لاجديد تحت الشمس

لاجديد تحت الشمس * بقلم د. رضا العطار

جلست ساكنا استمع الى النقاش الدائر بين الاستاذ والتلميذ المتحمس للبحث والتنقيب … قال الفتى: وهو يحاور شيخه:

لكنك بذلك يا سيدي انما تردد قول سليمان الحكيم ( كل شيء تحت الشمس باطل)

فاجاب الشيخ مبتسما: ليس ذلك تماما لكني اقول: لا جديد تحت الشمس بل كل شيء في ظاهر هذا الكون معاد، لان هذه الظواهر جميعا تسير في دورة رتيبة قد تسبب للأنسان الملل والضجر !

– لعلك تعني ما صوره اديبنا نجيب محفوظ في روايته الشهيرة (ثرثرة فوق النيل) عندما رسم ببراعة الفنان دورة الافلاك الرتيبة وما تجلبه من ملل وما تخلفه في الانسان احيانا من شعور بالعبث واللامعقول … !

– – لكنني لا افهم كيف يمكن ان تكون الطبيعة دائرية فحسب، لا تكشف عن جديد. بل تكرر ما سبق ان اظهرته، فلا تأتي كل يوم الاّ بما هو قديم. ألسنا نكتشف فيها كل يوم شيئا جديدا ؟ — ألا يقوم العلماء منا بالبحث والاستقصاء واجراء التجارب واختراع الادوات والوسائل التي تمكنهم من اجبار الطبيعة على ان تبوح بما لديها من اسرار دفينة ومعلومات خبيئة – وهو ما يطلقون عليه اسم (القوانين) ؟

خذ ما شئت من العلوم التي تدرس هذه الطبيعة وظواهرها: علم الكيمياء مثلا، تجد ان الانسان قد مرّ بمراحل طويلة حتى وصل الى ما وصل اليه الان. وكل مرحلة تشكل تقدما عن المراحل السابقة ! فقد بدأ اكتشاف العناصر الموجودة في الطبيعة بصورة منفردة ( اعني تلك العناصر التي لا تتحد مع غيرها من الفلزات كالذهب والفضة )

ثم في مرحلة تالية اُكتشفت عناصر جديدة. فلما كثرت العناصر التي تم اكتشافها، قام العلماء بتصنيفها في مجموعات تتضمن كل منها العناصر المتشابهة في الخواص حتى جاء عالم الكيمياء الروسي – مندلييف – في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فوضع الجدول الدوري الذي ارتبط بأسمه. انه صنّف هذه العناصر ورتبها ترتيبا تصاعديا من اخفها (الايدروجين) الى اثقلها (اليورانيوم).

فقال الشيخ وقد اعجبه حماس الفتى: حديثك شيق، يكشف عن مقدرة بارعة في الجدل ولكنه مع ذلك لا يخلو من مغالطة ذلك لانك تخلط بي امرين كان الاجدر بك ان تفرق بينهما: الاول: هو الفكرة التي بدأنا بها الحديث والتي تقول ان الطبيعة لاتاتي بشيء جديد البتة لانها تسير في دورات متكررة.

والثاني: هو معرفتنا بهذه الطبيعة. فتاريخ اي ظاهرة طبيعية ليس سوى نسخة واحدة مكررة،هذه الشجرة وهذا النهر وهذا الجبل الذي يظهر هنا ليختفي هناك …الخ

كل هذه الظواهر ليس فيها جديد.

ولكي ازيد الفكرة وضوحا خذ مثلا ظاهرة من ظواهر الطبيعة ولتكن ( سقوط الامطار)

– صحيح ان تفسير الانسان لها مرّ باطوار متعددة لكنها ظلت هي دون تغير، فالانسان البدائي كان يعتقد ان الامطار تنزل بأمر (الالهة في القمر). ولهذا كان يقال انه حتى الضفادع تتضرع الى القمر لكي ينزل لها الغيث. ثم فسرتها بعض العصور على ان سقوط الامطار ليس سوى دموع المظلومين الذين صعدوا الى السماء يشكون ظلم الحكام على الارض ! وفسرتها بعض الطوائف الدينية في العصور الوسطى بان الملائكة تغسل قبة السماء ! واخيرا فسرها العلم الحديث التفسير الصحيح.

وهنا نجد ان الظاهرة الطبيعية ظلت باقية على حالها طوال العصور دون ان تتغير، فما تغير هو المعرفة البشرية على مر الزمن. تماما فالمطر يتألف من عناصر مادية تتجمع بطريقة آلية فتشكل ظاهرة ما، ثم تتفرق فتعود الى سيرتها الاولى ثم تعود الى التجمع والتفرق … وهكذا دواليك اخذ مرة اخرى ظاهرة المطر التي كنا نتحدث عنها تجد انها تقوم بدورة واضحة المعالم:

فالمطر هو الذي كون الانهار التي شقت بدورها طريقها الى البحار والمحيطات ثم تسقط اشعة الشمس على مياه الارض فتحول بعضها الى بخار يتصاعد الى طبقات الجو العليا مشكلا سحبا تدفعها الرياح امامها حتى تصطدم بمناطق باردة فتتحول الى قطرات من ماء تسقط منهمرة مكونة الانهار لتشق طريقها مرة اخرى لتصب في البحار والمحيطات وتعود الظاهرة الى التكرار الى ما لانهاية … فأي جديد يمكن ان نلمسه في هذه الدورة ؟

نعمن فالجديد يمكن ان يكون فيما يبدعه الانسان في فنه وافكاره ونظمه — وباختصار في ميدان التاريخ بالمهنى الواسع لهذه الكلمة، اعني تاريخ الانسان بما هو انسان : السياسي والفني والثقافي والاجتماعي، فأحداث التاريخ لا تتكرر ابدا وانما هي جديدة بأستمرار فهي اشبه بأمواج البحر تبدوا لك واحدة ومتشابهة مع انها في الحقيقة متجددة على الدوام.

· افكار ومواقف لمؤلفه امام عبد الفتاح امام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here