اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر عن القرآن الكريم من سورة الحجر (ح 106)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب الصلاة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: معنى بيت الله: الكعبة الشريفة هي المسجد الحرام وبيت الله الحرام. وسنحاول إعطاء المبررات الكافية لهذه النسبة إلى الله سبحانه، سواءٌ كان صفةً للكعبة المشرفة وحدها أو لكلِّ مسجد. فإنَّ السؤال قد يرد عن الوجه الصحيح لهذه النسبة، مع العلم اليقين وقيام البرهان الصحيح على أنَّ الله غنيٌّ عن العالمين، وأنه لا تحدُّه الأمكنة ولا تحويه الأزمنة ولا تأخذه نومٌ ولا سِنةٌ، وأنَّ كلَّ شيءٍ غيره فهو محتاجٌ إليه، وهو لا يحتاج إلى شيء. مضافاً إلى البرهان على أنَّ نسبة قدرته وسلطانه وعلمه إلى كلِّ الخلق هي نسبةٌ واحدة، فما هو الوجه في اختصاص المساجد في هذه النسبة؟ إلا أنَّ النسبة إلى الله سبحانه يمكن أن تكون على أحد وجوه منها التكريم والتعظيم، من قبيل نسبة الروح إليه سبحانه، قال الله تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي” (الحجر 29).

جاء في كتاب الصوم للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: في معنى شهر الله: يقتضي الحديث عن الصيام الحديث عن شهر رمضان، الذي هو شهر الصيام في الإسلام. فإنَّ الصيام وإن كان ممكناً بل مستحباً سائر أيام السنة عدا يومي عيد الفطر وعيد الأضحى إلا أنَّ اختصاص شهر رمضان بالصيام ووجوبه فيه، يجعل بينهما خصوصيةً لا توجد خارج هذا الشهر المبارك. وإذا تحدثنا عن شهر رمضان، وجدنا أوضح مزيةٍ له، هو كونه شهر الله سبحانه. فما معنى هذه النسبة إلى الله عزَّ وجلّ؟ لا شكَّ أنَّ المخلوقات عموماً تختلف بالأهمية تجاه الخالق سبحانه بمقدار ما اقتضت الحكمة من ذلك. والله سبحانه غنيٌّ عن العالمين لا ينفعه قرب القريب ولا يضرُّه بعد البعيد. غير أنَّ ذلك كله في مصلحة المخلوقين ينال كلُّ واحدٍ منها بمقدار استحقاقه. وقد يكتسب في هذا الصدد المخلوق درجةً عاليةً من الأهمية والرفعة والقرب المعنويِّ إلى الله عزَّ وجلّ، بحيث يكون منسوباً إليه ومضافاً إلى اسمه الكريم. ولذلك أمثلةٌ عديدةٌ، نطقت بكثيرٍ منها الآيات الكريمة, كقوله تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي” (الحجر 29). فقد نسب في القرآن الكريم العديد من الأشياء إلى الله عزَّ وجلّ ونسب بعضها في السنة الشريفة. ومن أمثلتها ما هو مشهورٌ بين الناس من ألقاب الأنبياء الستة الرئيسيين. فآدم صفوة الله، ونوحٌ نبيُّ الله، وإبراهيم خليل الله، وموسى كليم الله، وعيسى روح الله، ومحمدٌ حبيب الله. ويمكن أن يستفاد بعض هذا من القرآن الكريم أيضاً، كما لا يخفى على القارئ اللبيب. فكذلك الحال في شهر رمضان المبارك الذي هو شهر الله لأنه ذو مزيةٍ عاليةٍ جداً في الإسلام، بحيث نسب بهذه النسبة الشريفة المباركة.

جاء في كتاب فقه الاخلاق للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: التفكر في الخلق: هو من الأمور التي حثَّ عليها القرآن الكريم كثيراً، وهو فقهياً من المستحبات المؤكدة، التي لها آثارٌ وضعيةٌ جليلةٌ ومحمودة، وحيث لم يعزل له الفقهاء مكاناً في فقههم، ناسب ذكره في مقدمة العبادات. وقد حثَّ عليه القرآن الكريم بأساليبَ مختلفةٍ عديدةٍ، نذكر منها: شجب الأعراض وهو عدم الإلتفات إلى الآيات الكونية والتهاون في أمرها، كقوله تعالى في سورة الحجر 81 . وقد ورد لفظ “مُعْرِضُونَ” و “مُعْرِضِينَ” تسع عشرة مرةً في القرآن الكريم.

جاء في كتاب فقه الاخلاق للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: مستويات التفكر: ثم إنَّ التفكير في الخلق يمكن أن يكون على عدَّة مستويات، وهي تختلف باختلاف مستوى المفكِّر من حيث الثقافة والعقلية والإيمان. المستوى الأول: النظر إلى المستوى الظاهر من التدبير الكوني، وهو بدوره عجيبٌ ومهيبٌ، وهو الذي يستفاد من ظاهر القرآن الكريم عند شرحه للآيات الكونية. المستوى الثاني: النظر الدقيق في العلاقات بين الأشياء، كالعلاقة بين الشمس والأرض، أو القمر والأرض، أو القمر والمدِّ والجزر، أو بين الشمس والنبات، أو بين السحاب والمطر، أو بين الجهاز الهضميِّ والدم أو التنفس والدم، أو بين الثمرة والشجرة، وغيرها. وهي علاقاتٌ مدهشةٌ لا حاجة إلى الدخول في تفاصيلها، وخاصةً بعد ما وجدت مصادر كثيرةٌ شارحةٌ لذلك بكلِّ تفصيل. المستوى الثالث: النظر أدقُّ من ذلك، في التفاصيل الفيزياوية والكمياوية والكهرومغناطيسية للأشياء، سواءٌ الصغيرة منها كالذرة ونواتها، أم الكبيرة منها كالهواء والبحار، أم الأوسع منها كالفضاء الكوني، وما يسعه من مجراتٍ ومجاميعَ مدهشةٍ لم يعلم البشر منها إلا قليلاً. المستوى الرابع: النظر إلى الأمور التي يتعذر تفسيرها بالعلم التجريبي المادي. وهي أمورٌ كثيرةٌ يعرفها الاختصاصيون وهي منتشرةٌ في كثيرٍ من العلوم، كالفيزياء والكيمياء وعلم النفس والباراسايكولوجي وعلم الحيوان وعلم طبقات الأرض وعلم الفلك وغيرها. المستوى الخامس: النظر أو التفكير في الهدف الذي يستهدفه الكون من حركته. إما بعنوان كيف وإما بعنوان لماذا. فكيف ولماذا تسير الأرض والشمس وكلُّ النجوم في مداراتها. وكيف ولماذا تسير جزيئات الذرة كالألكترونات والبروتونات وغيرها في مساراتها. وكيف ولماذا وجد العقل ووجدت الذاكرة. وكيف ولماذا وجد الإنسان وسائر الحيوان. وكيف ولماذا كانت خلقة الإنسان على هذا التكوين اللطيف. إلى غير ذلك من الأسئلة. فهل هناك سببٌ أم لا. وما هو ذلك السبب، وهل هناك هدفٌ أم لا. وما هو ذلك الهدف. وقد استهوى الفلاسفة والعارفين أمثال هذه الأهداف، وفكروا فيها طويلاً، وإن غفل عنها سائر الناس. واستمراراً لشرح وتعداد الأهداف من التفكير، يحسن بنا أن نشير إلى أمرٍ يكون كالمقدمة للتعريف. وهو: أنَّ الفلاسفة والعارفين ذكروا أنَّ مراتب الخلق أو الكون على أربعة أقسام: المرتبة الأولى: عالم الطبيعة أو الناسوت، وهو عالم الأجسام وهو عالمنا الذي نعيشه. المرتبة الثانية: عالم الملكوت، وهو عالم النفوس. المرتبة الثالثة: عالم الجبروت، وهو عالم العقول. المرتبة الرابعة: عالم اللاهوت، وهو عالم الروح. وقالوا: إنَّ الإنسان مكونٌ من كلِّ هذه المراتب الأربعة، لأنَّ له جسماً ونفساً وعقلاً وروحاً، وكلٌّ منها ينتمي إلى أحد هذه العوالم أو المراتب. بل إنَّ القرآن الكريم دالٌّ على أنَّ كلَّ شيءٍ على هذا الغرار، فلكلِّ شيءٍ حقيقةً و حقاً وهو إشارةٌ إلى عالم اللاهوت كقوله تعالى: “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ” (الحجر 85)، وغيرها كثير. إذن، فالتفكير كما يمكن أن يعمل عمله في العالم المنظور الطبيعي، وهو المستويات الخمسة السابقة التي ذكرناها، يمكن أيضاً أن يعمل عمله في العوالم الثلاثة التي فوقه، فتكون المستويات ثمانية. المستوى السادس: التفكُّر في عالم الملكوت. المستوى السابع: التفكُّر في عالم الجبروت. المستوى الثامن: التفكُّر في عالم اللاهوت. إلا أنَّ هذا عادةً لا يكون متيسراً إلا مع حسن التوفيق ونفاذ البصيرة. بل يمكن القول: بأنَّ المستويات الخمسة السابقة كما تنطبق على عالم الطبيعة، تنطبق على العوالم الأخرى أيضاً، فحيث أنَّ المستويات خمسةٌ والعوالم أربعةٌ تكون مستويات التفكير عشرين مستوى. وسبحان الله وما أنا من المشركين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here