ديالى مدينة الفصائل: مسلحان اثنان بالكيلومتر المربع الواحد ومسلح لكل 60 مدنياً

– قيادات أمنية تكذب على بغداد وتحول مجازر لخلافات اولاد عم على نساء!

– مقاتلون رموا البدلات العسكرية بعد التحرير ويشعلون أسعار العقارات

بغداد/ تميم الحسن

يتوزع أكثر من 60 فصيلا مسلحا على مساحة اقل من 18 ألف كم مربع، وهؤلاء يتصارعون على تهريب المخدرات والنفط والادوية والاستيلاء على الاراضي.

في ديالى شمال بغداد التي تمزقها الصراعات الداخلية منذ سنوات، لكل 60 فردا مدنيا هناك مسلحا واحد على الاقل تابع لتلك الجماعات.

بعض المسلحين خلعوا بدلاتهم العسكرية بعد انتهاء دورهم في تحرير المحافظة من تنظيم “داعش” الإرهابي قبل 8 سنوات، ليتحولوا بصورة مفاجئة الى مستثمرين بدول مجاورة.

وبسبب العقوبات الامريكية على حركة اموال بعض الفصائل انكفأ هؤلاء الى الداخل بدأوا بشراء العقارات حتى صارت اسعار البيوت في ديالى أغلى من منازل في لندن.

وليست العقارات لوحدها تسجل ارقاما قياسية في المحافظة، لكن ايضا اعداد الذين صدرت بحقهم اوامر اعتقال، حيث هناك نحو 20 ألف مذكرة معطلة في السنوات الـ 10 الاخيرة.

مسؤولان سابقان في ديالى تحدثا لـ(المدى) عن زواج السلاح والتجارة في المحافظة، وكيف يدور صراع حزبي على المناصب المهمة قد يكون وراء تفجر الازمة الاخيرة في المدينة.

يقول المسؤول الاول ان “ما يظهر للإعلام عن ديالى لا ينقل الحقيقة كاملة.. هناك عمليات اختطاف شبه يومية”.

ويضيف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه: “قبل حادث الهجوم على عائلة مصطاف التميمي كان قد اختطف مدنيان اثنان في منطقة الكاطون غربي بعقوبة (مركز محافظة ديالى)”.

وكان حادث الهجوم على اسرة التميمي قد دفع رئيس الوزراء محمد السوداني الى زيارة ديالى لأول مرة منذ تسلمه رئاسة الحكومة قبل 4 أشهر.

وفي اجتماع مع القيادات الامنية بالمحافظة أمهل السوداني المسؤولين هناك اسبوعين للسيطرة على الاوضاع التي كانت تنذر بالإنفلات.

وسبق الهجوم الاخير الذي أوقع 8 قتلى وجريحين اثنين بعبوة ناسفة استهدفت سيارة اسرة التميمي في المقدادية شمال بعقوبة، سلسلة اغتيالات رجحت ان تكون وراءها دوافع طائفية.

التميمي الذي فقد عددا من افراد أسرته وعشيرته في الحادث، هو نفسه كان في دائرة الضوء حين تسربت في وقت سابق انباء عن اختطافه قبل ان تنفي القوات الامنية ذلك.

ولاحقت التميمي وهو أحد أبرز شيوخ العشائر في ديالى، الشائعات بسبب انتقادات حادة وجهها في عام 2021 ضد هادي العامري زعيم منظمة بدر على إثر الانفلات الامني في المقدادية.

وفي هذه المدينة يقول المسؤول المحلي الاول السابق: “المقدادية تضم اكبر تجمع للمسلحين”، مضيفا “هناك 61 فصيلا مسلحا في ديالى واعدادهم قد تفوق الـ 30 ألف بينما اعداد السكان اقل من مليوني نسمة”.

هذه الفصائل بحسب المسؤول المقرب من احزاب في ديالى: “تعمل اغلبها في تهريب المخدرات، والنفط، والادوية وتقوم احزاب بتقديم الغطاء لنقل المواد عبر السيطرات الامنية والحدود”.

أغلب تلك المواد تهرب الى إيران، وبسبب هذه التجارة غير الشرعية “تحدث الصراعات المسلحة”، وفق ما يقوله المسؤول المحلي.

قبل وبعد التحرير

تصاعد وجود الفصائل في ديالى بشكل مكثف بعد عام 2014، وبعد عام واحد من ذلك التاريخ أعلن هادي العامري خلو المحافظة من “داعش”.

ويتابع المسؤول السابق: “استغلت الفصائل الفرصة وبدأنا نشاهد في اليوم الواحد 10 برادات كالتي تستخدم في اللحوم تفرغ اسلحة خاصة في المقدادية” التي جرى فيها اغتيال عائلة التميمي.

بعد اعلان النصر على “داعش” بدأ نشاط الفصائل يتبدل الى التجارة، وتفاجأ سكان ديالى، وفق ما ينقله المسؤول كيف تحول هؤلاء المقاتلون الذين كان “اغلبهم يسكن في بيوت صفيح وتجاوز الى أثرياء ويملكون سيارات حديثة!”.

يرجع المسؤول السابق ذلك الى انهم: “بدأوا يعملون في كل نشاط تجاري ويضايقون كل مستثمر ويفرضون إتاوات على المحال التجارية وطرق الشاحنات، وبعضهم صارت لديه استثمارات في 5 دول مجاورة”.

ويتابع: “لكن في السنوات الاخيرة وبسبب صعوبة نقل الاموال الى الخارج بسبب العقوبات الامريكية بدأ المقاتلون القدماء بغسيل اموالهم بالداخل”. يذكر المسؤول السابق ان متر الارض في بعقوبة، وهي مدينة تفتقد الى الكثير من الخدمات، “وصل الى 20 ألف دولار وهي أغلى من اسعار الاراضي والمنازل في لندن ودبي”.

صراع المناصب

هل التهريب هو وراء حادث عائلة التميمي وقبله هجوم قرية الجيايلة الذي تسبب بمقتل 9 اشخاص من بينهم امرأتان؟

يجيب المسؤول المحلي السابق الاخر في ديالى بان “بعضها بسبب التهريب والاستيلاء المسعور على الأراضي الخصبة بالزراعة، لكن هناك سبب اخر”.

الشيخ التميمي الذي استهدفت عائلته مؤخرا هو من نفس عشيرة محافظ ديالى مثنى التميمي ولذلك يعتقد المسؤول السابق بان الامر مترابط.

ويوضح قائلاً: “هناك تنافس شديد على منصب المحافظ بين منظمة بدر وحزب آخر (لم يذكره بالتحديد) وهو قد يكون وراء ما يجري الان في ديالى”.

اللافت انه ضمن حملة فرض القانون التي أطلقتها الحكومة الاسبوع الماضي، تم اعتقال صباح الزيني وهو مدير استخبارات اللواء 24 (بدر) في الحشد الشعبي في ديالى، وشقيق النائب صلاح زيني التميمي وهو من نفس عشيرة محافظ ديالى، الذي كان قد أرسل رسالة شديدة اللهجة قبل ايام الى السوداني في اثناء زيارته الى ديالى.

وقال الزيني النائب إن رئيس الوزراء “التقى بالمداحين” اثناء زيارته و”ادلة تفجير السيارة التي استهدف عائلة الشيخ مصطاف تم اخفاؤها”.

وتسربت معلومات بعد ذلك عن إطلاق سراح المعقتل الزيني بسبب تهديدات من عشيرته بقطع الطرق.

ونشرت مقاطع فيديو على المنصات الالكترونية اظهرت النائب الزيني وهو يهدد خلال تجمع عشائري بقطع الطرق في حال عدم إطلاق سراح شقيقه.

وبعد ذلك نشر تسجيل آخر يظهر مسلحين يحملون المعتقل، في اشارة الى الافراج عن شقيق النائب.

تزييف الحقائق

ويؤيد المسؤول المحلي الثاني المقرب من الاجهزة الامنية والذي طلب عدم نشر اسمه خوفا من ملاحقة الفصائل، جزءا من كلام النائب التميمي حول لقاء “المادحين”.

ويقول المسؤول المحلي: “في مجازر سابقة في ديالى كان هناك 100 قتيل والقوات الامنية تبلغ بغداد بان الحادث هو شجار اولاد بسبب نساء!”.

وكانت القوات الامنية قد ذكرت ان حادثة الجيايلة التي جرت الشهر الماضي، هي بسبب صراع عشائري.

ويتحدث المسؤول السابق عن ان “هناك أكثر من 18 ألف مذكرة اعتقال متوقفة منذ نحو 10 سنوات، بسبب تدخل الاحزاب والفصائل”.

وتوقع المسؤول المحلي ان حملة الاعتقالات الاخيرة في ديالى قد تتراجع بفعل ضغط القوى المتنفذة.

واعلن قيس المحمداوي نائب قائد العمليات المشتركة، امس، عن اعتقال 162 متهما في عمليات حفظ القانون في ديالى. وكانت انباء قد تداولت عن اعتقال مطلوبين اثنين بارزين في احدى الفصائل، الى جانب صباح الزيني الذي تتضارب الانباء حول إطلاق سراحه،

ووفق المسؤول المحلي ان احد المطلوبين الثلاثة – لم يذكر اسمه بالتحديد- كان هرّب في وقت سابق “شاحنتي دواء وأثناء اعتقاله قطع مسلحون الطريق على الامن الوطني وتدخل مسؤول في المحافظة وأعادوا المعتقل بعد ذلك الى منزله مع الدواء المهرب من دون محاسبة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here