تجليات مارتيريانوس و ابتسامة معلمه ديونيسوس عند محاذاة بلدة غريبة !..

تجليات مارتيريانوس و ابتسامة معلمه ديونيسوس عند محاذاة بلدة غريبة * !..

بقلم مهدي قاسم

يقول مارتيريانوس في إحدى مذاكرته التي وجدتها ابنته الكهلة في صندوق عتيق أرادت التخلص منه رميا إلى مكب النفايات فيقول مارتيريانوس متذكرا أيام كان شابا يافعا و حديث العهد بالحياة :
ـــ أثناء تجوالنا في قلب العالم و بين أطرافه برفقة معلمي المجيد العظيم دينوسوس الإغريقي ، أصبحنا عند محاذاة بلدة سمعت عنها إن أهلها اشتهروا بفطاحل رواة و صنّاع كلام جميل و بقوة حكم بليغة ، إلا أن ما لفت نظري هو : هذه المظاهر البارزة والصارخة للفقر والإملاق ومعالم الحرمان والبؤس السافر ، و قد نالت منهم مبلغا كبيرا .. فأبديت استغرابي ودهشتي من أنه كيف لقوم بينهم هذا العدد الكبير من قوالي الكلام الجميل و مطلقي الحكم البليغة ، بينما هم يعانون عوزا فادحا و فقرا مدقعا ؟..
عندها ابتسم معلمي دينوسوس الإغريقي بلطف كأنما تفهما أو تسامحا لحسن ظني الساذج ، ليعقب وهو يرد على كلامي بنبرة متأنية وخافتة :

ــ أنا أيضا تأثرت بجميل كلامهم لفترة قصيرة حينما كنتُ قليل خبرة ، بينما معارفي شحيحة آنذاك ، لكنني فيما بعد وبحكم خبرتي في معترك الحياة و معاشرة مجموعات بشر و أقوام غرباء كُثر ، وجدت إن هؤلاء قوم وحدهم بالذات يتميزون بكونهم اتكاليين وذرائعيين جدا ، تستهويهم ــ لحد الشغف و إدمان ــ أصناف و شتى من حجج وأعذار واهية لتبرير وضعهم وحالهم وخيبتهم ، وفشلهم على كل صعيد و ناحية ،..
فهم يبررون كل شيء أما بذريعة وجود عدو مترصد ضدهم ..
أو بحكم هيمنة عليهم إرادة عمياء ومصائر قدرية نحسة تستهدفهم دون غيرهم بدافع انتقام رباني على ذنب لم يقترفوه ، بالأحرى ثمة ذنبا اقترفوه مجبرين مكرهين إرضاء لتلك العقائد ..
كل ذلك ………………………….
حتى لا يحركوا اصبعا واحدا .. ولا أن يتحملوا مسؤولية أوضاعهم ..
من هنا يبدو أمرهم ميؤوس منه تماما ..
لذا فلا يمكن التعويل عليهم بشكل جدي على صعيد قيام بأية تغييرات كبرى نحو أفضل و أجمل في حياتهم .. ..
و لا سيما إنهم يعتقدون أن كثرة الكلام الجميل تعوّض عن كثرة الأفعال الحسنة والمفيدة المثمرة ا ..
فضلا عن أنهم في حقيقة الأمر يحتقرون العمل و يفضّلون التكاسل والاسترخاء و تمضية الوقت بين فترات نعاس وتثاؤب و أكل بنهم ، ثم العودة إلى جعجعة كلام كثير ، وقضاء باقي الوقت تقسيطا بطيئا بين نوم و تكاسل ونعاس وتقمص دور حكيم بليغ أو خطيب بارع مفوه من جديد ….
و يبدو أنه سوف لن تجد في العالم أجمع قوما يخدع نفسه بأوهام باطلة مثلهم .. والمثير أنهم يدركون هذا جيدا ولكنهم يتظاهرون بأن هذا هو الشيء الصحيح بالتمام و الكمال ..
وهكذا يجري الأمر بينهم ومعهم من جيل إلى جيل الذي ينمو ويترعرع ، مثل جيله السابق : إذ إن بكتريا التكاسل والاتكالية و الأوهام الباطلة سرعان ما تنتقل إليه من خلال البيئة الكالحة والسقيمة التي يترعرع فيها و ينمو ..
فالعقائد التي يؤمنون بها لا تجعلهم يتغيرون كثيرا ، حتى إذا تَغّير واحد منهم قليلا وبات ” متنورا ” ، فسوف تراه يرتد ، عاجلا أو آجلا ، ليعود متعصبا متطرفا متشددا ، مثلما كان سابقا ..
مع الأسف هنا تتوقف أبنة مارتيريانوس عن مواصلة قراءة باقي المذكرات ، بعدما أججت فضولنا ورغبتنا في معرفة باقية المذكرات ، دون أن نعلم هل إنها قد رمت بالمذكرات سوية مع الصندوق العتيق ، أم احتفظت بها لنفسها تقديرا لذكرى والدها ..

* ملحوظة هذا النص من نسيج خيالي أنا ، و كذلك أسماء الأشخاص فيها ، طبعا ، بدون إسقاط مباشر أو محدد ، على فرد ، أو مجموعات بشرية معينة ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here