أشياء من هذا القبيل : ما قاله كان أكثر حكمة وجمالا !
بقلم مهدي قاسم
كانوا – وهم متطوعون من عشاق الطبيعة وحراسها الأمينين والمخلصين – يخوضون في النهر ، منحنين حتى الخصر لالتقاط خرق بالية ، أكياس ممزقة ، علب فارغة ، أوراق مستعملة ، قطع حديدية مزنجرة ، أشياء بلاستيكية وخردوات بيتية أخرى ، فضلا عن علب سجائر وأعقابها المتفحمة ، يجمعونها بمثابرة واهتمام و جدية وحرص واضح ، يلتقطون كل ما تيَّسر من مخلفات البشر المستهلكة ، ثم يضعونها في أكياس زرقاء خاصة جلبوها معهم خاصة لهذه الغاية ، لغرض نقلها فيما بعد إلى مواقع النفايات المخصصة خارج المدن ..
سبق لهم أن بذلوا نفس الجهد المضني طوال اليوم في تنظيف عدد من غابات من مخلفات البشر المماثلة ، عند ضواحي المدينة ..
حينذاك علق أحدهم بسخرية لاذعة ماسحا براحة يده قطرات عرق متجمعة حول جبينه ، وهو يشير إلى مئات أكياس كبيرة مصطّفة جنب بعضها بعضا ، مليئة بالنفايات :
-إن كثيرا جدا من البشر غير المبالين يوَّسخون كما لو كانوا بهائم هائمة ، حول أماكن تواجدهم ، أينما حلوا ورحلوا ، عندما يجدون أنفسهم بعيدين عن عيون مراقبة أو معاقبة ..
انبرى شخص آخر متفقا بتعليق بنبرة حسرة و أسى :
‐ لعل من سخرية قدر أن يقوم بشر بتخريب جنة الله على الأرض بكل هذه النفايات والقاذورات وتلويث الهواء بالدخان و السخام وهم أكثر تمتعا بجمال الطبيعة من غيرهم من مخلوقات الأرض الأخرى ..
قال متطوع ثالث بلهجة ازدراء :
-الشيء المؤكد أن البشر هم أخطر المخلوقات إطلاقا على الأرض لإنهم يملكون عقلا تدميريا متفننا في تخريب الطبيعة ..
بدا لي كل هذا ، كلاما عاديا يعبر عن نفسه في سياقات روتينية معروفة ..
إلا إن ما أثار انتباهي جيدا ، ما قاله متطوع رابع ، كان أكثر حكمة و جمالا ومثيرا لتأمل وتفكير حقا ، حينما قال بنبرة جدية أقرب إلى لهجة التمني :
‐ يا ريت لو خُلقنا نحن البشر بنفس احتياجات الأزهار و النبات والأشجار من قوت قليل و يسير بسيط ، أي على نحو إن نكتفي بالعيش على نور الشمس ونسمة الهواء وعذوبة الماء فقط ..وربما على شيء قليل من حبوب وفواكه فحسب ، كما في حالة عصافير وفراشات مثلا !..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط