المختلف فضيحة المتطابق والأعزل فضيحة المسلح

حمزة الحسن

ـــ ما هي المشكلة لو كنت مختلفاً أو متناقضاً؟ ـــ غرامشي ضاحكا في مؤتمر صاخب.
من الواضح لماذا تخاف السلطة
من المثقف النقدي المنتج للأفكار
وصاحب اللغة المضادة ومخلخل السكون وهو شرط المثقف الجوهري
وليس كل كاتب مثقفاً،
لأنه ينافسها على شرعية الحقيقة،
هي تدعي إمتلاكها وتزورها،
وهو لا ينتمي لأحد أو طرف غير الحقيقة. اذا كان المثقفون جوقة تعزف في اتجاه واحد، كيف سنرى المستقبل؟
قد يكون الحديث عن المثقف المختلف اليوم
في عالم التطابق والتناسخ والتشابه،
من الخوارق كالحديث عن ولادة تمساح من بقرة.
لو كان المثقف والاديب متطابقا مع الجميع، وهو مشروع مستقبل بديل، لماذا لا يصبح بائع شاورمة؟ بتعبير حنا مينة يوم طلب منه اتحاد الادباء العرب للعضوية شهادة حسن السلوك التي لا توجد في الدول الديمقراطية وتعتبر اهانة.
السلطة تحاول ترسيخ القواعد للتسلط،
وهو يحاول نسف القواعد،
السلطة مسلمات وبديهيات وخطابات جاهزة،
والمثقف المستقل المعرفي حقل مغامرة فكرية
ورفض للجاهز والمقر.
السلطة يقين وهو شك،
هي سطح وهو قاع،
هي تكذب وهو يفضح،
هو يفكر وهي تجتر،
هي تحجب وهو يكشف،
السلطة تراوغ وهو يعري.
الفوارق هائلة بين السلطة والمثقف النقدي،
في الجوهر الخلاف على شرعية الحقيقة والعدالة.
هي مشكلة المثقف ذاتها مع المجتمع،
المبادئ المختلف عليها ذاتها،
الاسلوب ذاته.
لكن لماذا يخاف المستنسخ والمتطابق
من المثقف المعرفي المختلف؟
عادة ما يغلف هؤلاء هذه الكراهية بأقنعة،
لكن يبقى خطاب المثقف عن الحقيقة هو الفضيحة لأنه مسالم
وخلافه معهم ليس حول شركة أو منصب أو عقار أو أملاك،
بل حول أفكار مما يجعل فضيحتهم مدوية،
وكما السلطة تحاول طمس الحقيقة،
يقوم هؤلاء بالدور نفسه بخلق ذرائع كاذبة للاختلاف.
المختلف تهديد
وفضيحة الشبه.
يذهب المستنسخ المتشابه الى أقصى حدود الاستهتار
بتطابقه مع الجميع عكس دور المثقف االمعرفي او العضوي بلغة غرامشي،
في حين يذهب المختلف وحيداً الى أقصى حدود الاختلاف المعرفي
لأجل الحقيقة دون حساب العواقب:
الأول، المستنسخ، صبّاغ.
الثاني، المختلف، خالق.
بين قائل إن هؤلاء سلطة بالمعنى المجهري
للسلطة كمعايير وعقلية وطريقة تفكير حتى لو في موقع المعارضة المظهري،
وبين قائل إن هؤلاء ممثل مجتمع.
في كل الأحوال المثقف المختلف فضيحة النسخ،
كما أن الأعزل فضيحة المسلح.
المختلف هو المغني الأخير يوم ينتهي
حفل الزور ويهدأ التاريخ من عربدته،
لأنه وعد وعلامة وبشارة،
هو الوحيد الباقي يوم تكنس الأيام غبارها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here