طريق الشباب (حلقة ثقافية)

طريق الشباب (حلقة ثقافية) تنشر الاثنين *

الشطط في الفضيلة ، د. رضا العطار

عندما اتأمل بعض الاخطاء التي يقع فيها الناس اجد انها نتيجة للشطط في فضائلهم، فإن المقتصد يغالي في اقتصاده حتى يقع في البخل والتقتير، والمتبصر يغالي في تبصره حتى يخاف المستقبل، ويضحي بحاضره من اجل مستقبله،

والأم التي تحنو على اطفالها تغالي في حنوها حتى تدللهم وتؤذيهم، لانها لا تحملهم على الاستقلال، تكاد تلقمهم اللقمة في افواههم.

وكلنا الى حد ما يقع في مثل هذا الشطط، كأننا ضحايا فضائلنا. وذلك لان الفضيلة التي نمارسها تعود بحكم التكرار لممارستها عادة ننساق فيها ولا ننتبه الى ان هناك ظروف يجب ان تحملنا على الحد من الاسراف او المبالغة فيها، ثم يكون الزلل.

اعرف رجلا فاجرا عالجه اخوته بالرحمة، اعتقادا انها سوف تصلحه، ثم اسرفوا في الرحمة والغفران، فلم يكن نتيجة لهذا الشطط في الفضيلة، سوى اسرافه هو في الفجور والعدوان، وكانوا هم انفسهم ضحايا هذا الفجور والعدوان، اي ضحايا فضيلتهم في الرحمة به، إذ لم يترك واحدا منهم دون ان يسرقه او يؤذيه، وقد استحال هو الى لص بهذه الرحمة. ولو ان عائلته عاملته بالانصاف لنشأ رجلا فاضلا.

ولذلك يجب ان نذكر على الدوام ان الاعتدال هو راس الفضائل، وان الشجاعة وسط بين التهور والجبن، والاقتصاد وسط بين التدبير والتقتير، وان الرحمة وسط بين القسوة والتدليل.

وبكلمة اخرى يجب ان لا نكون ضحايا فضائلنا، ويجب ان نزن الفضيلة الى جنب غيرها من الفضائل، وان نجعل نظرتنا محيطة شاملة، فلا نلتزم فضيلة نستهويها وتعمينا عن غيرها، فإن الحياة اكبر من ان تحتويها فضيلة واحدة.

* مقتبس من كتاب طريق المجد للشباب للكاتب الموسوعي سلامة موسى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here