الموسيقى والغناء في العراق زمن العباسيين

الموسيقى والغناء في العراق زمن العباسيين * د. رضا العطار

العصر العباسي : لقد عرف عن الغناء العربي ارتباطه منذ القديم بالشعر العربي، حيث اعتاد ان يعطينا نشأة متميزة وحادة في الخصوصية توميء الى العلاقة الحية بينه وبين الشعر، مضافا الى ذلك انه ارتبط ايضا بالكلمة المفردة، وواقع الحال ان تفعيلات الشعر العربي قد كشفت عن ايقاعات نغمية قصيرة اساسها سلم الغناء العربي.

لقد شهدت هذه الحقيقة منهجا خاصا انفرد به الغناء بل اشار الى صعوبة توزين تفعيلات الشعر العربي وبحوره على ايقاعات غير عربية. ترى ماذا عن تفعيلات الكلمة المفردة التي لها امكانية الاشتقاق ؟ – – – سنقول ان التوزين الصوتي فيها لا يمكن ان يكون لغير سلالم الموسيقى العربية. ان بناء الخبرة نحو هذه المجموعة من الوقائع المستقاة من تاريخنا الموسيقي ستقودنا الى ذلك الامتزاج الرائع والعميق بين الغناء والموسيقى والشعر واللغة في اطار العمل الفني الحريص على احتفاله بخصوصية الشروط الفنية.

لقد عانينا من حالات ناقصة في العواطف والمواجهة في عصور التدهور الوطني والاجتماعي ولم يكن مدهشا بعد هذه العصور ان تنقلب دوافع البحث عن المعنى والشكل والبناء والافكار الى صحوة جديدة للغناء والشعر العربي نهضت بها مجموعة بشرية عربية في العراق ومصر وسوريا ونجد وغيرها.

ان البحث عن الوعي الغنائي قد تجسد في كتاب (سفينة شهاب) الذي كتبه الشيخ محمد شهاب الدين حيث اخذ كفاياته من الاسس القومية المتمثلة في الموشحات الاندلسية، هذا التراث العظيم قد اكد ان المقامات العربية المتداولة الى يومنا هذا مثل الرست والبيات والسيكاه والصبا والحسيني والحجاز وديوان والجهاركاه والعجم عشيران، هي المقامات عينها التي اعتمد عليها الاندلسيون قبل الف سنة في تشكيل غنائمهم.

أترى هل هي تسوية شكلية مغلوطة بان الحروب والويلات التي تعرضت لها الامة العربية من هولاكو الى تيمورلنك الى غزوة نابليون لم تؤثر على خصوصية الغناء العربي، بل بقيت محتفظة بخيراتها ؟

فمنذ العصر العباسي عرف الغناء العراقي بطريقته الفذة والمستقلة على يد ابراهيم الموصلي وولده اسحاق ومخارق وابن جامع وابن المهدي، وحفل بفن عال من الغناء يؤديه الغريض وسلامه القس وحبابة وغيرهم – – – على ان الذوق الفني بقي محتفظا بوثوقيته للشروط الفنية الاساسية. فمنذ 1300 سنة وما يزيد من الاعوام كان هناك عدد من المغنين، هؤلاء الذين وحدتهم الارادة وقادهم تعبير اوحت به ظروف حياتهم منهم طويس وحنين الحيري وابن مسجع وابن سريج والغريض وابن محرز ومعبد.

اشترك هؤلاء في وضع اللبنات الاولى لتقاليد امتدت على العصرين الاموي والعباسي حيث عامل المغنون مواضيع الغناء بافقهم الانساني الصافي المنفتح والمعبر عن انشغالات متواضعة في الذات والحياة . فلم يكن غريبا ان يمتد تناولهم الى مواثيق العزف والتلحين مضافا اليها التآليف في الكتب عن الغناء مثل كتابي (النغم) و (القيان)

لقد دفع هؤلاء المغنون اصول الغناء الى الاستقرار والتجذر في الحياة الحضارية العربية، فعرف عن الغناء ايقاعه وتبسيطه ومجراه واقسامه ومخارج انغامه ومقاطعه وادواره واوزانه. وبعد عصر الفتوحات الكبرى كان لا بد للغناء من الانتشار في مكة والمدينة وان كان على نطاق ضيق ثم في دمشق وبعدها في بغداد التي طبقت شهرة الغناء فيها الافاق ثم قرطبة واشبيلية وغرناطة وطليطلة واخيرا القاهرة. (

* مقتبس من كتاب حضارة العراق لعادل الهاشمي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close