كوكب وجوهرة الصحافة العراقية د. محسن عبود كشكول

كوكب وجوهرة الصحافة العراقية د. محسن عبود كشكول
كاتب وصحفي أكاديمي

الكاتب الموهوب هو من ينسيك أنك تقرأ، إذ هو يضعك مباشرة في قلب الفعل الحيوي دون مقدمات، يحيلك إلي طرف أصيل في الفعل الفني الذي يبدأ تحلقه بمجرد وقوع بصرك على السطر الأول.

بقلم: نيرة النعيمي

بروفيسور جامعي متخصص بعلم الدعاية الانتخابية وقد أنجز رسالة الماجستير في الصحافة بعنوان الدعوة الى الوحدة العربية في الصحافة العراقية في عام 1994، ونال شهادة الدكتوراه عن أساليب الاقناع في الحملات الانتخابية في الصحافة العراقية خلال الانتخابات لعام ٢٠١٠ بتقدير امتياز، عام ٢٠١٢م وهو باحث في مجال الدعاية والاعلام الدولي ومدرب دولي (TOT) في منهجية البحث العلمي، والتنمية البشرية، وخبير معتمد في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في معادلة الشهادات الجامعية العليا، وعضو في لجنة صلاحية التدريس الاكاديمي في الجامعة العراقية، وعضو في لجنة تحديث مناهج الاعلام ، ورئيس تحرير مجلة دراسات وبحوث اعلامية (مسار) ومشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في العراق ولبنان ومصر والاردن …

الكاتب الموهوب هو من ينسيك أنك تقرأ، إذ هو يضعك مباشرة في قلب الفعل الحيوي دون مقدمات، يحيلك إلي طرف أصيل في الفعل الفني الذي يبدأ تحلقه بمجرد وقوع بصرك على السطر الأول.

لم أجد توصيفا أكثر دقة لدور التعليم من حديث الدكتور “مهدي المنجرة” عن التعليم والحضارة حين يقول: (إذا أردتَ أنْ تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي: هدم الأسرة، وهدم التعليم واسقاط القدوات والمرجعيات… ولكي تهدم الأسرة، عليك بتغييب دور الأم واجعلها تخجل من وصفها ربّة بيت، ولكي تهدم التعليم، عليك بالمعلم لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلّل من مكانته حتّى يحتقره طلاّبه، ولكي تسقط القدوات، عليك بالعلماء اطعن فيهم حتّى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد، فإذا اختفت الأم الواعية، واختفى المعلّم المخلص، وسقطت القدوة والمرجعية، فمن يربّي النشأ على القيم؟).

وفي سياق معالجة التعليم تحديداً لم يكن التساؤل طوباوي ولم يكن بعيدا عن الواقع، فالتحدي الذي يواجه الدول العربية يتمثل في تفشي الجهل وتراكمه في ظل تراجع فرص استيعاب الوظائف الحكومية للطلبة المتخرجين في الكليات والمعاهد، بل وتراجعت الفرص أيضاً أمام حملة الشهادات العالية، الأمر الذي جعل من فرص الاستمرار في التعليم ضرباً من الترف والكمالية، وقد ترتب على ذلك أن يدفع البلد الثمن غالياً من أمنه واستقراره وسلامة شعبه، وبهذا يكون بناء التعليم والنهوض به وتأهيل الموارد البشرية مسألة أمن قومي، وحاجة ماسة على درجة من الأهمية القصوى، لاسيما في ظل تواتر الأزمات المريرة التي تحيط ببلادنا، وعلى رأسها الارهاب الأعمى، فلم يعد هناك مجال للتفكير في أي نوع من الاصلاح وحل للأزمات دون إصلاح التعليم أولاً، فقد بات من المهم والحتمي على أهل الاختصاص التصدي لتراجع الاهتمام بالتعليم، والانطلاق بوضع مخططات عاجلة لإصلاح شامل لمنظومة التعليم ومتطلباتها، والتي تبدأ من الجانب التشريعي لتبني قانون التعليم الإلزامي، ومنح الاغراءات لضمان مواصلة الدراسة، وإعادة النظر في التخصيصات المالية لقطاع التربية والتعليم في الميزانية العامة، ومنح التعليم أسبقية على الأمن والدفاع في الانفاق العام، والانطلاق في ثورة عمرانية للبنى التحتية الخاصة بالمدارس والجامعات، والعمل على توفير بيئة جذب مادية ومعنوية لاستقطاب الكفاءات المهاجرة، والعمل على توفير الحماية الكافية والرعاية الصحية لهم، كما يتطلب الأمر أيضا العمل على إعادة تأهيل الكوادر التعليمية ورفدها بخبرات تتعلق بطرائق التدريس وأساسيات علم النفس وعلم الاجتماع. وثمة قضية أخرى مهمة في مجال إصلاح التعليم) وهي وقف التدخل السياسي في قوانين التعليم، والتي شهدها القطاع بعد عام 2003، والتي تستدعي تدخل السلطة التشريعية لإصدار قوانين تمنع تدخل الاحزاب والقوى السياسية في نظام التعليم، وتمنع توظيف تلك التدخلات في الدعايات الانتخابية، وتكليف وزراء مهنيين للتربية والتعليم، فضلاً عن إعادة النظر في جميع التوجيهات التي أساءت لمعايير الجودة في التعليم، ولاسيما موضوع الدرجات المضافة للمكملين، والدور الثالث (التكميلي)، والعمل على احترام مهنية التعليم بعده من أهم مقومات “الامن الوطني” وهو جسر تمر عليه كل مشاريع التنمية والتطوير للمجتمع، وحجر أساس يرتكز عليه بناء المؤسسات في جميع ميادين الحياة. لابد أن يعي الجميع إن إشاعة التعليم تعني بناء بلد آمن ومستقر ومزدهر اقتصادياً، ذلك أن الجاهل يعد بمثابة عبوة ناسفة تتنقل في أروقة المجتمع، ومن السهل استرقاق الجهلة للعمل في الممنوعات وغير المشروع ولاسيما الأنشطة الإرهابية التي تقوض أمن المجتمع، وبهذا يكونوا أداة طيعة بيد الأعداء لهدم حضارة الأمة وزعزعت الاستقرار وإثارة الفوضى، فضلاً عما يقدمه الجهل من بيئة اجتماعية مناسبة لانتشار التطرف الديني، إذ إن الأمية والجهل وتراجع نسبة الاقبال على المدارس تشكل المنبع الرئيسي لحركات التطرف في الإسلام السياسي، إذ تقدم الأمية الحواضن الاجتماعية التي تمدها بالقدرة على الحياة وتداول خطاب الكراهية، ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك عوامل خارجية، عملت على استغلال الأمية وتوظيفها في الهدم والتقويض، إلا أن العوامل أو المؤامرات الخارجية لن تكون فاعلة أو مؤثرة لو كانت بيئتنا الوطنية تتمتع بدرجة عالية من الحصانة، ولا يمكن لها ان تملك زمام الحصانة بدون تعليم متقدم, وبدون ثورة تأتي على أصول الجهل وتأثيره في المجتمع العراقي، فهو بائن لا يحتاج الى بحث، وهو موجود في جميع الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية، ويشكل حضوراً في المحافل الرسمية، ويمكن تحسسه بمجرد أن تطأ القدم عتبة الوزارات العراقية أو أي دائرة أو مؤسسة، للأسف أصبح الجهلة يتصدرون النفوذ والسلطة بيد الجهلاء. وحتى لا نضيع بوصلة النجاة في ظل ما يفرضه الجهل من شعور باليأس والعزلة والتطرف، لابد من وضع الخطط والدراسات لمراجعة نظام التعليم والتوظيف، وإيجاد إجابات مهمة ينبغي أن نبحث فيها وعنها، تستدعي نوعا من العمق والدقة في سبر أغوار البواطن الخفية لتراجع التعليم في العراق والانحدار القاسي للنظام التعليمي، وذلك عن طريق المؤتمرات العلمية التي يشارك فيها الخبراء والمتخصصون.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here