كيف أدى الفنان عبدالرحمن أبوزهرة دور زعيم الصعاليك ورفيق الشنفرى فى مسلسل «صعاليك لكن شعراء»؟


صورة تعبيرية
DeelFacebookTwitterWhatsAppTelegramLinkedIn
محمود الدسوقي
في عام ١٩٨٨م، أدي الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة ، دور زعيم الصعاليك، في مسلسل “صعاليك لكن شعراء”، مع كوكبة من النجوم العرب والمصريين أمثال سعد أردش، ومني واصف، ومحمود الحديني، وأشرف عبد الغفور وآخرين، حيث استعرض المسلسل، قصة الشنفري الأزدي من طفولته حتى مصرعه على يد قبيلته فهم الأزدية اليمنية.

والفنان عبد الرحمن أبو زهرة، الذي يرقد على فراش المرض فى تلك الأيام، يُعد نموذجا للفنان المتمكن من أدواته سيما اللغة العربية الفصحى، لذا فإنه شارك في الكثير من الأعمال الدرامية التاريخية سواء على خشبة المسرح أو شاشة التليفزيون.

وفي مسلسل “شعراء لكن صعاليك” أدى أبو زهرة دور زعيم الصعاليك الذي احترف الصعلكة، وكون عصابة خرجت على تقاليد قبيلته، وكان مُطاردا منها، حيث جمع كافة المطاريد من القبائل، وجعلهم في مكان واحد، تجمعهم تقاليد الصعلكة، وقوانينها التي صاغوها بأنفسهم، وقد كان له دوره في رعاية الشنفرى الأزدي في رحلة عذاب منذ طفولته بعد طرد والدته من قبيلة والده واحتماءها بقبيلتها، وكان له دوره أيضا في جمع الصعاليك حول الشنفرى واحتضانهم له.

لكن من هم الصعاليك، وكيف تنامي دورهم الاجتماعي ونتاجهم الشعري في العصر الجاهلي؟

بدورها تجيب الدكتوره فاطمة الزهراء محمد فوزي مدرس مساعد الأدب والنقد بكلية آداب قنا عن هذا السؤال لـ”بوابة الأهرام”، قائلة إن طائفة الشعراء الصعاليك ، هم طائفة من الشعراء التي أرادت لنفسها حياة أخرى أو مصيرًا آخر غير الذي كانوا عليه ، ورغم تغير تطور فكرة الصعلكة عبر العصور العربية إلَّا أنها سارت في درب متشابه الجدران في كل الأزمنة والأمكنة؛ لقد تغيَّرت الفكرة من الجاهلية؛ حيث كانت الصعلكة حركة إنسانية في المرتبة الأولى، وكان زعيم الصعاليك عروة بن الورد العبسي أو “عروة الصعاليك” ـــ كما كانوا يطلقون عليه ـــ قد اعتاد أن يقطع الطرق ويستولي على قوافل الأغنياء ليوزعها على الفقراء والمحتاجين في لمحة إنسانية عظيمة عاش بها ولها الرجل، هكذا كانت الصعلكة في ظل الجاهلية العربية حيث لا قوانين ولا اقتصاد عادل التوزيع ولا منظمات ولا دولة، لكن الأمر تطور في العصور التالية لتصبح الصعلكة لصوصية.

وأضافت فاطمة محمد فوزي، أن الصعلوك الشاعر أو اللص الشاعر يسرق لنفسه ويطارد من أجل نفسه، ويقطع الطرق من أجلها أيضًا، وهكذا رأى بعض الدارسين لهذه الحركة أن يطلقوا على شعرائها في العصور التالية للعصر الجاهلي “اللصوص”.

ومسلسل صعاليك ولكن شعراء، مسلسل تلفزيوني مصري يتناول حياة الشنفرى الأزدي، إنتاج مركز دبي للأعمال الفنية، إخراج: تيسير عبود وتأليف: طه شلبي، والإنتاج: لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأدي دور الشنفري الفنان الراحل محمود مسعود، وأدي الفنان أحمد عبد العزيز دور تأبط شرا، ابن أخت الشنفرى، بينما أدي الفنان أحمد ماهر دور عمرو بن براقة، حيث استعرض المسلسل سيرة الشنفرى واجتماع الصعاليك العرب مع زعيم الصعاليك الفنان عبد الرحمن أبو زهرة ، قبل أن يلقي مصيره في القتل غدرا، وهو يحاول الدفاع عن فكرة الصعلكة .

وتناول المسلسل قصة الشَّنْفَرَى، وهو ثابت بن أوس الأزدي (توفي نحو 70 ق هـ = 525م) ، وهو شاعر جاهلي، من فحول الطبقة الثانية، بحسب ما قسم محمد بن سلام الجُمحي فى كتابه “طبقات فحول الشعراء”.

وقد كان الشنفرى من فُتاك العرب وعدّائيهم، حتى قيل أنه كان يجارى الخيل في عدوه ويقوم بغاراته دون ركوبه، وهو أحد الخلعاء الذين تبرأت منهم عشائرهم. قتله بنو سلامان أهله، والشنفري هو صاحب قصيدة “لامية العرب” التى تعد أحد عيون الشعر العربي، وتفيض بالفخر الشخصي والتبرؤ من قومه وهجرته لهم، مفضلا أن يقاسم وحوش البرية المسكن على أن يمكث في قبيلته، قائلا:

أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ

فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ

وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ

لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ

وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ

هُمُ الرَهطُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ لدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ

وقد أظهر المسلسل اهتمام زعيم الصعاليك الذي أدي دوره عبد الرحمن أبو زهرة في حفظ لامية للشنقري وحثه على ترديد أشعاره.

وتقول فاطمة الزهراء محمد فوزي ، إن الصعلكة كفكرة نشأت لرفض الظلم والتحكم وتبحث عن الذات ـــ وإن تمثل ذلك في قوت اليوم أحيانًا أو مجابهة السلطة في أحايين أخرى ــ لم تغادر نفوس هؤلاء الشعراء الإسلاميين والأمويين، ومن قبلهم الجاهليين هذه الفكرة، ومن أجلها طوردوا وقطنوا الفلوات وصاحبوا الوحوش ، وظهر ذلك في أجلى صوره في أشعارهم في الحنين والشوق إلى مواطنهم وأيام صباهم ؛ إذ كانوا يصوِّرون حادثة الصعلكة ويعقبونها بتعقيب يمثل مشاعرهم.

وأضافت أن الصعلكة في المعنى الاصطلاحي لها؛ حركة إنسانية شعرية تبنَّاها مجموعة من الشعراء في العصر الجاهلي واستمرت في العصور التالية في أشكال أخرى معبِّرين عنها في أشعارهم، وعمل أصحابها بقطع الطرق والسرقة والنهب باختلاف الأسباب والمسببات على مر العصور، كما تدور لفظــة الصعلكة في المعـــاجم وكتب التراث على نحو وفير حول معنى الفقر والحاجة، فالصعلـــوك عند الزبيديّ “الفقير الذي لا مال له”، وثمَّة بوْن شاسع بينها وبين اللصوصية؛ إذ إنها تحمل معنى لغويًا أعم وأشمل من الصعلكة، وعليه فالصعلكة يندرج تحت مسمّاها أشخاص يحملون سماتٍ وأقدارًا خاصة قد لا يحملها اللص، مؤكدة أن الفقر عامل مشترك بين الصعاليك واللصوص في غالب الظروف، وإذا كان الفقر من أهــم الدوافع إلى الصعلكة فإن ما يميز الصعاليك عن غيرهم من الفقــراء أنهم رفضوا أن يعيشوا عالة على غيرهم، وأن يجعلوا من أحد الناس عمادًا لهم، في حين رضي بعض الفقراء لأنفسهم عيش الذل، وفي ذلك يقول بكر بن النطاح :

ومن يفتقرْ منّا يَعِشْ بِحُسَامِه

تناول المسلسل عذابات الشنفرى، وهو يجمع بيض النعام ليضع فيه الماء بعد حصار قومه له، وعذاباته مع زوجته التي لم تكن تبادله الحب إلا الثأر لأبيها، كما أظهر أيضا وفاء زعيم الصعاليك الذي واجه قوم الشنفرى دون هروب من مغارته مع رفاقه ليقتل غدرا، كما تناول المسلسل تمكن قوم الشنفرى وهم قومه من ضبطه وقتله لتنتهي حياته.

وتوضح الدكتوره فاطمة محمد فوزي إن الصعاليك كانت حركــة إنسانية وأدبية، حيث كان لجغرافية المكــان (الجزيرة العربية) أثر بالغ في نشأة هذه الحركة من حيث قســـوة الحياة والطقس وعدم مـيل العربي للاستقرار والتفاوت ما بين أرض الفقر وأرض الثراء، ولقد اتخذ الصعاليك من مناطق الخصب في الجزيرة العربية أهدافًا لهم يتجهون إليها، ومناطق نشاط يعملون فيها ، وبطبيعة الحال كان للبيئة الجغرافية أثرًا مباشرًا على البيئة الاجتماعية للعربي وبالتالي على نشأة حركة الصعلكة كنتيجة للتفاوت الشديد في الحالة الاجتماعية لأبناء الأرض الواحدة.

لكن الأمر تباين عندما أشرقت أنوار الدين الإسلامي على الجزيرة العربية، واختفت إلى حد كبيـــر ظــــاهرة الصعلكة، وقل الشعراء الصعاليك في صــدر الإسلام قلة ملحوظة وتضاءل نشاطهم تضاؤلًا شديدًا؛ بسبب أن العوامـــل التي أدت إلى نشـــوء الصعلكة في الجاهلية قد ألغاها الإسلام واستأصلها، حيث انتصر للفقراء وأعلى من قيم المساواة بين أفراد المجتمع، فالناس سواسية كأسنان المشط، ولم يتبق منهم إلّا رمقًا أخيرًا لولا هؤلاء الذين بقوا على حالهم الجاهلية ومارسوا حياة الصعلكة كما هي .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here