وزارة الداخلية.. ملاحظات بشأن حملة مواجهة ( المحتوى الهابط )

حامد شهاب

لم يكن هدف وزارة الداخلية ، في مواجهة مضامين (المحتوى الهابط) التي سعت الى الحد من بعض المضامين الهدامة وغير اللائقة مجتمعيا في (السوشيال ميديا) ، أن يكون هدفها الإعلاميين والكتاب والصحفيين وقادة الرأي !!
والمبرر الواقعي الذي يمكن أن نعرضه في هذا الصدد ، أن وزارة الداخلية ، ووزيرها على وجه الخصوص السيد عبد الامير الشمري ، ومدير العلاقات والإعلام فيها اللواء الدكتور سعد معن ، وجهات أخرى في الوزارة، قد نفوا وجود دوافع إستهداف لتلك الشرائح المثقفة، وهم أيضا ، أي كبار مسؤولي وزارة الداخلية ، لديهم علاقات واسعة مع تلك الأوساط الصحفية والثقافية والفنية ومع كبار نخبها المثقفة عموما ، وهم يدركون مقدما أن مضامين هذه النخب الاعلامية والأدبية والفنية راقية ومسؤولة ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن (تنحدر) كتاباتهم وأعمالهم الفنية أو الصحفية أو مايصرحون به عبر وسائل الإعلام ، أو أن تدخل في مضامين (المحتوى الهابط) ، لاسمح الله، كونهم نخب وقادة رأي ولهم إسهامات فاعلة في بناء قيم المجتمع ورفع شأنه، لا الحط منه، بأي حال من الأحوال!!
وقد وجدت بعض الفضائيات وبرامجها الحوارية وبعض المنصات ومواقع السوشيال ميديا ، في حملة وزارة الداخلية لمواجهة مضامين (المحتوى الهابط) ، وجدت فيها ضالتها في (الإثارة الصحفية) وعدت حملة من هذا النوع أنها تدخل في ميادين (التضييق على حرية الرأي والتعبير) ، بالرغم من أن حرية الرأي والتعبير مكفولة ، ولن يكون بمقدور كائن من يكون إستهدافها أو التضييق عليها، لأنها تدخل في صلب مواد الدستور، ولا يمكن لأية جهة سلب حرية التعبير ، في مجتمع ونظام سياسي قائم بالأساس على مبدأ الديمقراطية، وتعد فيه حرية الرأي والمعتقد (مكفولة) ، إلا اذا جرى إخلال بتلك الحرية، وتم إستخدامها لغير الأغراض المناطة بها!!
قد تكون تلك الحملة خلقت حالة طبيعية من التخوف في الأوساط الصحفية والكتاب والفنانين من أن تلك الحملة قد تستهدف توجهاتهم ، وما يودون التعبير عنه من وجهات نظر في الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة والسوشيال ميديا، لكنهم لم يلحظوا حتى الآن أن مجالات حرية الرأي والتعبير قد جرى إستهدفها ، ربما إلا في بعض من خرجوا على التقاليد والأعراف والذوق المجتمعي، وهم على عدد أصابع اليدين ربما ، وهم بأنفسهم من عرضوا سمعتهم للمخاطر، لأن هناك بعض القيم الإجتماعية تتعارض مع تلك التوجهات، أو تسبب نفورا من كثيرين، ممن يعدونها خروجا عن المألوف، وعما يتعارض مع التعايش المجتمعي من مفاهيم وقيم، ينبغي أن تحترم في كل الأحوال، وهم قد قدموا إعتذارا، وإختفت معالم مضامينهم غير المرغوبة مجتمعيا، من الواجهة، وأدت تلك المهمة واجبها، لكنه لاينبغي لها التوسع فيها مستقبلا!!
والملاحظ في أغلب الحملات الإعلامية التي شنتها فضائيات ضمن برامجها الحوارية أنها قد تكون خرجت كثيرا عن سياقاتها، بعد أن وجد فيها بعض مقدمي الحوارات فرصتهم لإغناء برامجهم بمواد ( إثارة ) و( ترغيب ) جديدة، بعد إن توصلت الى أن حملات (الإثارات السياسية) قد سئم منها الجمهور، لكثرة تكرارات مضامينها، برغم أهميتها، وبرغم أن كثيرا منها محقة في توجهاتها آزاء سلوكيات كثير من السياسيين، لكن أن تتوجه الحملة الى إثارة الإعلاميين والكتاب وتخويفهم، بهذه الطريقة، فقد يكون أمرا تعدى ربما كثيرا من الحدود ، وبخاصة أن حرية الرأي والتعبير لم تمس حتى الآن، بالرغم من كل الممارسات التي يطلق عليها بـ (الدكتاتورية) من قبل كتاب وصحفيين، هم يحرصون على أن تبقى مهمتهم فضح أية توجهات دكتاتورية أو تضيق على حرياتهم، وهم أمر مقبول، ولن يرضى أي صحفي او كاتب أو فنان، أن يتم التضييق على حريته أو مواجهته بعقوبات لايستحقها ، بأي حال من ألاحوال، وهو (قلق) أو (تخوف مشروع)، ربما ، إن بقي في إطار النقد المقبول، في تلك الفضائيات والمواقع الاخبارية وحتى السوشيال ميديا!!
وهذا المقال لايدخل في إطار الدفاع عن وزارة الداخلية ، ولا عن حملتها لما تسميه بـ مواجهة (المحتوى الهابط) ، ونتمنى التخفيف من حملاتها ، وفي طبيعة العقوبات التي فرضت على البعض ، ولكنه تأكيد لكل النخب الصحفية والثقافية والفنية، أنكم تبقون سارية علم العراق ورفعة رأسه، وما أن تروا من أية جهة تضييقا على حرياتكم وحرية الرأي والتعبير ، فمن حقكم أن توقفوا تلك المحاولات، وتوجهوا لها انتقاداتكم ، وتطالبوا الجهات القضائية بإيقافها، لكن أن تكون مواجهة بعض المضامين الهابطة ، والمخالفة لأعراف المجتمع وتقاليده، فهي تدخل في مهام وزارة الداخلية والجهات التي يهمها المحافظة على التعايش السلمي والمجتمعي ، ولن تمس حريتكم ولا حقكم في التعبير، بأي حال من الأحوال!!
ولو تم إناطة تلك المهمة (مواجهة المحتوى الهابط) ، بـ (لجنة عليا) من (وزارة الداخلية وجهات ونخب صحفية ونقابة الصحفيين العراقيين، وحتى من أعضاء في الاتحاد العام للكتاب والأدباء ونقابة الفنانيين وهيئة الإعلام والاتصالات) لكانت وزارة الداخلية قد نأت بنفسها عن تلك الحملة ، ولتخلصت من كثير من حملات النقد والتجريح التي تعرضت لها مؤخرا.. وهو أمر ينبغي الإنتباه له، لكي لاتكون وزارة الداخلية هي المستهدفة لوحدها، ولكي تتخلص من التبعات الدستورية والقانونية ، ويكون مهمتها حفظ الأمن الداخلي، من مهامها الأساسية..والله من وراء القصد!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here