عتاب على هامش الفكر

عزيز حميد مجيد

أعلنتُ قبل أيام لبعض الاخوة المعنيين الذين يهمهم أمر الثقافة والفكر لبعض الحدود؛ عن وجود مجموعة من الكتب القيّمة أودّ تقديمها كهدية لمن يرغب مع حلول شهر رمضان المبارك ؟ و عادة ما أفعل ذلك بعد قرائتها, حيث تكررت معي لسبع مرات أهديت فيها مكتباتي للعالم بعد إنتهائي من قراءة مضامينها منذ سبعينات القرن الماضي بإستثناء مكتبتي الأولى التي تمّ حرقها من قبل بعض المقرّبيين أنذاك تحرّزاً من حملات البعث الجاهل الرجيم السخيم .. لأنهم كما جميع الأحزاب العراقية الحاكمة بآلزناد والعتاد تعادي الفكر و الثقافة و أهلها لأنها ضدّهم و نموها تعني إزالتهم .
و بعد إنتظاري لأيام من إعلاني؛ لم تصلني إشارة ايجابيّة من أحدهم بقبولها سوى سؤآل أحدهم ؛ إرسل لي الأسماء و إنقطع خبره و أهمل الامر هو الآخر؛ لذا قمتُ بإهدائها (الكُتب) الى المكتبة المركزية العامة في تورنتو/كندا يوم امس .. بعد ما تأكّدتُ من عزوف الناس عن القراءة و بعدم رغبة إخوتنا بإقتنائها رغم أنها كانت حقاً كتباً قيّمة و منوّعة و ربما نادرة في كندا على الأقل, فيها العرفانية والفلسفية والتاريخية والفكرية و العلمية و الدّينية و غيرها من الكتب التي درّستها بنفسي في مراكزنا و منتدياتنا الفكريّة حول العالم بضمنها كندا.
ولذلك سأُهدي البقيّة منها – كآلأدعية و القرائيّن و الكتب الدّينية و التفسيرية بنها (تفسير العارف الشيخ الأنصاري) توفى قبل قرن و نصف تقريباً, سأهديها لأحدى المساجد لأنّ المسلمين لا يقرؤون للأسف غيرها .. هذا إن قرؤوا رواد تلك المساجد .. ولا يقرؤون ..
حيث سبق انْ أهديتُ (مكتبة كاملة) قبل أعوام تضم آلاف الكتب و البحوث و الدراسات لاحدى المساجد(مسجد الرسول الاعظم) في تورنتو/شارع برومنزي و أعلنتُ للجّميع خصوصاً رواده العراقيين و غيرهم بتأسيس مكتبة كبيرة وسط المسجد بمساعدة المدير و صاحب المسجد الصديق السيد ابو صادق العلي أيّده الله .. و هي جاهزة للاستعارة بداخل المسجد و خارجه .. و الحقيقة برز في ليلتها أكثر من فرد أظهروا تعاونهم معي لترتيب و دعم المكتبة مجاناً .. لكن لا أحد منهم حضر ولم أرهم ثانية لحد هذه اللحظة.
و كذلك و للأسف لم يزرها أحد .. و لم يستعير منها عراقيّ أو عربيّ واحد كتاباً على مدى سنتين .. و كأنهم حلفوا بمقاطعة الكتاب و الكُتّاب .. لأنّ الكتاب كما أشرنا عدوّهم الأكبر الذي يؤرّقهم و كما أخبرهم بذلك الاحزاب كحزب البعث و الدعوة و غيرهما, لذا أستبدلوه بآلّلغو و آلبحث لإظهار عيوب الناس و تناول وجبة عشاء أو إفطار أو لقاء عابر لطرح أحاديث تافهة و هامشيّة لا تخلو من الغيبة و النميمة و الكذب نتيجة التقليد الاعمى و موت القلوب و الأيمان الصحيح للاسف!!؟
و الحقيقة إستوقفني و أذهلني تعامل الناس مع الكتاب و الفِكر و المُفكرين و لم أستطع إيجاد مخرج أو تفسير منطقي و معقول للأمر و سبب تلك المعاداة الجاهلية و تعاملهم مع الفكر و الثقافة و الأدب و التأريخ و اهلها و روح الدِّين الذي باتَ تقليديّاً و غطاءاً لدرّ الأموال و ملأ البطون ..
و للآن .. لم أصل لتفسير مقنع لهذا الأجحاف و الفساد العظيم ؛ سوى يقيني بإبتلائهم بآلجّهل (المركب) و ليس (البسيط) الذي يُمكن علاجه وسط العراقيين و أمثالهم من آلشعوب الاخرى .. هذا رغم إن شريحة كبيرة منهم عاشوا و يعيشون للآن داخل دول الغرب و في كندا مثلاً و لعقود و الذين يفترض بهم أن تأثروا بثقافة الغرب على الاقل من ناحية الأنتاج و العمل و المطالعة و دور العلم و الثقافة في الحياة .. لكن تراهم رغم هذا و كأنهم كانوا يعيشون في غابات الامازون, حيث يصرف أكثرهم ساعات ثمينة من عمره بآلهذيان و القيل و القال و الغيبة و النميمة مُنتظراً مأدبة إفطار أو عشاء على باب مسجد أو مركز ما حتى لو لم يكن يفهم لغتهم لتحقيق هدفه من الحضور بملأ بطنه .. بينما لو تدعوه لسماع محاضرة أو المشاركة في حلقة أكاديمية أو علمية لأحياء الفكر و ليستفيد قليلاً ؛ تراه سرعان ما يلوي رأسه و يتعذّر بشتى الأعذار .. هذا بآلنسبة لمن يعيش و يدرس أو درس في بلاد الغرب و أصبح بعضهم يحمل شهادات جامعية!؟
فكيف الحال مع الذين يعيشون بداخل بلداننا المقهورة المتخلفة أساساً .. خصوصاً الطبقة السياسيّة منهم و أعضاء الاحزاب المتحاصصة .. التي أقلّ ما يقال عنها و عنهم : إنهم وحدهم المسؤولون عن الخراب و الفساد و الظلم و الفرقة و عن ما جرى و يجري بشأن العراق و العراقيين على كل صعيد ..
هذا رغم إن العراق من أغنى دول العالم و لا يحتاج سوى لشيئ من الفكر و الأدارة العصرية و عبادة الله الواحد الذي يؤدّي للأتحاد الضامن لنصرتهم على كلّ معتدٍ و بآلتالي بناء العراق و رفاهه و سعادة شعبه الذي يعيش الأمرّين بسبب جهلهم و شهواتهم!!؟
و بإعتقادي أنّ آلسبب الرئيسي لمحنتنا بآلأضافة لما ورد؛ هو التقليد الأعمى الذي إبتلي به أعضاء الأحزاب و الكيانات التي تحكم الشعب عموماً !!
يقول الحكيم كنفسيوش العظيم, أمَامَ الأنسان ثلاث طرق :

الأوّل؛ يمرّ عبر التّقليد .. و هو أسهل الطرق.
الثاني؛ يمرّ عبر التجربة .. و هو أغلى الطرق.
الثالث؛ يمرّ عبر الفِكر .. و هو أسمى الطرق.

وللاسف ؛ الشيئ الوحيد ألغائب و ألمُعطّل في ساحتنا داخل و خارج العراق؛ هو الفكر بسبب جندرمة الأحزاب الجّاهلية التي تعبد الدولار والرّواتب الحرام بغطاء التدين الشكلي لتغرير الناس ..
تقبل آلله اعمالكم و طاعاتكم في هذا الشهر بعد التوبة القلبية و السلوكية و لا تنسونا بالدّعاء.
العارف الحكيم عزيز حميد مجيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتبر (كنفسيوش) و قرينه (لاؤتيسه) ؛ أعمدة التمدن و الحضارة الصينية, و المدنية الحديثة التي توصلت لها في عصرنا هذا ..
(الكونفوشية) أو (الكُنفُوشِيَّة) (بالصينية:儒家): هي مجموعة من المعتقدات و المبادئ في الفلسفة الصينيّة، طُورت عن طريق تعاليم كونفيشيوس (孔夫子) و أتباعه و كذلك قرينه الفيلسوف (لاؤتيسة) و أتباعه، و تتمحور بمجملها حول الأخلاق والآداب و العلوم و طريقة إدارة الحكم و العلاقات الاجتماعيّة والعلمية و غيرها !
أثّرت الكونفشيوسية في منهج حياة الصينيين, حيث حدّدت لهم أنماط وقوانين و سُلّم القِيم الاجتماعية, كما وفرت المبادئ الأساسية التي قامت عليها النظريات والمؤسسات السياسية في الصين.
إنطلاقا من الصّين؛ انتشرت هذه المدرسة الأرض – سماوية إلى كوريا، ثمّ إلى اليابان و فيتنام و غيرها، و أصبحت ركيزة ثابتة في ثقافة شعوب العالم و في مقدّمتها شرق آسيا و حتى مركز آسيا و غربها, و كذلك تمّ ادخالها إلى المجتمعات الغربيّة.
جلبت الكونفشيوسية انتباه العديد من الفلاسفة الغربيين بسبب تعاليمها التي تنطبق مع قوانين السماء العادلة.
ملاحظة : إن تزاوج الثقافات و تأثير بعضها ببعض وسط الشعوب الناهضة تعني مسألتان:
الأولى : تُدلّل على وجود شعوب ذكيّة قادرة على هضم و متابعة الثقافات بمخلتف ألوانها, فمثلاً لو نظرنا للشعب الإيراني و كيف إنها قبلت الأسلام إبتداءاً بعد فتحها زمن الخليفة الثاني, و كيف إنهم قبلوا الأسلام إبتداءاً على نهج الخلفاء الراشدين و لكنهم بعد قرون إطلعوا على فكر أهل البيت (ع) فقبلوه بكل سهولة و يسر و إنفتاح كفكر و ثقافة و حتى نظام للحياة بوعي و ليس بتعصب كما هو الحال مع الشعوب العربية و العراقية بشكل خاص و يمكن ملاحظة ذلك بوضوح وسط الأحزاب و التيارات المختلفة المتحاصصة الحاكمة اليوم و التي قفلت على نفسها و إعتبرت الفكر و الثقافة و أهلها العدو الأول لتنظيماتها التي بدأت تؤمن بآلأرهاب مع مرور الزمن و زيادة السرقات و الفساد و إنتشار لقمة الحرام بينهم, لهذا بات الأرهاب شرعياً بنظرهم للحفاظ على الحكم من أجل المال و الرواتب الحرام.
و هكذا لو تتّبّع مسيرة معظم شعوب الأرض تراها متقاربة نسبياً من هذه القاعدة .. و إلا لما كان مصير الأرض اليوم كما تشهدون !؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here