اغتيال الديمقراطية

بقلم ( كامل سلمان )

البعض يدعي بأن الديمقراطية فشلت عندنا في التطبيق ولا ادري كيف يزعمون الفشل وهي ( اي الديمقراطية ) لم ترى النور ولم تطبق أصلاً ، كلما حاولت الديمقراطية ان تتنفس الصعداء وتجد لها مكانة في حياة المجتمعات البائسة في بقعة من بقاع دول الشرق الاوسط تتسارع اشباح الشر المعشعشة في رؤوس سادات وشيوخ ووجهاء ووعاظ هذه المنطقة لوأد هذا القادم الجديد الذي صنعته عقول الكفار والاسراع في طمره مع النفايات لئلا يستفحل وتخرج الامور عن السيطرة ، والجميل في الامر ان قوى الشر التي تعودت العيش على مجهودات الآخرين طوال عمرها ولم تتذوق اياديها طعم العمل في هذه البقعة من العالم تتصارع فيما بينها منذ مئات السنين بشكل دموي مستخدمة كافة انواع الاسلحة الدينية والقومية والمذهبية والعنصرية في حروب بلا هوادة وبلا رحمة يتوارثونها من جيل الى جيل ، ومع وجود كل هذه الكراهية الشديدة التي سكنت قلوبهم والتي جعلتهم ينفرون بعضهم من بعض ، في لحظة وأخرى كل شيء يتغيير ، يصبحون اخواناً في الدين وفي الخلقة يتعاونون و يتآخون و يتعاضدون ويضحي احدهم نفسه للأخر ويصبحون يداً واحدة لمواجهة من يحاول ان يدخل الديمقراطية لهذه المجتمعات او بالخطأ ينادى بالديمقراطية ، اي ان الكراهية والاضغان التي بداخلهم تخرج لتتحول ضد دعاة الديمقراطية المرعبة ، ببساطة الديمقراطية يعني زوال عروشهم يعني زوال نعمهم ، يعني تحرير عقول الناس من خرافاتهم ، يعني انقلاب حياتهم وتأريخهم رأس على عقب ، وهنا اقصد قوى العشائر وقوى الدين وقوى المال والجاه والدجل ، هؤلاء قضوا مئات السنين لجعل المجتمع قسمين قسم السادة وقسم العبيد ، السادة يتحكمون في كل شيء وهم يمثلون نسبة ضئيلة جداً من سكان مناطق الشرق الاوسط والعبيد هم الغالبية العظمى ، و مازالت المجتمعات البشرية تجهل ان افضع انواع العبودية و اقذرها هي العبودية التي تمت صناعتها في اراضينا المقدسة على يد امهر المجرمين الذين عرفهم التأريخ ، فأية إنسانية واية ديمقراطية ستحيى في ربوع هذه الارض الميتة ؟، يفعلون ذلك دون مخافة الله الذي به يصرخون ، يفعلونها امام العالم وامام التأريخ ولا يقف امامهم عائق او رادع ، ولديهم من العبيد جيوش جرارة .ولديهم من العبيد اقلام شرسة واعلاميين وعلماء ووعاظ وشعراء وادباء يوجهونهم كيفما ارادوا . يفعلون ذلك و يمرغون انف الديمقراطية ومن يسعى للديمقراطية بالوحل وبكل وقاحة ولهم القدرة ان يدخلون اليأس في نفوس دعاة الديمقراطية حتى عند من صنع الديمقراطية .
ان نجاح الديمقراطية في هذه البقعة المباركة ضرب من الخيال ، دساتير جميع دول الشرق الاوسط تطعن بالديمقراطية بشكل صريح وواضح رغم ان الدستور عندهم لا يتعدى كونه تحفة اعلامية عند الضرورة وقراطيس لا تمسها الايادي الا اياديهم الطاهرة ، ، مفهوم الديمقراطية عند هؤلاء القوم يعني توقف انهار الدم التي تسقي عروشهم يعني قطع الاعناق و قطع الارزاق . المشكلة عند جميع دول الشرق الاوسط انه بالامكان تطبيق اي نظام حكم غير الديمقراطي سواء أكان نظام حكم عشائري ، او نظام حكم سلطنة ، او عسكري ، او ديني وينعتونه نظام حكم ديمقراطي نموذجي ، ومع ذلك فأن النجاح سيكون حليف ذلك الحكم بلا ادنى شك الا العراق فأنه لا يتقبل وضعه نجاح اي نظام حكم ومصيره سيكون الفشل ، فقط بالديمقراطية يمكن ان ينجح نظام الحكم في العراق ، وللأسف الشديد فأن تطبيق الديمقراطية بالعراق يعني قيام الساعة يعني فتح ابواب جهنم على الشعب العراقي وعلى دول المنطقة لذلك سيبقى هذا البلد محرقة مستعرة كدليل على فشل اي نظام حكم تم تطبيقه سابقاً ولاحقاً . . قد يخرج ألينا من يقول هذا الكلام تشاؤمي فنحن حالنا حال الامم ننجح كما نجحوا في تطبيق الديمقراطية ، سأقول من المخجل ان نخدع انفسنا ، انظروا الى انهار الدم في كل بقعة من هذا البلد لم تتوقف ، واذا توقفت للحظة ستتقاتل العشائر فيما بينها وستنتفض الطبيعة بكوارثها لأنها هي الاخرى لا تتحمل توقف انهار الدم وسيحل الجدب والجوع في ارض الرافدين ، فالطبيعي هو ان تستمر انهار الدم ومن غير الطبيعي توقفها ، تماماً عكس كل شيء طبيعي في هذه الدنيا .
طيب هل اصبح لزاماً على دعاة واحباب الديمقراطية التنحي والركون جانباً على اعتبار انه لا أمل يرجى من وراء اي جهد يهدف الى انعاش الديمقراطية ؟ ليس هذا هو الحل ، ليس الحل ان نجعل اعداء الديمقراطية يرفلون بالعز و يتنعمون بالمكاسب التي حققوها على حساب قتل الديمقراطية . لو بقي صوت واحد يصدح من اجل الديمقراطية فهي بارقة امل ، نعم نحن لا نختلف عن باقي الامم ولكننا في واد غير واديهم ، نحن بحاجة الى مرحلة تسبق مرحلة المطالبة بالديمقراطية وهذه المرحلة هي مرحلة تغيير المفاهيم عند الناس مرحلة تغيير ما هو موجود في عقول الناس ، وهذه مهمة لا يستطيع القيام بها الا من هو ملاك بشري ، يقوم بها من يستطيع ان ينذر نفسه لأجل الخير ولأجل الحب ، حب الناس وحب الاوطان وحب المستقبل . وهي مهمة شبه مستحيلة نظراً لتواجد قوى الشر في كل زاوية من زوايا المجتمع .
الديمقراطية يحيها وينعشها الإنسان ، ولكن من الذي يحي الإنسان اذا مات ؟ هذه هي مشكلتنا علينا ان نحيي الإنسان اولاً وعندما نحيي الإنسان نكون قد أحيينا كل شيء ونكون قد اعطينا للحياة طعمها وقيمتها ، ومن ثم تصبح الديمقراطية وغير الديمقراطية تحصيل حاصل . لذلك لا أمل بالديمقراطية امام الوضع الحالي لأن الإنسان هو الميت ، لقد قتلوا الإنسان وانتزعوا منه روح الحياة ، لذلك ماترونه من عبودية وضياع انما بالحقيقة هي ليست عبودية بل عبارة عن اموات تتحرك اجسادها امام الأعين ، هؤلاء ليسوا عبيد ولا قطيع ولا خونة ولا ذيول بل هؤلاء اموات تحركها الانامل التي قتلتهم وتقوم وتقعد بأمرهم . اموات وينجبون امواتاً لكي تستمر الحياة لمن قتلهم ، مجتمعنا اليوم احوج ما يكون الى غاندي جديد او نيلسون مانديلا جديد او فولتير جديد ليعيد الحياة لهؤلاء الاموات ثم ليعرفوا ما فعل بهم ساداتهم وكبرائهم ولكن مجتمعنا لم يتعود انجاب مثل هؤلاء العظام ، فهل سنكون محظوظين ولو لمرة واحدة ان نحظى بواحد من هؤلاء لكي يمسح عنا عار الماضي كله فعندها سنزحف للبحث عن الديمقراطية لنعيد لها وللناس الحياة .
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here