(اسبوع القبانجي)، ذكرى مرور ثلث قرن هلى رحيله ! ح5 (الأخيرة)

(اسبوع القبانجي)، ذكرى مرور ثلث قرن هلى رحيله !

انشر مذكراتي في خمسة حلقات بين يوم وآخر.

د. رضا العطار ح5 (الأخيرة)

رحل الفنان الكبير محمد القبانجي الى بارئه عام 1989، بعد ان عاش 88 عاما. كانت حياته زاخرة بالعطاء والكرم ، كان رحمه الله بلبل العراق الصداع طيلة سبعة عقود من عمره المديد، نشر سماء عرقنا عبر حفلاته الغنائية، بهاء البهجة والسرورا، كما جعل قلوب العراقيين تطفح بمشاعر الغبطة والفرح. كان القبانجي استاذ قراء المقام، يلقب بعميد المقام العراقي.

كان القبانجي مرح الطبع سريع البديهة فياض العاطفة محب للنكتة الهادفة، كانت شخصيته تتصف بروح البساطة دون تكلف، تجعل الاخرين يشعرون انهم ليسوا بعيدين عنه.

كان القبأنجي في حفلاته الغنائية مطربا طروبا، وقد تجلت مقدرته الفنية الفائقة في الحفلة التي اقيمت في بغداد في التسعينيات بمناسبة زيارة احمد رامي للعراق، وكيف ان الاخير قد رمى بمعطفه في الهواء منتشيا !

لقد خلد القبنجي نفسه في دنيا الفن، دخلها من اوسع الابواب، متوجا بفن فريد،

حقا ان القبانجي كان للعراق زينة للوطن.

القبانجي يقر بالصلة التارخية بين موسيقانا وموسيقى الغرب!

بعد الانتهاء من دراستي في المانبا ونيل شهادة الاختصاص في طبابة العيون و شهادة فوق التخصص في جراحة ترقيع القرنية عام 1964. عدت الى العراق، وعيت في مستشفى الرمد ببغداد طبيبا اخصائيا في طب وجراحة العيون، اعمل فيها في النهارا وفي عيادتي الخاصة في المساء، كان الفنان العراقي المعروف محمد القبانجي أحد مراجعيي العيادة – وبمرور زياراته المتكررة وحلو حديثه، نشأت بيننا صداقة حميمة، فكنت ادعوه احيانا الى داري في الجادرية لاقامة حفلة غنائية، ادعو اليها بعض الاحبة.

وفي احدى الامسيات، فاتحت القبانجي بموضوع ثقافي موسيقي، باديا اهتمامي الوثيق بموسيقى الكلاسيك، وقلت : اشك بان لموسيقانا الشرقية صلة بالموسيقى الغربية، فما رأي حضرتك ؟

نظر اليً ضيفي الكريم مستفهما، مؤكدا عدم معرفته بهذا الضرب من الفن، ورغم ذلك قلت له : ألا تظن جنابك بان الوشائح التاريخية في شعاب الامم في محاكاتها الحضارية قد اوصلت موسيقانا (سومرية الاصل) الى الغرب ؟ لكن الاستاذ التزم الصمت. غير اني طلبت بألحاح لو تفضل واستمع الى مقطوعة موسيقية غربية، كي استعلم مدى تحسسه بأنغامها، كان اسم المقطوعة (براندنبرغ)، وعنوانها (ابتهال) وهي موسيقى كنائسية لمؤلفها الموسيقار الالماني الشهير باخ، ولم اخبره بعنوانها عن قصد ـ ـ فاصغى المرحوم اليها برهافة السمع برهة من الزمن، ثم رفع رأسه ونظر اليً منفعلا وقال : دكتور هاي تضرع و ابتهال ! ! وفعلا كانت عبارة Supplication مطبوعة على صفحة الاسطوانة.

هنئت نفسي والاستاذ على كشفه الفني الذي جاء عبر تحسسه بالانغام الغربية، فهذا دليل قاطع بوجود هذه العلاقة الروحية بين عالم الشرق مع عالم الغرب .

كنت مسرورا معظما قابلية الاستاذ الفنية الباهرة،

جاء في كتاب (الحرية والطوفان) للباحث جبرا ابراهيم جبرا العبارة التالية :

(ان الموسيقى الكنائسية التي كانت تعزف من قبل يوهان سبستيان باخ في المانيا ابان القرن الثامن عشر قد بنيت على قواعد، فيها شبه شديد بقواعد الموسيقى الشرقية، فالقاعدة الرئيسية في تركيبها هي التكرار والتردد والترادف الموسيقي، طبقا لما هو موجود في مقاماتنا العراقية، لقد كان هذا الكشف بالنسبة اليً مفرحا .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here