بوادر فرض الحصار الامريكي على العراق مرة اخرى

رياض سعد

لم تكتف الولايات المتحدة الامريكية بالجريمة النكراء والحصار الاقتصادي الغاشم على الشعب العراقي عام 1990 ؛ فقد كان سعر الصرف للدينار العراقي (10) دنانير للدولار الأمريكي الواحد عام 1991 ثم أرتفع الى (1459) دينار عام 2003 وبهذا بلغت نسبة تدهور العملة الوطنية (14500%) خلال الفترة 1991 – 2003 ؛ فبالنسبة للعراق تحول الدولار الأمريكي الى عملة التداول الحقيقية وفقدان الثقة بالدينار يوفر أحد التفسيرات للتراجع المستمر بقيمة الدينار اتجاه الدولار الأمريكي (1) وكان يباع في السوق السوداء ب 2000 بل وصل الى 3000 الف دينار للدولار الواحد ؛ وكيف لا تنهار العملة الوطنية و وزير ماليتنا علي علاوي يصرح قائلا : (( ان اغلب مدخرات العراقيين بالدولار لذلك لا داعي للقلق !!)) ؛ وكأنما تواصى القوم على تدمير العملة الوطنية واستبدالها بالدولار الامريكي ؛ ومما لاشك فيه ان الاوضاع سوف تزداد سوءا في ظل غياب الرؤية الاقتصادية الصحيحة وانعدام التخطيط والتخبط والارتجال في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية المهمة ؛ اذ لا زال العراق يعاني من التذبذب وعدم الاستقرار .

وها هي امريكا تعاود الكرة مرة اخرى وبالتعاون مع البريطانيين وعملاء الداخل ؛ فعلى الرغم من ثروات العراق الهائلة وتعدد موارده الطبيعية والبشرية ؛ و رغم تحقيق العراق لأعلى معدل احتياطي من الدولار خلال الأشهر الماضية إلا أن أزمة سعر صرف الدينار تتفاقم وتزداد حدتها مع التصريحات الحكومية التي تتعهد بحلول سريعة للأزمة , حيث تجاوز سعر صرف كل 100 دولار170 ألف دينار عراقي و قد يصل الى 200 ألف دينار في الايام القادمة ، ومنذ بداية الأزمة المتسارعة تتجه أصابع الاتهام إلى ايران وتركيا ودول الجوار والغرب والولايات المتحدة الأمريكية … ، حيث تحالف الكل على اراقة الدم العراقي ونهب خيراته وثرواته وتغييب وعي العراقيين ؛ كي يضيع دمه وديناره بين الامم والشعوب و الاحزاب و المافيات والقبائل … .

وكان من المفروض ان يطوي العراق صفحة انهيار العملة العراقية وارتفاع سعر صرف الدولار بعد سقوط النظام الصدامي واحتلال الامريكان للعراق عام 2003 ؛ واستبشر العراقيون خيرا وظنوا انهم سيأخذون فرصتهم الحقيقية في التقدم والتطور والازدهار ؛ و ان يعيشوا في بحبوحة ورفاهية كأهل الخليج ولاسيما بعد التعهدات والتصريحات الامريكية التي سبقت الاحتلال ورافقته ؛ ومنها توزيع عشرات المواد الغذائية الجيدة والمتنوعة في الحصة الغذائية … الخ ؛ والعجيب في اجراءات الامريكان انها مخالفة للعقل والمنطق والوجدان ؛ فقد ادعت الولايات المتحدة الامريكية انها تعمل على ايقاف تهريب العملة الصعبة من العراق وحماية اموال العراق من السرقة ؛ ولمنع عمليات غسيل الأموال والاستحواذ على ملايين الدولارات وتصريفها لمصالح ومنافع سياسية عبر العديد من المصارف المالية والتجارية التي ترتبط بعلاقات مباشرة وغير مباشرة مع إيران وتركيا وغيرهما ، وأن جميع عمليات التصريف والتهريب تذهب لمصلحة إيران وتركيا وبعض الدول الأخرى في المنطقة؛ من خلال المنصة الالكترونية الامريكية من قبل البنك الفدرالي ، بحيث أدت إلى جعل التحويلات الخارجية بقيمة 60 مليون دولار يوميا في حين كانت قبل أشهر بقيمة 250 مليون دولار، وأدت تلك الضوابط إلى ارتفاع سعر الدولار، وكانت نتائج الحلول الامريكية كارثية على الشعب العراقي : اذ هبطت القوة الشرائية للدينار وارتفعت نسبة التضخم , وتأثر جراء ذلك اغلب الموظفين وكل المتقاعدين , وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية والمواد الغذائية والسلع من قبل التجار ومنافذ البيع المختلفة، فأصبح فرق السعر وغلاء المواد حملا يثقل كاهل المواطن ذا الدخل البسيط , وزادت نسبة الفقر , وارتفعت معدلات الجريمة , وعم الركود الاقتصادي والكساد الاسواق العراقية … ؛ بالمختصر المفيد : حصار امريكا وحلولها سواء فكلاهما بلاء .

ومن الواضح ان الامريكان هم من وضعوا قواعد اللعبة السياسية الراهنة , ووزعوا الادوار بين العملاء والاصلاء , وبينوا حدود تدخل الدول في الشأن الداخلي , وقسموا ( الكعكعة العراقية) بين المرتزقة بالتساوي , وهم من فتحوا ابواب العراق امام الاجانب والغرباء والدخلاء والمافيات والشركات والعصابات على مختلف توجهاتها وجنسياتها ومشاربها … ؛ وعليه المسؤول الاول والاخير عما يجري في العراق هم الامريكان ؛ فلو ارادت الولايات المتحدة الامريكية ان تمنع الاخرين من التلاعب بالاقتصاد العراقي لاستطاعت ذلك وبكل يسر وسهولة ؛ وكذلك لو سمحت للشركات العالمية الرصينة والنزيهة والكفاءات العراقية الوطنية المخلصة بالعمل والانجاز والتنمية لتحول العراق من حال الى حال .

وبغض النظر عن حقيقة اسباب انهيار الدينار مقابل الدولار ؛ الا ان الحقيقة التي لا تقبل الجدال ان الدوافع السياسية والاقتصادية للقوى الخارجية والمنكوسة وراء ارتفاع سعر صرف الدولار : هي افشال العملية السياسية والتجربة الديمقراطية وعرقلة حكم الاغلبية والحاق الضرر والاذى بالأمة والاغلبية العراقية , وارجاع الشعب العراقي الى المربع الاول حيث القحط والعوز والجوع والبؤس والحرمان .

………………………………………………………………………..

الحرب وآثارها على تدهور الاقتصاد العراقي (الجريمة الاقتصادية الثانية) / د.توفيق المراياتي .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here