هل صحيح باسم الدين سرقونا الحرامية؟

حمزة الحسن

_ صناعة الرمز من داوود اللمبجي الى صدام حسين.
من يغضب لما نكتب،
هناك حيطان باقية يمكن أن يضرب رأسه بها،
فلم يبق ما يخسره الناس،
ولنبصق الحصاة ونتكاشف بلا هذه الرطانة
فلسنا جوقة انشاد في كنيسة أو محراب،
أو ثكنة أو سجن أو مقبرة،
ففي هذه الأمكنة تتشابه اللوائح والعناوين والعقائد،
ومن حق الكاتب أن يعلن الولاء للحقيقة بصرف النظر عن قبول او قناعات الآخرين،
بل من واجب الكاتب ايقاظ الناس على الأوهام القاتلة،
وهو نوع فريد من الاخلاص والحب بل التضحية من أجل هؤلاء،
وأفضل من التبخير والتقديس الفارغ والتبجيل الاعمى للمعتقدات والقناعات العامة المهلكة،
كما كان يفعل بائع الاوهام المثقف الداعية.
من يريد ان يتحذلق ويتقعر فله الحق لان الكتابة نوع من الغوص وهناك من يشرق في بحر وهناك من يغرق في طشت والبشر قدرات وامكانيات وثقافات.
اذا كان الوطن قد استوعب كل هذا العدد من القتلة واللصوص والمافيات والعصابات،
ومن المزورين والمهرجين والحثالات من كل الأنواع،
ومن الجيوش والمخابرات ورجال القوات الخاصة الاوروبية والعربية،
ومن شركات غسل الأموال وغسل الضمائر،
ومن معامل انتاج اسلحة كيمياوية من قبل ارهابيين،
فلماذا يبخل على المثقف المختلف حقه في الاحتجاج المسالم بالكلمة وليس بغيرها؟
هل صحيح باسم الدين سرقونا الحرامية كما تردح الجموع في الشوارع؟
وهل يحتاج العراقي الى دين لكي يُسرق باسمه؟
ثم متى كان العراقي غاطساً في محراب الصلاة،
وقد عُرف عنه عبر التاريخ بالتدين المعتدل وليس التطرف الديني او التعصب الأعمى،
حتى كان بعض الاصدقاء من الشيوعيين ينزلون أيام عاشوراء،
الى المواكب من باب مشاركة الناس الحزن العام،
مع ان الشيوعيين لا يحتاجون الى مواكب للنواح،
لأن لهم أيضا مناحتهم التي لا تنتهي منذ فشل كومونة باريس،
وانهيار السرديات الشمولية العامة،
الى فشل انتفاضة معسكر الرشيد بقيادة حسن سريع…والخ؟
هل توقفنا يوما عند هذا الشعار نقداً وتحليلاً وتفكيكاً،
وحفرنا في العمق لنعرف، فقط ان نعرف،
هل صحيح باسم الدين سرقونا الحرامية؟
ولو لم يكن هناك دين في الانتخابات من باب ضرب الامثال،
هل كانت الانتخابات ستكون نزيهة،
أم ان الأمر عكس ذلك:
بدين أو بلا دين كنا سنُسرق؟
هل نسينا قرنا من المذابح والسرقات باسم الاشتراكية والحرية والوحدة والقومية والبعوض والمزبن واليسار وتروتسكي وعفلق والبعرور والسعادة والوطن السعيد الضاحك الذي لم نره الا في صورة جبن الابقار الهولندية الضاحكة؟
العراقي خبير بصناعة الرموز ويستطيع اي نصاب وسرسري ان يصبح رمزا . في المبغى العام في الصابونجية امام وزارة الدفاع وخلف محل لبن اربيل؛ المكتبة الوطنية اليوم؛ كانت حسناوات المبغى يحلفن بروح البطل داوود اللمبجي حارس الجسد من الرغبات المنفلتة، وفي شارع بشار في البصرة في حرب الخليج الاولى يحلفن بروح البطل صباح الذي قتل في مواجهة مع الشرطة وهو يدافع مثلنا في الحرب عن شرف الحرائر من الذي لا يدفع او لانه صار رمزا ينافس الرمز الوحيد في قبو تعذيب يسمى كذبا بالوطن.
العراقي سهل الاختراق من أي نصاب ودجال في كل شيء،
في السياسة والثقافة والبيع والشراء وفي القناعات،
ولا يحتاج الى فلسفة وعلم لكي يصدق كل ما يقال له،
لأن البنية العقلية محطمة والعقل مستقيل.
لماذ ليس بإسم الديمقراطية والتحرر والقضاء على الدكتاتورية
سرقتنا الرأسمالية؟
لماذا نطالب اللصوص بالعدالة ولا نطالب من فتح لهم
الأبواب للنهب بالعدالة؟
وهل تتوفر العدالة في الولايات المتحدة نفسها والرئيس الجديد
إستبدل حراسه خوفاً من ولاء بعضهم لترامب وإغتياله؟
اذا كان الرئيس الجديد يخاف على نفسه من الرئيس القديم،
فكيف يؤتمن هؤلاء لحراسة وطن محتل؟
مع اننا لا نستخدم لغة الجزم والبتر واليقين المطلق في الكتابة،
لأن اللغة ليست الواقع نفسه بل مقاربة وشك واحتمال،
لكننا نستطيع القول بيقين مرتاح مستند على ترسانة من الوقائع والحقائق على ان مهزلة الانتخابات كانت عرضاً مسرحياً فجاً،
وان الحاسوب، حاسوب لجنة الانتخابات، والحاسوب الامريكي،
وليس الدين، هو الذي قرر النتائج النهائية،
وان الجمهور الذي مازال يتوهم حتى اليوم انه انتخب هؤلاء،
وانهم سرقوه يحاول الهروب من الحقيقة القاتلة،
وهي انه شريك ومسؤول ليس في انتخاب هؤلاء،
بل في منح الشرعية الشعبية لمؤسسة الحكم،
في الصمت الطويل، التواطؤ الذليل الصامت، في الصبر على المذابح والنهب،
في تقديس وتبجيل الأوهام والاساطير المنتجة لهذا الصنف من النظم.
كانت مؤسسة الحكم جاهزة قبل الاحتلال،
وكان استبعاد العناصر الوطنية والمثقفة والنزيهة ومن أصحاب الرؤوس الحارة،
كما تنص وثيقة التوجهات السرية الامريكية صراحةً،
أمراً مدروساً وموثقاً،
وكان الاغتيال أو الاندماج أو الاقصاء او الاغراء هي خيارات اليسار والنخب الوطنية والنقابات والمحتجين والمثقفين الساخطين،
وقد رأينا التساقط المروع لنخب العلم والاعلام ورجال القانون وعلماء الاثار والشخصيات الوطنية،
من كامل شياع الى عز الدين سليم،
على الرغم من تبني الارهاب مسؤولية ذلك،
لكنه الاختراق المخابراتي للتغطية على القاتل الحقيقي.
تنص وثيقة التوجهات السرية،
وقد كتبنا عنها مرات قبل الاحتلال وبعده،
على ان ” الاعمال القذرة” أي المخابرات هي الخيار المتاح الوحيد أمام العناصر المحتجة والساخطة وتقول حرفياً بصفاقة:
” مع الانكار النظري المقبول” في حال توجيه اصابع الاتهام.
يمكن القول بكل ثقة ان عناصر وطنية أومستقلة قد حصلت في مهزلة الانتخابات على أصوات كثيرة جدا بحيث تستحق الفوز،
لكن تمت التسوية في الحواسيب،
وأُقصي هؤلاء،
وكانت المناصب في البرلمان والوزارة تبُاع وتُشترى بالملايين في سوق سري خلف الكواليس.
هل يحتاج العراقي الى دين لكي يُسرق وكيف نسينا الشعار المكسيكي الذي يقول ( العراقي شيمه وخذ عباته)،
وقد كان يضرب كأس أولها بكأس آخرها،
ومدن الكاولية صاخبة بالسهر حتى مطلع الفجر،
وقد كتبنا رواية عن هذه المدن ” حقول الخاتون”،
ولا نعمم هذه الصورة على الكل، حتماً؟
لنفترض جدلاً ان هؤلاء سرقوا الناس بإسم الدين،
لكن كيف يمكن للناس أن يُسرق منهم وطنهم بأي إسم كان وتحت أي شعار؟
يمكن الاحتيال على الانسان وسرقة نقوده وعباءته وسيارته وهاتفه الخلوي،
لكن أن تسرق وطنه بكل ما في ذلك من هلاك وخطر وضياع،
بهذه الذريعة أو تلك،
فهي مسؤولية المسروق وليس السارق،
مسؤولية الوعي الخاوي الذي فشل في بناء مصدات وقائية من الخداع وشبكة حماية من كل أنواع الغش،
سواء الغش في الانتخابات أو الغش في التتن.
ليس بإسم الدين، رغم الدجل والشعوذة والخطابات المشجعة على انتخاب هذه الدمى،
هي التي أوصلت هؤلاء الى الحكم،
بل وصل هؤلاء بإسمين:
الحاسوب،
وجهل الناس بحقيقة ما حدث ويحدث،
الذين يحاولون الفرار من شراكة الكارثة،
الى وضعية الضحية،
مع ان من المستحيل في العالم لمؤسسة حكم من هذا النوع أن توجد وتحكم وتتغول،
لو لا هذا الجمهور الصامت جيش السلطة الاحتياطي ايام الغليان
وغير القادر على الوقوف على مصيره،
رغم انه يرى النيران تشتعل في الدار،
والوطن يتداعى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here