خسائر هائلة… كيف يواجه إقليم كردستان تداعيات قرار هيئة التحكيم الفرنسية؟

رستم محمود

حقل نفط في إقليم كردستان العراق.

أشاع إعلان مسؤول في إقليم كردستان العراق التوصل إلى اتفاق مبدئي مع بغداد لاستئناف صادرات النفط من الشمال هذا الأسبوع، أجواء إيجابية حيال إمكان إيجاد حل للأزمة عقب حكم هيئة التحكيم في فرنسا بشأن تصدير النفط.

وقبل اتضاح ما ستؤول إليه الأمور، لا تزال مختلف القطاعات الاقتصادية في إقليم كردستان تعاني من حكم الهيئة التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، والذي قضى بعدم مشروعية تصدير تركيا للنفط المستخرج من إقليم كردستان عبر الأنبوب النفطي الذي يربط الإقليم بميناء جيهان التركي.

ويتوقع أن ينتقل التأثر الاقتصادي والمعاناة إلى الجوانب الأخرى من الحياة العامة في الإقليم، وإلى العلاقات السياسية مع الحكومة المركزية والأوضاع الاجتماعية والخدمات وغيرها، فالإقليم يعتمد اعتماداً رئيسياً على تصدير النفط كمصدر رئيسي، وشبه وحيد لموارده العامة.

تسريع الاتفاقات مع بغداد
انطلاقاً من ذلك، يبدو أن إقليم كردستان صار يعمل على أكثر من مستوى، وفي المقدمة تكثيف اللقاءات مع الحكومة المركزية، لتسريع الاتفاقات الثنائية التي تم التوصل إليها بين القوى السياسية العراقية المؤسسة للحكومة الجديدة، والتي من المفترض أن تُشرعن تصدير إقليم كردستان للنفط، من خلال إيراد ذلك في قانون الموازنة العامة المطروح على البرلمان المركزي، والذي سيغطي ثلاث سنوات مقبلة، وكذلك إقرار قانون النفط والغاز توافقياً، والذي سيكون الحل النهائي لهذه القضية العالقة بين الإقليم والسلطة المركزية.

ووفق الأرقام غير المُدقّقة، فإن إيقاف تصدير نفط إقليم كردستان عبر تركيا يعني خسارة الإقليم لعوائد مالية لقرابة 400-500 ألف برميل يومياً. وهو أمر تناهز أسعاره، بحسب أسعار برميل النفط راهناً، ما يزيد عن 25 مليون دولار يومياً، أو قرابة 750 مليون دولار شهرياً على الأقل، يحصل منها الإقليم على ما لا يقل عن 450 مليون دولار صافية، بعد حساب المصاريف والنسب المستقطعة لمصلحة الشركات العامة في الإقليم.

الخسارة الصافية الإسمية التي سيعنيها هذا القطع، فيما لو استمر لعام كامل، تبلغ نحو 10 مليارات دولار، وهو المبلغ الذي سيحسم من الموازنة العراقية، التي من الواجب أن تدفع لإقليم كردستان ما نسبته 12.6 في المئة من الموازنة العامة، بعد اقتطاع المصاريف السيادية. وهو ما قد يشكل أعباءً إضافية على الاقتصاد العراقي، الذي يعاني بحسب الموازنة السنوية المقدمة عجزاً مالياً واضحاً، كذلك فإن مراقبين صاروا يستشعرون تراجعاً في أسعار النفط في الأسواق، الذي أقرت الحكومة العراقية أنه سيكون بسعر 70 دولاراً للبرميل الواحد.

ضربة سياسية من باب القانون؟
الباحث في الاقتصاد السياسي ستران باغجلي شرح في حديث لـ”النهار العربي” الطبيعة المركبة للتأثيرات التي سيخلفها القانون، للطرفين، سواء للحكومة المركزية أو نظيرتها في إقليم كردستان، وقال إن “الأمر على أرض الواقع لا يبدو موافياً لبعض أدوات التعبير التي خرجت بها بعض الشخصيات والقوى السياسية العراقية المركزية، والتي تعتبر القرار بمثابة إخضاع قانوني دولي لإقليم كردستان لمصلحة المركز. فالإقليم، وإن كان يعتبر الأمر بمثابة ضربة سياسية – قانونية له في هذا الوقت الحرج، قبل إقرار قانون النفط والغاز بأشهر عدة، والذي يزيد من سطوة المشرعين المركزيين وتطلعهم لوضع قانون بحسب رؤيتهم المركزية، واعتبارها مطابقة لشروط المحاكمة الدولية، لكنه في مقابل ذلك يخلق أزمة اقتصادية شديدة للحكومة المركزية، فتوقف النفط سيلغي آخر حججها بعدم الدفع للإقليم، وهي فعلياً لا تستطيع التحكم بالنفط واستخراجه وتصديره من إقليم كردستان”.

يضيف باغجلي أن “إسراع الحكومة المركزية العراقية إلى تأكيد حرصها على تصدير نفط إقليم كردستان يدل على حقيقة تداخل الملفات تداخلاً رهيباً، وعدم قدرة أي طرف على إنهائها بأدوات حاسمة. فقرار هيئة التحكيم الدولية يتعلق بأنابيب النفط المصدرة عبر تركيا، وليس باستخراج النفط وتصديره من إقليم كردستان. كما أن المستويات الأربعة التي رفضت الهيئة إقرارها لمصلحة الحكومة العراقية، تقر بوضوح كيف أن المستخرجات النفطية وعمليات التصدير إنما تمت لمصلحة الموازنة العمومية للإقليم وسكانه فعلياً. ولأجل ذلك أقرت الهيئة عقوبات مالية على تركيا بنسبة 2.6 في المئة فقط مما طالبت به الحكومة العراقية”.

إلى جانب نفط إقليم كردستان، فإن الحكومة العراقية كانت تصدّر عبر الأنبوب ذاته قرابة 85 ألف برميل نفطي من مستخرجات محافظة كركوك، والذي قد يخلق خسائر إضافية للحكومة العراقية، ويوقف العديد من اتفاقاتها مع الشركات العالمية العاملة هناك.

أزمة الكهرباء
في السياق نفسه، أعلنت وزارة الكهرباء في إقليم كردستان تراجع معدل تجهيز الطاقة بمقدار 330 ميغاواط في محطتي كرميان وخورمله بسبب توقف إنتاج النفط في الإقليم: “حالياً وفي محطة كهرباء كرميان التي تنتج الطاقة بغاز حقول حسيرة النفطي، انخفض معدل الكهرباء فيها بنحو 80 ميغاواط، وفي محطة خورمله في أربيل انخفض الإنتاج بما معدله 250 ميغاواط”. كما أعلنت شركة DNO النروجية التي تنتج 107 آلاف برميل من النفط يومياً في حقول تاوكي وفيشخابور، أنها بدأت إغلاق آبارها لعدم وجود أماكن للتخزين، وهي خطوة أقدمت عليها شركات أخرى أيضاً للسبب ذاته.

التحركات المباشرة التي بدأتها حكومة إقليم كردستان دلت على رغبتها بالتهدئة التامة، والالتزام بقرارات الهيئة الدولية، والضغط على الحكومة المركزية للإسراع بالاتفاقات الثنائية، أو نيل تصريح واضح منها يشرعن عملية التصدير بحكم الأمر الواقع، أما إذا بقي الأمر على حاله، فسيرتب أضراراً كثيرة على اقتصاد العراق والعلاقات الثنائية بين الإقليم والحكومة المركزية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here