القانون الاساس للدولة أو الدستور يحمي أمن وحياة الافراد الحرة الكريمة

د. ماجد احمد الزاملي

إنّ الأفراد في المجتمع مهما تنوعت فئاتهم ومستوياتهم إنما يجمعهم المصير المشترك ُبطرق مختلفة ، إما المصلحة العامة ، و يُعَبرون َعن آرائهم أما تأييدًا أو إستنكاراً وتنديدًا عن طريق تكوين جمعيات أو عقد اجتماعات ، او القيام بمظاهرات وإحتجاجات للمطالبة َبحقوقُهم المشتركة ، حيث تجد تحقيق رغباتهم، بما قد يتعارض و مصالحهم و فرض عليهم واجبات، فالدولة الدستور وهو اسمى قوانين الدولة قد اعطى للأفراد الحقوقً التي تكفل لهم الحماية هي المسؤولة عن أمن الأشخاص وممتلكاتهم ، و تصونهم من كل ما يهدد حياتهم، فحين يضعف حكم القانون، يصبح الأمن العام مهددًا ويشعر المجرمون بالقوة، ويؤدي مثل هذا الوضع إلى تقويض الجهود الرامية إلى استعادة احترام حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية والمجتمع المدني، ويغذي الجريمة والفساد، ويُهدد بتجدد الصراع، وهكذا فإن العدالة القائمة على أساس حقوق الإنسان لا غنى عنها لتحقيق السلام وديمومته، أن المجتمع الدولي بذل تقدمًا كبيرًا في تحديد قواعد حقوق الإنسان، وخلق آلية للعمل الدولى لإنفاذها، والتأكد من أن أصبحت حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا جزءاً من خطاب السياسة الداخلية فى العديد من البلدان ،ومن ثم يعلـن ميـثاق الأمـم المتحدة أن أحد مقاصد الأمم المتحدة هو تعزيز وتشـجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع ،وقد تبلور عن هذه الدعوة أول تعـبير عمـلي بإصدار صك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من جانب الجمعية العامة للأمم المـتحدة في عـام1948 ، وكان هذا الإعلان العالمي ، الذي اعتُمد في ضوء خلفية تتمثل في فظائع الحرب العالمية الثانية، هو أول محاولة من جانب جميع الدول للاتفاق، في وثيقة واحدة، عـلى سـرد شامل لحقوق الشخص البشري ولم يكن الإعلان، كما يوحي اسمه بذلك، قد فُكِّـر فـيه كمعاهدة بل بالأحرى كإعلان لأبسط الحقوق والحريات الأساسية يحمل القوة الأدبـية لاتفـاق عالمي وهكذا، وُصف القصد منه على أنه يحدد المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم وبصورة عامة، يحدد الإعلان العالمي فئتين عامتين مـن الحقـوق والحـريات الحقـوق المدنـية والسياسية من ناحية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من الناحية الأخرى(1)، وفي هذا الصدد، فُسرت عدة أحكام في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنها تجيز للدول التدخل لحظر خطاب الكراهية أو الخطاب الذي يعد استفزازياً أو محرضاً على الكراهية ، وإن كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يتـناول بشـكل صريح مسألة التحريض على الكراهية أو الدعوة إليها ، وبالتالي فإن السلطة القانونية لحظر خطـاب الكراهـية مفهومـة ضمنياً من المادة الأولى من الإعلان العالمي، التي تنص على ميلاد “جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق” ومن المادة الثانية التي تنص على :”المساواة في التمتع بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعـلان “دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس،” ومن المادة (7) التي تنص بشكل صريح أكثر على الحماية من التمييز والتحريض على التمييز، من ناحية أخرى تشير المادة (29) من الإعلان العالمي إلى الواجبات التي يتحملها كل شخص إزاء الجماعة، وتقـر بـأن فـرض بعض القيود على الحقوق قد يكون لازماً ومشروعاً من باب الحرص على جملة أمور منها “الاعتراف الواجب بحقوق الغير وحرياته واحترامها” ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)،أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فيستعمل لغة أكثر تقييداً ذلك أن الفقرة الثانية من المـادة (20) من العهد الدولي تنص على أن “تُحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تُشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
واذا لم يذكر النظام الاساس للدولة تنظيم ممارسة الحرية السياسية او لجأت الدولة الى اساليب غير ديمقراطية لحكم البلاد رغما عن ارادة الشعب فان من واجب المجتمع الدولي مساعدة الشعب لضمان تمتعه بحريته وخلق مجتمع ديمقراطي تسوده المساواة امام القانون وحرية اختيار الحكّام، وقد يكون هذا التدخل عن طريق فرض عقوبات اقتصادية اوعسكرية على الدول المنتهكة لمبدأ الديمقراطية كأحد مباديء حقوق الانسان، ولكن هذا التدخل يثير الكثير من الاشكاليات، فالعقوبات الاقتصادية تضرب المواطنين الابرياء اكثر من اضرارها بالقيادة السياسية المسؤولة عن انتهاك مبدأ الديمقراطية، كما ان التدخل العسكري قد يؤدي بحياة الكثيرين من الابرياء بسبب عدم تقيّد الجيوش(كما حصل مع العراق عام 2003) باساليب القتال والابتعاد عن الاسلحة المحظورة، فضلاً عن ذلك فان بعض الدول كالولايات المتحدة الاميركية تسيء استخدام حق التدخل الانساني وترسيخ الديمقراطية بان تعمل لتحقيق مصالحها وفرض سياساتها على الدول وتبرر تدخلاتها العسكرية وغير العسكرية في شؤون الدول بحجة انتهاكها للديمقراطية وردع الدولة المخالفة ،لهذا ينبغي ان يقوم مجلس الامن بتدعيم سلطاته فيما يتعلق بحماية حقوق الانسان، وترسيخ الديمقراطية بنهج سياسة ثابتة وموحدة في معالجة انتهاكات مبدأ الديمقراطية والاّ يسمح للدول الكبرى ان تتدخل في شؤون غيرها من الدول من خلالها, باسم المجتمع الدولي لتسوّغ تدخلاتها العسكرية وغير العسكرية في شؤون الدول الاخرى، والاّ يصبح ستاراً قانونياً لاطلاق يد الدول الكبرى في التدخل بدعوى حماية الديمقراطية او اعادتها كما حدث في هايتي عام 1993م، اذ ان الكثير من قرارات مجلس الامن بشأن فرض عقوبات على الشعب الهايتي كانت من ورائها اميركا التي كانت تسعى للاطاحة بالنظام الحاكم ، كذلك الحصار الذي فرضه مجلس الامن الدولي على العراق بين عام 1990 الى عام 2003 وراح ضحيته مليون طفل عراقي لم يكن لإسقاط صدام بل لتجويع الشعب العراقي.
وفي حال وجود تمييز متواصل يخلق ويُعمِّق طيلة الوقت فجوات اجتماعية هائلة بين مجموعات مختلفة في المجتمع ، أي تمييز خفي في المجتمع، والحديث عن التمييز المؤسساتي كنوع من التمييز العلني في المجتمع، أي أن المعاملة المغايرة لا تُشكل دائماً مساساً محظوراً بالمساواة، إذا كانت هذه المعاملة ناجمة عن عامل موضوعي، يكون المَس بالمساواة، عندها، مباحاً، تكون المعاملة المغايرة في بعض الحالات ضرورية من أجل تكريس المساواة.فالقانون يُلزم الشركات العامة بتكريس مواقع للنساء في مجالس الإدارة كخطوة في سياق التمييز المُصحِح الذي يهدف إلى تحقيق مساواة بين الرجال والنساء في الدولة، وحقوق الإنسان هي التي تثبت للبشر لمجرد الصفة الآدمية وهي لصيقة بالانسان لانها من الحقوق الطبيعية الثابتة للانسان قبل وجوده مهما كانت ديانته او قوميته او جنسه او لونه او معتقداته وسواءً كان الشخص وطنياً او اجنبيا، وقد أرغمت هذه الإنتهاكات التي مارستها وتمارسها الدول الاستبدادية في انشاء محكمة جنائية دولية خاصة للنظر في محاكمة المجرمين الدوليين الذين غالباً ما يفلتوا من العقاب والعدالة الدولية، الانظمة السياسية التي تعتمد في البقاء في السلطة وتتبع اساليب قمعية وهدر الحريات وعدم التزامها بالدستور الذي كتبته كواجهة ليس إلاّ ، ومن هنا تحدث الاعمال الارهابية وتشتعل الحروب الاهلية التي تهدد السلام الدولي، الامر الذي دفع الامم المتحدة في بعض الحالات الى التدخل العسكري لانهاء الحروب الاهلية، كما حدث في الصومال وانجولا وافغانستان وغيرها من الدول، وازاء فرض السلام وزيادة التضامن الانساني العالمي اصبح المجتمع الدولي يتجه نحو تدويل قضية الديمقراطية وحقوق الانسان التي تشهد انتهاكات في العديد من الدول، فلم تُعَد شأناً داخلياً لا يجوز التدخل فيه، وهذا يفسح المجال امام المجتمع الدولي ان يفرض التزامات واجبة التنفيذ على الدول لإقرار الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية ولايتعارض هذا الاتجاه مع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والسيادة الوطنية، لان هذه السيادة ليست مطلقة في ظل الطلب المتزايد للشعوب لحرياتها وحقوقها ،كما ان التطورات الدولية جعلت الامم المتحدة مسؤولة عن انهاء الصراعات الداخلية والقضاء على اسبابها ،مما يوجب على الامم المتحدة ان تولي اهتماما خاصا بجميع ممارسات الدول التي تنطوي على انكار للديمقراطية، وانتهاك صارخ لحقوق الانسان والحريات الاساسية التي تولد الارهاب وتعرض الامن والسلم الدوليين للخطر،وقد تضمن النظام الدولي لحقوق الانسان نصوصا تتعهد بمقتضاها الدول الاطراف في هذا النظام حماية الحريات المنبثقة من الديمقراطية (2)، وهذه النصوص تفرض التزاما على عاتق كل دولة بتوفير الديمقراطية بمقتضى دستورها وتكفل حماية الحقوق والحريات الاساسية لجميع مواطني الدولة والتي ترتكز في ان ادارة الشعب هي مصدر السلطة التي يعبَّر عنها من خلال الانتخابات الحرة النزيهة او اي تنظيم ديمقراطي.
إنَّ منع الارهاب يتأتى في ظل النظام العالمي الجديد من خلال نشر الديمقراطية وحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية، فبالرغم من ان ممارسة افراد الشعب للديمقراطية وتمتعهم بالحريات الاساسية مسألة داخلية، فانه يقع على الدول التزام حماية حقوق الافراد في الفكر والمشاركة في الحياة السياسية والتعبير عن الرأي من اجل تحقيق الامن والاستقرار في المجتمع الدولي ومكافحة موجات الارهاب التي تتنامى بسبب القيود المفروضة على حريات الافراد وانكار حقوقهم الاساسية، واخضاعهم لاساليب الحكم الاستبدادي في وقت تزايد فيه وعي الشعوب وتصاعدت مطالبهم بالديمقراطية التي تتمركز في حق الشعب في اختيار حاكمه والاستغناء عنه في مواعيد محددة وكراهية الانظمة الاستبدادية وعداء الحكم الدائم.
————-
1-الأمم المتحدة – الجمعية العامة – اللجنة المعنية بحقوق الإنسان : الحقوق المدنية والسياسية: صحيفة الوقائع رقم ١٥التنقيح سلسلة تصدرها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بمكتب الأمم المتحدة.
في جنيف، – جنيف-نيويوك 2004 2-انظر تفصيلات اكثر في المقابلة الصحفية التي اجرتها صحيفة الزمان. العراقية مع الدكتور عبد الحسين شعبان –رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان-فرع لندن،

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here