لوموند: الإمبراطورية الاقتصادية للجيش المصري تحت التهديد


أصبح الجيش المصري العمود الفقري للدولة منذ عام 1952 (تعبيرية)
لفت تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية، إلى أن الحكومة المصرية، تخطط لمباشرة عملية خصخصة طموحة لبعض الشركات، لكن القائمين على الجيش الذي يحتكر أغلب تلك الشركات “لا زالوا مترددين”.

ففي الوقت الذي تستعد القاهرة لفتح شركتين وطنيتين أمام مستثمرين من القطاع الخاص، شكك خبراء في قدرتها على إتمام تلك الصفقات بنجاح وذلك بسبب “إحجام الجيش عن التخلي عن أي بقرة مربحة” وفق تعبير الصحيفة .

وتعد شركة “وطنية” التي تدير أكثر من 250 محطة وقود، وشركة “صافي” لتعبئة المياه المعدنية، من بين أولى عمليات الخصخصة التي تنوي الحكومة مباشرتها.

وعرضت الحكومة المصرية العديد من الأصول المملوكة للدولة للبيع إذ أن القرض الذي حصلت عليه القاهرة نهاية 2022 من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار كان مصحوبا بشروط من بينها خصخصة العديد من الشركات العامة والإبقاء على سعر صرف مرن للجنيه المصري حتى يعكس قيمته الحقيقية.

تعليقا على ذلك، قال يزيد صايغ، مدير برنامج “العلاقات المدنية العسكرية في الدول العربية” في مركز كارنيغي ببيروت، في حديث للصحيفة الفرنسية “لقد وعدوا بذلك منذ سنوات، لكنهم يؤجلون دائما ” ثم تابع “سيؤجلون مرة أخرى”.

وأضاف: “قد يكون للضباط مصلحة في الاحتفاظ حتى بالأعمال التجارية قليلة الأرباح لاستخدامها في المنافع والرشاوى”.

ويرى تقرير “لوموند” أن شهية مؤسسة الجيش في مصر، نمت بشكل كبير في ظل رئاسة عبد الفتاح السيسي.

يذكر أن الجيش المصري، أصبح العمود الفقري للدولة منذ عام 1952، لكن تأثيره على السياسة الاقتصادية وتخصيص الميزانية والعقود العامة، ازداد خلال السنوات الأخيرة، حيث وسع الجيش إمبراطوريته إلى قطاعات أخرى، غير تلك التي اعتاد عليها المصريون مثل تسييره لقناة السويس وقطاع المحروقات والنقل والاتصالات.

“عمالة رخيصة”
تدخل الجيش بشكل لافت مؤخرا في كل نشاط اقتصادي مربح، من مزارع الأسماك إلى صناعة الأدوية، ووسائل الإعلام “مخاطرا بزعزعة استقرار قطاعات كاملة من الاقتصاد” وفق تعبير الصحيفة.

وتخضع 72 شركة لإشراف وزارتي الإنتاج الحربي والدفاع، في ظل غموض مالي كامل، دون رقابة على حساباتها أو أدائها.

يقول التقرير أيضا إن تلك الشركات لا تدفع أي ضرائب، بينما يتم استخدام المجندين كعمالة رخيصة لضمان سيرورة الإنتاج بها.

إلى ذلك، يحتكر الجيش، وفق التقرير ذاته، العقود العامة ويستخدم أراضي الدولة على النحو الذي يراه مناسبا.

“لا يمكن للبنوك أن ترفض أي شيء لهم، ولا يمكن لأصحاب المشاريع الخاصة، الذين يضطرون إلى تحمل المنافسة غير العادلة للجيش، معارضة ذلك” تقول لوموند.

هروب الأجانب
يقول تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، إن الجيش أصبح لاعبا مخيفا للمستثمرين الأجانب، ويشير إلى أن “هذا يجعل الاقتصاد أقل جاذبية في العديد من المجالات”.

وبحسب قوله، فإن صندوق النقد الدولي والمانحين الرئيسيين لمصر، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، قد غضوا الطرف كثيرا عن هذه الظاهرة، لكن نبرتهم الآن تغيرت، مع انهيار الاقتصاد المصري في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.

وأصبح تقليص بصمة الدولة والجيش في الاقتصاد أولوية الآن يفرضها صندوق النقد الدولي، الذي قدم قرضا ثالثا لمصر في ديسمبر 2022.

“ويعمل الخليجيون وراء الكواليس لضمان عدم تقديم المزيد من التنازلات للقاهرة” وفق لوموند.

وقاومت المؤسسة العسكرية حتى الآن، كل الضغوط التي مارسها السيسي، إذ ومنذ عام 2018، حث الرئيس المصري الجيش على النأي بنفسه من بعض أصوله، إما عن طريق البيع في البورصة أو من خلال تكليف الصندوق السيادي المصري، لكنه لم ينجح “بينما لم يتحقق وعده في عام 2020 بفتح 10 شركات أمام الاستثمار الخاص”.

وقامت شركة “بترول أبوظبي” المملوكة للدولة في الإمارات، بمحاولة شراء حصة 50٪ في شركة “توتال إنرجي مصر” لكنها أخفقت.

وأوضح صايغ في الصدد: “يمكن أن يكون لدى الشركات العسكرية محاسبة مالية سيئة للغاية، وهذا يجعل من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، إجراء عمليات جرد ودراسات جدوى السوق، وهو شرط أساسي للاستثمارات الخاصة وشراء الأسهم”.

ويتردد المستثمرون الأجانب في الاستثمار إذا لم يكن لديهم سيطرة كاملة على إدارة الشركة التي يريدون شراءها، أو حتى التصويت الحاسم في مجلس الإدارة “بينما من المستحيل فرض أي رأي على جنرالات” يقول مستثمر أجنبي لم تكشف عن هويته الصحيفة الفرنسية.

الرياض تنأى بنفسها
بينما ينتظر المستثمرون الخليجيون بوادر حسن النية من القاهرة، لم تخف السعودية انزعاجها من تدخل الجيش في كل قطاعات الاستثمار.

وفي يناير الماضي، قاطعت الرياض مؤتمرا نظمه الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان بحضور السيسي.

ووقتها، سارع معلقون سعوديون إلى انتقاد القاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تركي الحمد، الذي استنكر “تزايد هيمنة الجيش على الدولة، لا سيما الاقتصاد” واعتبره سببا للبطالة والأزمات الاقتصادية.

شفافية؟
وفي تمرين نادر للشفافية، وفق وصف “لوموند” كشف اللواء وليد حسين أبو المجد، مدير مشروعات الخدمة الوطنية بالجيش المصري، ورئيس الوكالة التي تضم شركات تحت مظلة وزارة الدفاع، في منتصف فبراير الماضي، مبلغ الضرائب والرسوم التي دفعتها هذه الشركات للدولة في عام 2022.

ورغم الانتقادات سالفة الذكر، لم يتوقف الجيش عن مواصلة استثماره وبسرعة، بداية بإطلاق مجمع فندقي فاخر على البحر الأحمر، وترخيص إنتاج اللقاحات وحيازة امتياز حصري لمسافة 3600 كيلومتر من الطرق.

الحرة / ترجمات – واشنطن

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here