا وكان بين المعجبين شعراء وكتّابا “معروفين ” !!..
فصحت مستغربا :
ـــ يا لهوي !..
وهل حقا وصل الذوق الجمالي الأصيل عند البعض إلى هذه الدرجة من التدني و الرثاثة ؟..
أم أن ذوق العصر الحالي قد تجاوز ذوقنا الجمالي الذي بات متخلفا ورجعيا ؟!..
ما حدا مما بدا ؟..
مجرد ملحوظة :أنا أيضا أنشر في الفيس ولكن مجرد إعادة النشر لا أكثر ، من أجل بعض الصديقات والأصدقاء فقط و الذين يهمهم ما أنشره ، بالطبع بعدما أقوم بنشرها في صحف مطبوعة أو إلكترونية معتبرة أولا .. لذا تراني أنشر أحيانا مقالات أو نصوصا طويلة بعض الشيء وأنا أعرف مسبقا سوف لا يقرأها البعض بسبب طولها ، ومع ذلك أنشرها دون أن يهمني ذلك ! ..
و هذا ما يفعله أيضا كتّاب آخرون الذين لا تهمهم الشهرة الرخيصة ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here