القولبة!!

القولبة من القالب والمقصود بها أن تضع الرؤى والتصورات والمدركات الحسية بأنواعها في قوالب , فتعكس ما فيها على ما يدور حولنا أو يتحقق في محيطنا البيئي والحياتي.
القولبة ظاهرة سلوكية قديمة , بدأها البشر منذ أن أخذت أعداده بالتزايد , وبإنطلاق المجتمعات والكينونات التفاعلية , وبدأت القولبة بالعائلة والمسميات التي تعطي فكرة عامة عن مجموعة أشخاص , فنقول بيت فلان , وعائلة فلان , ومن ثم عشيرة فلان , وقبيلة فلان , وقرية ومدينة ومحلة وزقاق ودولة وهكذا دواليك.
وفي عصر العولمة , التي من المفروض أن تحرر البشرية من نمطيات القولبة , نجد أن هذا السلوك تجسم وتجسد وصار شائعا خصوصا في وسائل الإعلام المعاصرة , التي أخذت نقولب الأشياء وتضع البشر في قوالب تشير إليهم.
وما نشاهده ونتابعه من أحداث وتطورات في وسائل الإعلام يخضع لقوانين القولبة الصارمة , ونمطيات عارمة لا يمكن الخروج عنها والنظر إليها بعين أخرى.
فإذا حصلت جريمة بشعة في مكان ما , فأن المجرم يجب أن يكون مطابقا لقالب ما , ووفقا لذلك يتم تسمية الجريمة , فبعض القوالب تعزوها لمرض عقلي , وأخرى لتأثير المخدرات , وقوالب غيرها تجدها عملا فرديا , وقوالب غيرها تضعها في خانات التطرف , وما يتصل به من مسميات ومشتقات ومعزوفات.
وجميع التوجهات تأبى أن تجد قالبا للإنتحار الذي يعصف بالوجود البشري , ويخطف أرواح أكثر من مليون شخص كل عام.
وبتسارع وسائل الإعلام وتحقيق الشهرة السريعة , أصبح المنتحرون يجدون غاياتهم بالقيام بأبشع الجرائم الإنتحارية , لكن البشرية تعجز عن وضعهم في قالب يتفق ومراميهم , وإنما تحشرهم فيما يحلو لها ويروق لمصالحها وآليات التسويق المربحة والمطلوبة.
وبتكرار آليات القولبة في وسائل الإعلام , تم وضع الأدمغة البشرية في قوالب وتغليفها وتعليبها , بما يحلو لصناعها ومروجي بضائعها القاسدة.
فإذا كنت من دولة عربية ومن دين الإسلام فأنك لا تصلح إلا لقالب واحد , وقالب واحد وحسب , مهما قدمت من أدلة وبراهين.
وهذا هو التعسف المعاصر , والإنحراف في التقدير والتقييم والإسهام بإخراج الجرائم من جوهرها , وإلقائها في محيط لا يعرفها ولا تعرفه , لكنها تلصق به لصقا!!
د-صادق السامرائي
26\7\2016

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here