عصام الياسري
اعتاد العراقيون على مفاجآت “عصبة السلطة” الحاكمة وحيثياتها على حياة المجتمع والمواطن، أيضا على مستقبل البلاد وأثرها لمنع تطور العراق وإعادة إعماره وتأمين حياة مجتمعه على المستوى المعيشي والاجتماعي والتربوي والاقتصادي والعلمي.
فإنذار تعديل قانون الانتخابات والعودة إلى وثيقة المحتوى الرقمي أو ما يعرف بـ “قانون مكافحة المحتوى الهابط”، لم يكن محض فكرة طارئة كان لها أن تخطر ببال لاعب النرد للترفيه عن نفسه. فكلاهما كان مطروحا على جدول أعمال تلك “العصبة” منذ مباحثاتها حول استلام السلطة بعد إعلان الصدر استقالة مجموعته النيابية الفائزة بعد ثمانية أشهر من إجراء انتخابات 2021 وعدم قدرته على شل “الإطار التنسيقي”، بسبب مراوغة “كتلة المستقلين” من جهة، وكيد مجموعة كتل حلفائه الكتلتين الفائزتين “السنية ـ الحلبوسي” و “الكردية ـ البرزاني” الذين أشاروا بعد قرار انسحابه من العملية السياسية إلى أنهم يراقبون المشهد السياسي بعد هذا التحول “اللعبة الغامضة” عن كثب. وكانوا في ذات الوقت يلعبون “لعبة انتهازية”. قائلين: إننا مستمرون في الحوار مع القوى والأحزاب الممثلة في البرلمان وبشكل خاص مع “الإطار التنسيقي”. وهذا بدوره بات يتحدث جهارا قبل عودته مع “أعداء الأمس” لسان حال “حلفاء اليوم” تشكيل الحكومة التوافقية، عن مشروع تعديل قانون الانتخابات كهدف من شأنه تحقيق الفوز في الانتخابات القادمة. وبعد أن رسخ (حلفاء الطابورـ القديم الجديد) اقدامهم في المجلسين “النواب والوزراء”، خطرت ببالهم (ضرورتان)، “تحييد المجتمع” و “تكميم افواه” المعارضين لطبيعة النظام الطائفي ـ التوافقي الشعبوي ـ لأسباب سياسية كيدية ترتبط بالاساس بمستقبل الإطار من حيث نظرية “نكون أو لا نكون”. فراح يكثف تواصله مع حلفائه في السلطة (السنة والكرد) للشروع في تسديد ضربة الجزاء لتمرير مسودة لائحة تنظيم المحتوى الرقمي “الوثيقة الملغومة” لإقرارها في البرلمان. كل ذلك ينطوي باختصار على رؤية الطبقة السياسية الحاكمة وخوفها على مستقبل كياناتها على الساحة السياسية، حسب قاعدة “استلمناها وبعد ما ننطيها “.
[[ كتب شاب أكاديمي من ثوار تشرين متسائلا.هاي بعض النقاط بخصوص قانون المحتوى الهابط: إذا كانت الحكومة جادة بإصلاح المجتمع ومحاربة المحتوى الهابط فلم لا:
تبدأ بإعادة النظر بالتعليم الإلزامي بدلا من التجنيد الإلزامي؟. إعادة العمل بالمسرح المدرسي؟. القضاء على عصابات التسول من الأرامل والأيتام وإدخالهم في برامج إعادة تأهيل لكي يكون نفعا للمجتمع لا ضرر عليه؟. تفعيل قانون تجريم عمالة الأطفال؟…
هنالك أيضا سؤال مهم جدا:
ما هي الآداب العامة وهل هناك مفهوم ومعايير موضوعة لها؟. وهل كلمة الآداب مطلقة أم نسبية؟.
بإحتصار: اللائحة التي تم تداولها، تدعو التخوف من أن يتم تجيير، ليس مغزاها فحسب، أنما موادها كلمة كلمة لصالح الحكومات وقمع منتقديها مستقبلا.
الحقيقة الكلام كثير بهذا الخصوص لكن هناك نقطة مهمة وهي: إن عقوبة السجن وسلب الإنسان حريته هو تعسف وتطرف لاستخدام قانون لا يمس المتهمين بصورة مباشرة بل يتعلق بحرية التعبير عن الرأي والطباعة والنشر الذي يشكل الخط الفاصل بين الحرية والعبودية. اذن لابد ان يكون من الأولى أن تكتفي المحكمة بالغرامة المالية)). انتهى
إنه لمن الغرابة بمكان انقلاب بعض المثقفين والحقوقيين القانونيين على مبادئهم ومواقفهم حد قلب المعادلة والالتحاق بركب المطبلين لتجميل صورة “وثيقة المحتوى الرقمي” أو ما يسمى بـ “قانون مكافحة المحتوى الهابط” والدفاع عن أيديولوجية أصحاب السلطة الذين كانوا إلى ألامس القريب على نقيضا مع مفاهيم وممارسات نظام البعث الإدارية والسياسية والقانونية، الأمر الذي يفسر توجهاتهم على أنها تتأرجح بين العودة للنهج القديم أو الانهيار الكامل لما يسمى بـ “العملية السياسية”، وكلاهما يزيد من عوامل نجاح مخططات المستفيدين من خارج الحدود. دون إعطاء الفرصة لأي طرف سياسي وطني عراقي يطمح لتحقيق أحلام المجتمع وحكم البلاد بالطريقة التي يراها مناسبة لأبنائه دون تمييز. وهو ذات النهج الذي كان نظام صدام يدور في فلكه حتى أتى من اعتلى السلطة من بعده منذ عقدين من الزمن.
عبر عدد من الناشطين والقانونيين والمراقبين للشأن العراقي، عن مخاوفهم من استخدام لائحة تنظيم المحتوى الرقمي التي تنوي هيئة الإعلام والاتصالات إقرارها، “لتجفيف أقلام” المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي و “كبح الحريات وتكميم الأفواه”، فيما يتعلق الأمر بالتعاطي مع “الفشل الحكومي” والفساد المستشري في البلاد. فيما يرى البعض: إن هذه اللائحة تحمل في طياتها سلاحا ذا حدين، وفي فقراتها بنودا كثيرة “ملغومة” بشكل يقيد الحريات وأهمها حرية التعبير، مشيرين إلى أن هذه القوانين ظاهرها إيجابي لكن باطنها سلبي غايته إعادة البلاد إلى „الدكتاتورية.. وعلى ما يبدو أن “الأطراف السياسية الماسكة بالسلطة” ترغب من هذه اللائحة تحصين نفسها، بالإضافة إلى استخدامها لتكميم الأفواه التي تنتقدها. حيث إنها تحتوي على بنود ملغومة وخطيرة بشكل تقيد الحريات، خصوصا حرية التعبير والبحث عن الحقيقة. وأخطر ما ورد فيها من فقرات: نقد الدولة والسلطات والشخصيات، حيث سميت استهدافا، وكل كلمة “استهداف” تحمل لغما خطيرا يقوض حرية التعبير ويعرض للمساءلة القانونية.
يقول الناشط المدني، عمر الطائي: ((إن” البلاد على شفا حفرة من الهاوية والانهيار، والقوى السياسية الحاكمة لا قدرة لها على معالجة الفشل، لذلك تلجأ إلى تكميم الأفواه خصوصا بعد الوعي السياسي للشباب بعد تظاهرات تشرين التي كادت أن تطيح بهم، لذلك يخشون من الشباب القادم الذي لا يملك إلا رأيه الحر وأدوات الديمقراطية لمعارضتهم „. ويتابع” طالبنا أكثر من مرة بتشريع قوانين تنظم ضوابط الرأي العام وغير ذلك، لكن بصياغة تخدم المجتمع دون جنبه سياسية، لكن للأسف يتم إهمال ذلك، وتجرى محاولات لتشريع هذه القوانين بطريقة تكمم الأفواه وتقدس السلطة وتهمل المجتمع الذي يعاني من الفضاء الإلكتروني السائب دون قوانين „)).