هل إنّ المجتمعات البشرية تتجه نحو تطبيق الأفكار الشيوعية

بقلم ( كامل سلمان )

انا لست شيوعياً ولم ولن أؤمن بالشيوعية كفكر وفلسفة تقود الحياة بل انا بالضد تماماً من الفكر الشيوعي وجميع الأفكار اليسارية ، لكن ما لفت انتباهي ان مفكري الأحزاب الشيوعية الاوائل اعتقدوا جازمين ان الشيوعية ستكون النهاية الحتمية التي ستحل محل الرأسمالية عندما تحين الساعة التي تضمحل فيها الرأسمالية ، واعتبروها حتمية تأريخية ، ومع بداية تطبيق الفكر الشيوعي بعد الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي السابق على اعتاب دولة القياصرة الروسية ، واجهت الشيوعية الفشل الذريع في التطبيق في بدىء الامر ، مما دفع لينين قائد الثورة البلشفية مضطراً ان يلجأ الى تأسيس ما يسمى بمرحلة ما قبل الشيوعية وسماها مرحلة النيب كمرحلة انتقالية الى الشيوعية ثم تم تعديل الاسم فيما بعد الى الاشتراكية ، واعتبروها اي الاشتراكية هي المرحلة التي تنتقل بالمجتمعات الى الشيوعية ( مرحلة انتقالية ) وهذا بحد ذاته اعتراف بفشل الشيوعية في التطبيق المباشر ، ولكن في ادبيات الفكر الشيوعي والماركسية تحديداً ان الشيوعية تأتي على اعتاب الرأسمالية بشكل اوتوماتيكي وليس عن طريق الثورات الدموية ، لذلك اعتبر بعض مفكري الاحزاب الشيوعية ان الثورة البلشفية كانت خطئاً تأريخياً لأنها جاءت قبل زمانها ، ورغم ذلك فأن الاشتراكية التي وضع اساسها لينين نجحت بشكل ملفت وحتى داخل المجتمعات الرأسمالية الغربية وتكونت احزاب يسارية تتبنى الفكر الاشتراكي بمفاهيم تتناسب مع الواقع وكذلك تم تأسيس منتدى الاشتراكية الدولية وحتى ان بعض مفكري الاسلام السياسي حاولوا الربط بين الاشتراكية والاسلام لشدة اعجابهم بالاشتراكية ، بالنتيجة أخذت معظم الاحزاب السياسية اليسارية في العالم تتبنى الفكر الاشتراكي حسب الواقع ، ولكن تبقى الولايات المتحدة الامريكية هي القوة التي لا تسمح للفكر الشيوعي او الفكر الاشتراكي التنفس في امريكا والعالم الغربي ، وخلال العقدين الاخيرين من عمر الرأسمالية الغربية تمت ملاحظة صعود الاحزاب التي لها توجهات يسارية متطرفة الى الحكم وتمت ملاحظة ايضاً تبني الحزب الديمقراطي الامريكي لقرارات يسارية بعيدة كل البعد عن التوجه الرأسمالي وبعيدة عن ايدلوجية المجتمع الرأسمالي بل وزاد الديمقراطيين من تطرفهم اليسارية وكأنهم يسيرون في الطريق الى تقليص هيمنة الرأسمالية وتوسيع هيمنة الدولة بمعنى اوضح القبول الجزئي من الافكار الشيوعية وبلورتها بالمجتمع الامريكي والتمرد على بعض مفاهيم المجتمع الرأسمالي بما يخدم الفكر الشيوعي فأصبحت الدولة وسلطة الدولة في المجتمعات الغربية وبدافع من الاحزاب اليسارية المتطرفة تتدخل في جميع مجالات الحياة مبررين ذلك لأسباب أمنية ومخافة توسع الارهاب ، ولكن الحقيقة هي اسباب سيطرة اليسار على الدولة ( مع العلم ان الحزب الديمقراطي الامريكي كان قبل عقود حزب محافظ معاد للأفكار اليسارية )، ، صعود اليسار وخاصة في امريكا ادت الى ازمات اقتصادية ومشاكل اجتماعية بالجملة مما ادى ذلك الى اضمحلال الطبقات الوسطى في المجتمع واندماج الطبقات الغنية واصحاب رأس المال مع الدولة يعني ان الدولة تدخلت بشكل كبير في شؤون المجتمع والرأسمال حتى الخاص يخضع لمعاينة الدولة اي لا حرية مطلقة لرأس المال بعد اليوم ، ويعني ان الرأسمالية دخلت مرحلة الضعف بشكل مبكر ، فأخذت الدولة على عاتقها دعم الطبقات دون المتوسطة والطبقات الفقيرة في توجه واضح الى مرحلة الشيوعية في بداياتها . . . الشيوعية او المشاعية هي اولاً وقبل كل شيء نظام اقتصادي ومرحلة اجتماعية تختفي فيها الانا ويختفي فيها رأس المال الحر ويصبح الإنسان هو رأس المال ، فيصبح كل شيء ملك للجميع ، يعني الاباحية الجنسية والمثلية الجنسية وذوبان تركيبة العائلة وذوبان الملكية الشخصية هي نتائج طبيعية للمرحلة الشيوعية فيكون المجتمع مشاعي في كل شيء كما كانت المجتمعات البدائية اول مرة ، بذلك يسقط الدين وتسقط القيم والعادات والتقاليد وكلها تصبح من الماضي ، اصحاب الفكر اليساري في الاحزاب اليسارية بالمجتمعات الغربية تحديداً يعتقدون انهم يسيرون بهذا الطريق ولكن ليس بنفس مفاهيم الفكر الشيوعي و يبررون ذلك ان حركة الحياة بسبب الديمقراطية والحرية هي التي انحنت صوب هذا الطريق وهو طريق نموذجي متطور يختلف بشكل جذري عن اصل الشيوعية ، ولكن بنفس الخطوات ، وهذا تناقض غير مبرر ، اليساريون في الحكم سببوا ازمات اقتصادية أدت الى انهيارات الوضع المعيشي في جميع انحاء العالم ، ومع الفقر وانعدام فرص العمل ستضطر الحكومات الى تبني سياسات اشتراكية عميقة لاحتواء تبعات الوضع القائم وقد تكون قريبة جداً الى الشيوعية . وهذه سابقة خطيرة قد تعجل من انهيار الرأسمالية ، هذه الاحزاب اليسارية مصممة على السير بنفس الخطوات ، واعداد الفقراء في ازدياد مطرد ، ومع ازدياد الوضع الاقتصادي سوءاً ، يعمد اصحاب رأس المال وبدعم من الدولة الى خلق انواع من الحيل لتدمير المواطن لكي يتقبل المواطن سياسات الدولة اليسارية للتخلص من ضغوطات اصحاب رأس المال ، والمستقبل لا يبشر بحلول جذرية لظاهرة انتشار الفقر الا من خلال تدخل الدولة وتحمل الدولة المسؤولية الكاملة في احتضان الطبقات المتوسطة والفقيرة وهذه هي بدايات المرحلة الشيوعية بلا جدال ، في حين نرى الدولة التي تدعم رجال الاعمال واصحاب الشركات بنفس الوقت تحملهم مسؤولية انهيار الاوضاع الاقتصادية . مرحلة ضمور الطبقات المتوسطة في المجتمع وفي اي مجتمع هي مرحلة انهيار الانظمة السياسية والاقتصادية فلا سبيل امام الدولة الا بالتدخل وفرض نوع من انواع الاشتراكية لانتشال المحرومين من الجوع والمرض ، فهو اعتراف ضمني بالحتمية التأريخية التي اشار اليها ماركس وقد ساعدت جائحة كورونا بالدفع في هذا الاتجاه ، ، ، يبدو ان الاحزاب اليسارية في المجتمعات الغربية عازمة على تفكيك الانظمة الرأسمالية مستخدمين جميع الوسائل لتطبيق اهدافهم على حساب المواطن الغربي الذي يجهل العمق الثقافي للأحزاب الحاكمة ، لأن اليساريين اعتادوا اساليب الكذب والخداع التي لم يتربى عليها المواطن الغربي ، والكلام تحديداً ينطلق من الواقع الذي دفع الديمقراطيين في السيطرة على الحكم في الولايات المتحدة الامريكية بأفكارهم اليسارية التي خلقت ازمات اقتصادية واجتماعية كبيرة للمجتمع الامريكي والتي ستنعكس بشكل او بأخر على بقية دول العالم بسبب ارتباط جميع دول العالم بالاقتصاد الامريكي .
على الاحزاب اليمينية الموجودة في الدول الغربية وخاصة الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الامريكية ان تتخلص من اليمين المتطرف الذي نشأ في السنين الاخيرة داخل كيان الاحزاب اليمينية ، تلك الافكار اليمينية المتطرفة أدت الى نفور المجتمع من الاحزاب اليمينية ، لكي تعيد ثقة الشارع بها وتعيد هيبة الرأسمالية الحرة النظيفة وتتخلص من تبعات الفكر اليساري المريض الذي يخلق البؤس والفقر داخل المجتمعات ويشجع التطرف عند طبقات الجهلاء والمؤمنين بالعنف . . . من الخطأ الاعتقاد بأن حركة التأريخ تكون دائرية اي ان المشاعية تعيد نفسها وكل شيء يمر بالتأريخ لا يتكرر ، فهذا نوع من انواع الخداع الفكري بأن التأريخ يعيد نفسه ، لا يوجد شيء في التأريخ اعاد نفسه ، وكل شيء يتجه بإتجاه واحد ، وهذا التأريخ امامكم بطوله وبعرضه يثبت ان لا شيء يعيد نفسه الا السذج من الناس يعيدون انفسهم في كل زمان ومكان .
للأسف الغالبية العظمى من كوادر الطبقة المثقفة تميل الى جانب الافكار اليسارية دون التمعن بحقيقة اهدافهم ودون الرجوع الى جميع المشاكل في عالم اليوم هي نتاج تطبيق الافكار اليسارية ، حتى الديانات ترفض الفكر اليساري ولكن عامة رجال الدين مع اليسار ضد اليمين بل وضد الكتب السماوية ، فالقرآن الكريم مثلاً يوصف اليسارين او ما يسمى حسب القرآن اصحاب الشمال ( اليسار ) بأنهم اصحاب النار ، ويوصف اصحاب اليمين هم اصحاب الجنة بالرغم ان القرآن لا يتحدث عن الفكر عند اصحاب اليسار لكن الملتقى واحد . الفكر اليساري بكل اشكاله لا يعير اي اهتمام لقيمة الإنسان ولفكر الإنسان وطموحات الإنسان في الحياة لإنها أفكار تتدخل في شؤون الإنسان بشكل سلبي . رغم كل ما قلنا اعلاه ، يجب الاعتراف بقوة الاحزاب اليسارية وتوسعها في السنين الاخيرة بشكل مربك ، وبسبب الاوضاع الاقتصادية المتردية قد تضطر هذه الاحزاب اليسارية الى تبني الفكر الشيوعي بأسلوب مختلف ! ولكن بنفس المواد . واخيراً ليس الهدف من مقالنا هذا مناهضة ايدلوجية لحساب ايدلوجية اخرى ولكن على الجميع ان يعلم بأن اي تطرف عندما يغزو اية ايدلوجية سوف تفسد الايدلوجية فتنعكس تبعات ذلك الفساد على المجتمع كله وللأسف الشديد اصبحت الاحزاب السياسية تميل للتطرف في كل مكان .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here