كل شيء حي تطأه أقدام الأمريكان ، يحتضر

نجاح محمد علي

لايختلف اثنان على أن التقارير حول غزو العراق في عام 2003 كانت كلها مضللة ولم تستند الى حقائق ، ولكن بعد عشرين عاماً من الهيمنة والتدخل ، نشر المؤرخون والصحافيون الأمريكيون وصفًا نهائيًا لما حدث و لماذا.

الدروس التي يستخلصها التحقيق حول تلك الحرب في كتابات هؤلاء المؤرخين والصحفيين الاستقصائيين من الأدلة المتراكمة بشق الأنفس ، أن صانعي السياسة الأمريكيين بقدر ارتباطهم بنظرائهم البريطانيين ، يكررون الفشل مرة أخرى . فالصورة التي ترسمها حرب العراق ، مع كل الإلمام بعناصرها الرئيسية ، هي صورة مدمرة للفشل الفردي والمؤسسي.
لدى جمع كبير من البريطانيين ، لم يكن صعباً الحكم على توني بلير رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت ، أنه كاذب ومجرم حرب (كما يقول الكثيرون) ، بل هو أيضاً رجل مدفوع بمزيج قاتل من الغطرسة ، تماماً مثل رئيس الولايات المتحدة يومذاك جورج دبليو بوش الذي كان ينفذ أجندة المجمع الصناعي العسكري وباقي مؤسسات القتل والدمار والنهب الأمريكية.

إن أكثر استنتاجات التحقيق إدانة التي توصل لها هؤلاء المؤرخون والصحافيون الاستقصائيون، هو الاستنتاج الشامل الذي قام بناءً على هدف أمريكا و بريطانيا المعلن بنزع سلاح صدام المدمر (وتبين أنه ماعاد يملكه حين الغزو أبدًا). لم يكن العمل العسكري في مارس (آذار) 2003 ، كما ادعى بلير ،هو الملاذ الأخير محاولاً اقناع الرأي العام البريطاني الذي نظم في مثل هذه الأيام مظاهرات مليونية عارمة في لندن ضد الحرب. بات من المؤكد بعد عشرين عاماً أن محاولة التعامل مع أسلحة الدمار الشامل المزعومة بخوض حرب ، ليست إلا كذبة ووصمة عار في جبين الاستخبارات وقادة المجمع الصناعي العسكري ومافيا النفط والمال.

قبل الحرب الكارثية ، حصل فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة بقيادة هانز بليكس على تعاون أفضل من صدام وصل حتى تفتيش قصوره الرئاسية ، و دمر ما زوده به الغرب من سلاح مدمر جرثومي وكيميائي وصواريخ باليستية. لم يكن هناك تهديد وشيك من صدام . كان هناك دعم قوي من مجلس الأمن الدولي لعمليات التفتيش المستمرة. باختصار ، أثبتت التحقيقات ، أنه على الرغم من أن التدخل العسكري الذي لم يكن مطلوبًا ، أن استراتيجية الولايات المتحدة وبريطانيا فشلت في العراق ، و تركت الكثير من بصمات الموت فيه ، وماتزال .

يجمع أولئك المؤرخون والصحفيون الاستقصائيون أن الولايات المتحدة فشلت في العراق لأن صانعي السياسة الكبار لا يعرفون أشياء يعرفها الصحفيون المغامرون عن البلاد التي تم غزوها بسلاح مدمر شامل . كان الكثير من الصحافيين والباحثين عن سحر الشرق ، زار العراق وتعرف عليه عن كثب في الثمانينيات أثناء فترة الحرب على ايران. وقد حظيت تلك الحرب العبثية المجنونة بدعم أمريكي غربي لافت ، لكن الزائرين للعراق لم يشهدوا كما يقولون في مذكراتهم ، تفاقم الانقسامات المجتمعية ، إلى جانب الضعف البنيوي للمجتمع العراقي في التسعينيات في ظل نظام العقوبات ، ما جعل العراق بشكل خاص عرضة للتخريب الأمريكي الممنهج بعد العام 2003 .
كتب ريتشارد فالك أستاذ فخري في القانون الدولي لألبرت جي ميلبانك في جامعة برينستون وزميل باحث في مركز أورفاليا للدراسات العالمية، وهو أيضًا المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان الفلسطيني ، أن الأمم المتحدة أساءت إلى صورتها كثيراً عندما فشلت في تعزيز رفضها منح التفويض للولايات المتحدة وتحالفها ، على الرغم من الضغط الكبير من الولايات المتحدة ، لشن الهجوم (على العراق) . يضيف أن فشل ما بعد الهجوم ، فاقم في حقيقة أن الأمم المتحدة قدمت الدعم للاحتلال غير القانوني بقيادة الولايات المتحدة الذي أعقب ذلك. بعبارة أخرى -يقول فالك – ” لم تكن حرب العراق كارثة من منظور السياسة الخارجية الأمريكية والبريطانية والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط فحسب ، بل كانت أيضًا نكسة خطيرة للقانون الدولي والأمم المتحدة والنظام العالمي”.

لكن هل استفادت الولايات المتحدة من أخطائها م وهل ستعيد النظر في أولوياتها واستراتيجيتها في العراق ؟!
يجب أن يقر هذا التقييم إن حصل بالفعل بفشل الادارات الأمريكية طوال العشرين سنة الماضية . ليست هناك حاجة للقوات الأمريكية – ليس هناك سبب وجيه للمخاطرة باستمرار الانتشار في العراق .
لكن يبدو أن الولايات المتحدة لن تتعلم بسهولة ، وتأريخها طويل في تعلم القليل جدًا وبعد فوات الأوان. فقد فشلت الولايات المتحدة في تقديم تحليل في الوقت المناسب لدروس حرب فيتنام التي أصبحت متلازمة في عقلها الجمعي , على الرغم من أن المؤرخين والمحللين كتبوا منذ ذلك الحين بعض الأعمال الواقعية عن دروس “متلازمة فيتنام” ، و غطت عشرات المجلدات اللاحقة في التاريخ الرسمي للجيش الأمريكي لحرب فيتنام في النهاية العديد من المناطق في العمق .

لقد ارتكبت الولايات المتحدة حتى الآن في العراق الأخطاء نفسها التي ارتكبتها في فيتنام . ولم تحلل أبدًا بشكل صحيح الدروس المستفادة من إخفاقاتها الأخرى في أفغانستان أيضاً ، في تبرير الحاجة إلى غزو أو الاستعداد لنتائج غزو ناجح بشكل صحيح . وخلاصة الكلام أنه بعد الحروب في فيتنام وأفغانستان والعراق … كل شيء حي تطأه أقدام الأمريكان ، يحتضر.

صحفي استقصائي مستقل من العراق. خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية
• لمتابعته على تويتر @najahmalii

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here