ثقافة الأموات

قلم ( كامل سلمان )

مالفرق بين المسلم وغير المسلم بين الشيعي والسني والديني واللاديني والبوذي والشيوعي والبعثي وغيرهم من العقائد والاديان ، كل منهم له عقيدة يؤمن بها ويعتقد ان عقيدته هي الصحيحة وعقيدة الاخرين هي الخطأ ، لم أصادف في حياتي احدهم يعتقد انه ممكن ان يكون هو الخطأ وغيره صحيح ، لماذا ؟ لأن كل منهم عنده الادلة والبراهين انه هو الصحيح وعنده الادلة والبراهين ان غيره هو الخطأ ، هذا يعني كلهم غسلت ادمغتهم و أعتقدوا بصواب منهجيتهم ولكنهم لا يعرفون معنى غسيل الدماغ . كل منهم يبطن الكراهية لغيره حتى وان تبسم في وجوههم وينشرح صدراً عندما يلتقي بمن هو على شاكلته ، كل منهم يتأمل ان تتسيد عقيدته على عقائد الاخرين ويمني النفس بذلك وعنده الادلة التي سوف تتسيد عقيدته على العقائد الاخرى ولو بعد حين . كل منهم يفرح عندما تمتدح عقيدته وتنتقص من العقائد الاخرى .
أتدرون اين الخطأ ؟ هذا هو لب الخطأ ، عندما تعتقد ان غيرك خطأ وأنت صح . لأن غيرك لو كان خطأ لما تمسك بما هو مؤمن به ، فكلهم صح عندما لا يفضل احدهم نفسه ومعتقده على الاخرين ، وكلهم خطأ عندما يشعر احدهم بأنه هو الصح وغيره الخطأ .. من هنا تنطلق معاني الإنسانية والاخلاق والقيم ، من هنا يبدأ الإنسان يستثمر قدراته العقلية ويفعلها بشكل صحيح ، من هنا يفترق الإنسان عن باقي الكائنات . لو سلبنا العقائد والافكار من عقول الناس لعاد الوئام والمحبة بينهم و لتصافحت القلوب و لتنظفت السرائر ولكن الافكار والعقائد أصبحت جزء من شخصيتنا ولا مناص منها ومن تبعاتها .
السؤال ، هل بالامكان ان يصل الإنسان الى مستوى يعتقد فيه ان تفكيره ومعتقده وانتماءه قد لايكون هو الافضل ؟ اقولها نعم عندما تتوسع مدارك الإنسان وتتعمق ثقافته وهذا ليس بالشيء الهين ولكنه ليس بالمستحيل عندها ستفيض المشاعر الإنسانية ويتحسسها القريب والبعيد ، فقد صار متيقناً ذلك الإنسان الذي يستطيع فعل ذلك ، متيقناً من ان كل شيء نسبي وليس هنالك شيء مطلق في المعتقدات ، وعندما يصل الإنسان لهذه المرحلة يستحق ان يكون قائداً للمجتمع يستحق ان يكون قدوة للناس يستحق ان يكون رمزاً كبيراً للأخرين يستحق كل الثناء والتقدير طالما جعل معتقده الاعلى هو حب واحترام الناس دون النظر الى عقائدهم ، فمثل هذا يجعل الحياة تتنفس المحبة والألفة ، ولأن الخير سيفيض من جنباته والشر يموت في داخله فيصبح كتلة من العطاء لكل الناس .
أصل المشاكل التي تحيط بالناس هي الكراهية والكراهية سببها الافكار والمعتقدات المتعارضة .
هناك مستوى أقل من مستوى هذه الثقافة العالية التي ذكرناها والتي قد تكون مثالية وصعبة التطبيق ، وهي ان تجعل الناس يعيشون بمحبة ووئام مع الاحتفاظ بأفضلية المعتقد وأفضلية التفكير فيما يؤمنون به اي لا تحرم المعتقدات روح التعاون والتعايش بين البشر ، ، اي احترام الرأي الاخر ، وهذا ما نلاحظه في المجتمعات المتحضرة اي بمعنى التعايش مع الاخرين مهما اختلفوا دون المساس بما يعتقدون ، فيصبح الدين او المعتقد شأن شخصي والوطن شأن الجميع ، وهذا المستوى لا يحتاج الى عمق ثقافي وتوسيع المدارك بل كل ما يحتاجه الإنسان قليل من الوعي بما تعنيه حقوق الاخرين في الحياة ، لأن تجارب الشعوب أثبتت بأن تقييم الناس على اساس معتقداتهم هي رأس الفتنة والبلاء والنزاعات ، فالتعايش مع الاخرين يستوجب عدم حشر المعتقد في التعاملات الحياتية بين الناس وهذا ما نسميه بالدولة المدنية او الدولة العصرية. . . وهناك مستوى أخر هو المستوى الثالث وهو المستوى الادنى الضحل الذي تعيشه مجتمعاتنا هو استحالة الوصول الى احدى المستويات اعلاه لأن مداركنا مازالت تنقصها الكثير . في مجتمعاتنا هناك مستوى واحد لا يقبل القسمة على أثنين وهو إذا أردت العيش معي وانا الاقوى ان تتقبل سيادة معتقدي وافكاري .
فهل يتخيل احدنا ان الديمقراطية والحرية تستطيع ان تنمو في مجتمع من هذا النوع ؟ هذا يعني ان ثقافتنا المجتمعية هي بالحقيقة ثقافة ميتة ولكن الناس لا يشعرون . لذلك انا استغرب من بعض اصحاب المقالات وهم ينتقدون بعض الظواهر النابعة من ثقافة مجتمعاتنا اي انهم ينتقدون الظواهر السلبية التي تنبع من الثقافة الميتة ، ولا يتجرأون المساس بالاساس . ينتقدون السرقات ، ينتقدون العدوانية ينتقدون التمسك بالسلطة ، ينتقدون التقاليد والعادات ، ينتقدون العشائرية ، ينتقدون المذهبية في دوائر الدولة والبرلمان ، فهل تظنون ان الثقافة الميتة تنتج غير ذلك ! .
الميت عقلياً هو فقط من يتمسك بالثقافة الميتة وما أكثر الموتى عندنا ونظنهم أحياء . الأحياء فقط هم من يستطعمون و يستذوقون هذا الكلام ويجدون ضالتهم به اما الاموات فهم فرحون بما عندهم . . لا تلومن من يضطهدك بسبب افكارك و معتقدك فهو قد اضطهد عقله و تفكيره قبل ان يضطهدك لأنه تقبل الثقافة الميتة ووجد ضالته بها لأنه هو بالحقيقة ميت عقلياً ، ومشكلتنا عندما يكون الميت عقلياً هو من يدير شؤون الحياة للأخرين ، فكيف ستكون أدارته لها ؟ حتماً ستكون كما ترون امامكم ، رقص داخل قبة البرلمان على حب المذهب وكأنهم في تكية متناسين ماهية وظيفتهم التي كلفهم بها الناس .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here