ثورة القرامطة – 4 الاخيرة

ثورة القرامطة – 4 الاخيرة (*) د. رضا العطار

كان اسلوب العمل في نشر الثورة في الدولة القرامطية يجري على هذا النمط ويتم على مراحل عدة , تبدا بمرحلة التفريس , وهي المرحلة التي يستطلع الداعي مدى استعداد الشخص لقبول فكرة الحركة القرمطية . ثم تليها مرحلة التانيس , وفيها يحاول الداعي ان يجعل صاحبه ان يتشكك ببعض احكام دين الاسلام , كأن يسأل عن سر موضع الثدين عند الرجل في الصدر , و ( لغز ) جيم هاء ياء عين صاد في القران ؟ وهلم جرا

ثم تتبعها مرحلة التعليق , وهي الفترة الحرجة , يغدوا الطالب متحيرا . تليها مرحلة الربط , وهي ان يعقد الداعي لسان المتقدم للفحص . بايمان وعهود , لا يجسر على مخالفتها . ثم تاتي مرحلة التدليس وفيها يلقي الداعي على سمع المستجيب بعض التفسيرات الخاصة بالحركة القرمطية . وتنتهي ( المقابلة ) بمرحلة الخلع التي يعتبر الطالب فيها قد ادرك ( الحقيقة ) .

اني اتسائل انه كيف صنف المؤرخون من العرب وغير العرب دولة القرامطة في البحرين كدولة اسلامية اذا كان القرامطة يمارسون سياسة تهدف الى هدم الدين الاسلامي الى جانب ممارساتهم اللااخلاقية التي ذكرت اخبارها اعلاه طيلة ثلاثة قرون متواصلة.

– ثاما عمل جهاز الدعاية فكان يتم على الشكل التالي 1- المكالب ومهمته ايجاد افراد بغية الأنضمام للثورة القرمطية 2- المكاسر وهو المتخصص في شؤون الحوار و الجدل 3- الداعي المحصور ونشاطه مقتصر على منطقة محدودة 4- الداعي المأذون ونشاطه يتوسع الى منطقة اكبر 5 – الداعي المطلق ونشاطه يشمل محافظة 6- واخيرا داعي البلاغ الذي بكون بمثابة وزير الاعلام . والجدير بالذكر ان القرامطة قد استعملوا الحمام الزاجل بأمتياز كأسرع وسائل للمواصلات .

اما بشأن الأخلاق والعادات فقد ظهرت في المجتمع القرمطي ممارسات شاذة، تتمثل في ـ ليلة الاصباح ـ السنوية، حيث يذهب فيها جماعات من القرامطة برفقة زوجاتهم الى مكان معين، كي (يحيوا ليلة طرب)، يشربون الخمور طوال الليل، يغنون و يرقصون وسط ضجيج وصخب ، وعندما يبلغ السكر عندهم اقصاه، يطفؤون الاضواء ثم ينطلقون في عملية الصيد الحرام في اباحية سافرة.

من جانب آخر كان على القرمطي ان يتخلق بأخلاقيات تتماشى والنظام السياسي الذي اوجدته اخوانية المهنة التي كانت تضم اهل الصنعة الواحدة والذين كانوا يشكلون القاعدة الأساسية للمجتمع فقد تخلوا عن التزاماتهم القبلية والتحموا مع زملائهم في الحرفة الواحدة. مما دفع الباحث العصري ماسينيون الى ان ينسب الى القرامطة فكرة تأسيس اولى النقابات في تاريخ البشر والتي كانت قبل اكثر من الف عام.

كان القرامطة يأكلون جميع انواع لحوم الحيوانات المتناولة بين ايديهم , بصرف النظر عما هو المعتاد عليه , فكانوا يبتاعون لحوم القطط والكلاب والحمير والبقر والخراف في سوق المدينة , و كان البائع يضع رأس الحيوان المذبوح الى جانب لحمه لمعرفة المشتري , و كان يؤخذ عليهم قلة اعتنائهم بالنظافة , فمنهم من لم يمس الماء جسده طيلة حياته , وهذه النزعة في المجتمع الصحراوي معروفة , خاصة وان شحة المياه تصل احيانا الى درجة يصعب على ساكنيه ايجاد ماء الشرب .

اما عن اخبار الأدب والأدباء في دولة القرامطة في البحرين فأقول بعد ان غاص ادبائهم في عمق الحياة واكتووا بأتون احداثها خرجوا منها برصيد كبير من التجارب الأنسانية اودعوها في نثرهم وشعرهم التي افرزت عن ابداعات رائعة في الادب العربي في ذلك التاريخ . هذا ما يرويه المؤرخ المقيزي .

كانت الحركة القرمطبة حركة ثورية , فلا عجب اذا ما وجه شعرائها سهامهم الى صدور الطغاة الذي تربعوا على عروش مغتصبة داخل قلاع مكتضة بالجواري والغلمان يحرسها جند الأسلام المزيف يخافون غضب الجياع القابعين وراء الأسوار وما كان تمرد الجماهير على الدين والدنيا الا بسبب فقرهم ومعاناتهم ,

فهذا ابو العلاء المعري يقول –

كم عاقل عاقل – اعيت مذاهبه ….وجاهل جاهل – تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة …..وصير العالم التحرير زنديقا

اما الشاعر ابن الفضل المتمرد على الدين يقول

اذا الناس صلوا فلا تنهض — وان صاموا فكل واشرب

ولا تطلب السعي عند الصفا — ولا زورة القبر في يثرب

وما الخمر الا كماء السماء — حلال قدست من كل مذهب

وجاء على لسان قبائل البدو القرامطة عندما غزو الكعبة في مكة

لو كان هذا البيت لله ربنا — لصب علينا النار من فوقنا صبا

وشاعر اخر يصف شعبا يسوده الظلم الأجتماعي فيقول

عجبت من الزمان واي شئ — عجيب لا اراه من الزمان

يصادر قوت جرذان عجاف — فيجعله لأوغاد سمان

وشاعر اخر يشكو فقره قائلا

عشت في ذل وقلة مال — واغتراب في معشر الأنذال

بالأماني اقول لا بالمعاني — فغذائي حلاوة الأمال

وشاعر اخر مجتمعه قائلا

نعيب زماننا والعيب فينا — ولو نطق الزمان اذا هجانا

ذئاب كلنا في زي ناس — فسبحان الذي فيه يرانا

وهذا شاعر علوي عاصر دولة القرامطة يقول

متى ارى الدنيا بلا كاذب — ولا حروري ولا ناصب

متى ارى السيف على كل من — عادى علي بن ابي طالب

متى يقول الحق اهل النهى — وينصف المغلوب من غالب

هل لبغاة الخير من ناصر ؟ هل لكؤوس العدل من شارب ؟

و هذا شاعر قرمطي يقول في الدجالين من رجال الدين

لا تخدعنك اللحى والصور — تسعة اعشار من ترى بقر

تراهم كالسحاب منتشرا — وليس فيه لطالب مطر

و في شجر السرو لهم مثل — له رواء وماله ثمر

لقد استعمل كتاب القرامطة لغة الأدب الرفيع اسلوبا للتعبير عن تطلعات الشعب تمجيد ثورته القرمطية وبذلك اصبحوا في نظر المجتمع اهلا للاكبار والتقدير فقد انتشر شعاع ابداعاتهم الادبية شرقا وغربا واثبتوا ان الاديب المتفاني في سبيل رفاه شعبه هو اكثر نفعا وفائدة من الكثيرين من رجال السياسة…

ختاما اقول : لقد ظهرت بوادر الثورة القرامطة في الكوفة بالعراق ومنها انتشرت الى بلاد الشام واليمن واشتد عودهم اخيرا في البحرين , و تمكنوا من جمع الأنصار تحت لواء من الشعارات الأسلامية المزيفة . كان هدفهم الغير معلن هو نشر التعاليم الفارسية القديمة وقد تحول نظامهم اخر المطاف الى النظام الاشتراكي البدائي . لكن السلطة القرمطية شجعت الفكر الحر فأزدهر الأدب وانتشر . اما العقيدة الأسلامية فقد اصبحت بمرور الزمن في خير كان ولم يبقى منها شئ يذكر .

اما مصير الطاغية القرمطي ابو طاهر سارق الحجر الاسود وقاتل حجاج بيت الله الحرام , فقد انتهى اخيرا في قبضة القدر وخلفه في السلطة اخوه سعيد الجنابي من بعده الذي قام بارجاع الحجرالاسود الى موضعه في الكعبة. وعندما احتل البويهييون العراق عام 331 للهجرة , ضعف شأن القرامطة في البحرين كثيرا بعد ان دب فيها حالة التدهور والتداعي مما اضطرتهم الى الدخول في طاعة الخليفة العباسي في بغداد ونيذ عقيدتهم , فزالت دولتهم من الوجود واصبحت اثرا بعد عين بعد ان حكمت زهاء 300 سنة…..

* مقتبس من كتاب ثلاثية الحلم القرمطي لمحي الدين اللاذقاني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here