إلى الأستاذ حسين سعدون مع التحية

محمد مندلاوي

منذ شهور وأنا أتابع في قنوات الـ”يوتيوب” الأستاذ حسين سعدون وهو يلقي محاضرات علمية قيمة، أو تستضيفه قنوات التلفزة كشخص لديه خطاب تنويري يتحدث فيه عن الحقائق العلمية والفلسفية وعن سبب تأخر المجتمع العراقي – العربي- باللحاق بركب الحضارة التي ترفع رايتها شعوب الغرب الـ(كافرة) كما تسميها الرجعية العربية نكاية بها، لكن هذه الشعوب المجدة في الحياة تسير نحو هدفها الأسمى بكل ثبات واقتدار وما من يوم يمر على البشرية ألا وأن تعرض على العالم شيئاً مخترعاً ومبتكراً أو مكتشفاً إبداعياً جديداً صناعية أو طبية أو اقتصادية أو أو إلخ.
مما لا شك فيه، يستحيل اللحاق بركب شعوب الغرب التي تركت خلفها شعوب الشرق بمليون سنة ضوئية، خاصة في العقود الأخيرة حيث بدأت الرجعية في الشرق الأوسط تقود العديد من البلدان في قرن الـ21 بعقلية القرن السابع الميلادي، بفضل هذه الرجعية صاحبة الفكر الماضوي يوماً بعد آخر تزيد الفجوة الحضارية بين شعوب البلدان التي تحكمها بقوة الحديد والنار وتملأ رؤوس أبنائها بأمور خرافية وغير منطقية لا تجدها حتى في أفلام الكارتون وبين شعوب الغرب المتعلمة والمتحضرة التي ترك خلفها تلك الشعوب كما أسلفنا بمليون سنة ضوئية أن لم تكن أكثر.
على أية حال، لنعود إلى صلب موضوعنا عن الأستاذ حسين سعدون الذي نحن بصدده. الذي أقوله عن هذا الشخص المثقف بكل معنى الكلمة للثقافة والذي لا يعرف التعب والإرهاق عندما يغوص في أعماق المواضيع العلمية التي يطرحها بسلاسة ورشاقة كلمات يجعل المستمع إليه يتمنى أن لا ينتهي من سرده الجميل. لكني كناقد كوردي – سويدي على قدر حالي، أرجو أن يسمح لنا الأستاذ حسين سعدون أن ننبه عن بعض النقاط التي أرى أنه شطح بها عن مواقعها، أعتقد أنه يستنبط تلك الكلمات أحياناً من ثقافة قديمة لا زالت شيئاً منها عالقة في منظومته الفكرية وتجري على لسانه، لا أقول في لحظة اللاوعي وإنما عند وقوعه جزئياً تحت تأثير تلك الثقافة..، لقد شاهدته ذات مرة وهو يتحدث عن آخر خلفاء بني أمية ألا وهو مروان بن محمد الملقب بالحمار، لكن الأستاذ حسين في إحدى محاضراته على الـ”يوتيوب” قال عنه: ابن الحمار. وهذا لا يليق بشخص باحث ومثقف من الطراز الأول أن يستخف بالآخر بهذا الأسلوب.. . ثم، لنا عدة نقاط قالها الأستاذ حسين لكنها لا تنهضم عندنا، لذا سنقف عليها ونناقشها بشيء من التفصيل. مثلاً، عندما يتحدث عن العراق كأي عربي آخر أجد في كلامه كأن العراق منذ الأزل وجد هكذا، وليس عصا الساحر البريطاني أوجده عام 1920 وألحق به عام 1925- 1926 جنوب كوردستان وبعده حمل الشعب الكوردي السلاح للدفاع عن الأرض والعِرض، هذا يعني أن العراق محتل لجنوب كوردستان،والآن يرزح تحت نير الاحتلال العراقي نصف مساحته بدءً من شنگاڵ (سنجار) مروراً بكركوك وخانقين ومندلي وقازاني وشهربان المستعربة إلى مقدادية وجلولاء وخسرو آباد المستعربة إلى سعدية وورازرو المستعربة إلى بلدروز وبدرة وجصان وزرواتية المستعربة إلى زرباطية إلخ. للتاريخ أقول أن كل العراق تاريخياً كانت كوردية، بدءً من سومر ومروراً بحقب أخرى، لابد إنك زرت طاق كسرى أنه آثار كوردي عمرها 2000 سنة لو تراجع يعقوب الحموي في كتابه الشهير (معجم البلدان) ستجد في زمن الحكم الساساني كانت إحدى أحيائه اسمها “كورد آباد” أي: معمورة الكورد. يا أستاذ لقد أحسنت في محاضرتك التي ألقيتها في كركوك حين قلت: الهجرات العربية المتتالية من الجزيرة العربية للعراق. إن كلامك هذا يعني أن العرب ليسوا بعراقيين أصلاء بل هم وافدون في أزمنة متعاقبة بعد ظهور الإسلام كعقيدة دينية، للأسف لقد نشروا مع التعاليم الإسلامية ثقافة البداوة العربية في عموم المنطقة. بينما الكورد ليسوا من الشعوب الوافدة، بل هم موجودون على هذه الأرض منذ آلاف السنين قبل أن تأتيها الجحافل العربية للسلب والنهب والسبي واحتلال الأرض احتلالاً استيطانيا استمر ليومنا هذا. على أية حال، نأمل من الأستاذ أن يقرأ شيئاً عن التاريخ الكوردي حتى يعرف جيداً من هم وما هو وطنهم. الذي نقوله له في نهاية هذه الجزئية، أن لا يذكر شيئاً عن عروبة العراق لأن الدستور الاتحادي العراقي لا يقول أن عراق عربي. وهكذا التاريخ يقول لنا أن العراق ليس عربيا.
النقطة الأخرى، إنه حين يتحدث عن البلدان التي فيها الناطقون بالعربية مثل بلدان شمال إفريقيا ومصر وسودان وسوريا ولبنان والعراق يصفها تارة بالعالم العربي وتارة بالوطن العربي مع إنه كباحث يعرف قبل غيره أن هذه البلدان لا تشكل لا العالم العربي ولا الوطن العربي ولا المغرب العربي، أن العالم العربي والوطن العربي في شبه جزيرة العرب، التي تسمى ببلدان الخليج واليمن فقط. للعلم، توجد على الخارطة رقعة أرضية تسمى العالم الغربي، أنها ليست تسمية عرقية بل جهوية؟ وتعيش على أديمها شعوبها منذ البدء. لكن أي شعب لظرف ما ينتقل من وطنه الأم إلى أوطان أخرى ويجبر شعوبها أن تهاجر لغتها وثقافتها وتتبنى لغته لا يجوز بعد كذا قرن أن يسمي هذه المنطقة بعالمه أو وطنه؟. لاحظ أمريكا الجنوبية 9،99% تتكلم الإسبانية هل سمع أحد ما في يوم من الأيام سميت أمريكان الجنوبية بالعالم الإسباني؟، وهكذا الدول الناطقة بالفرنسية هل سمع أحد ما إنها سميت أو تسمى بالعالم الفرنسي؟ بالطبع لا. لذا ننصح الأستاذ وكل من يردد مثل هذه المصطلحات التي فيها شيء من العنصرية لأنها تلغي شعوب وأوطان الآخرين في هذه المنطقة أن يهاجر هذه المصطلحات العنصرية المقيتة كعروبة العراق والعالم العربي والوطن العربي والمغرب العربي إلخ. من النقاط التي قالها ولم تعجبنا، شاهدته في إحدى المرات ضرب مثلاً بأتاتورك ذلك السفاح اللعين الذي كان مثل بقية أقرانه الأتراك الطورانيون دموياً ومجرماً لا يعرف الرحمة. هل يوجد شخص حسن النية يضرب مثل إيجابي عن هذا الحيوان بجلد بشري؟!.
النقطة الأخيرة، قبل أن أبدء بها أود أن أقول أني لست مع العنف ولا القتل نهائياً لكائن من كان سابقاً ولاحقاً ومستقبلاً. إن الأستاذ حسين وصف أبو لؤلؤة بالمجوسي، بلا شك كان زرادشتياً وهو دين قويم – بالمناسبة أن الدين كلمة كوردية قديمة موجودة في كتاب أفيستا المقدس كتاب الديانة الزرادشتية التوحيدية بهذه الصيغة: دئينا، وأفيستا كتاب مقدس دون قبل المسيح بسبعة قرون، وقبل الإسلام بأربعة عشر قرنا؟؟ من قبل النبي زرادشت (ع)- للعلم، إذا يلقب أبو لؤلؤة بالنهاوندي يعني أنه كوردي، لأن نهاوند مدينة كوردية في شرق كوردستان (إيران) وإذا لقب بالكاشاني نسبة لمدينة كاشان هي الأخرى أيضاً مدينة كوردية. لكن كتب التاريخ تقول أن أبي لؤلؤة كغالبية الكورد والفرس وغيرهم أسلموا تحت تهديد السيف العربي اسلم تسلم وإلا.. . ثم، هل يعرف الأستاذ أن أبي لؤلؤة سبيت زوجته وأولاده ولم يعثر عليهم لأنهم بيعوا في أسواق النخاسة؟، فلذا حمل في داخله حقداً شديداً تجاه من سبى أولاده وأولاد شعبه وباعهم في أسواق النخاسة كالبهائم. بعد قتل أبو لؤلؤة لعمر قام ابن القتيل عبيد الله بن عمر بقتل بنت أبو لؤلؤة وهي طفلة بريئة اسمها مرواري – Mrwari الذي يعني لؤلؤة بالعربية، في الإسلام أن قاتل البريء يقتل، لكن الجماعة تكلموا مع الخليفة عثمان بن عفان حتى يعفوا عنه وعفا عنه بذريعة لا يجوز بالأمس يُقتل والده واليوم يُقتل الابن؟.
هذا ونأمل من الأستاذ أن يدقق في كل كلمة أو مصطلح قبل أن يقولها لأنها قد تجرح المتلقي، وهذا ما لا يليق به لأنه كشخص تنويري انتقل بسرعة الصاروخ مِن مَن هذا..؟ إلى مَن هذا..!.

25 03 2023

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here