الثورة الصينية، كيف حدثت ؟ (*) د. رضا العطار
قبل الدخول في صلب الموضوع يقدم كاتب السطور الملاحظات المقتبسة من كتاب
( الطريق العظيم، حياة تشودة وعصره ) لاغنس سميد لي، بقصد اغناء مادة الحديث.
( قبل ثورة ماوتسي تنغ بمئة عام اي في 1848 كانت في الصين ثورة الفلاحين بقيادة التايبنغ، التي لم يتجاوز سلاح الثوار فيها عن الكوز والنشاب، ومع ذلك انتصرت الثورة لكن الى حين، حيث قبعت بتدخل القوى العالمية وعلى راسها بريطانيا التي اعادت بيع الافيون قانونا بعدما حرمته الثورة المنتصرة، التي كلفت زهاء عشرين مليون قتيل.
* كان الفلاح الصيني يستدين من تاجر الرز بعض الطعام لأسرته، فاذا عجز في نهاية العام تسديده، كان التاجر يأخذ احدى بناته لبيعها في سوق الدعارة. اما اذا كان طفله رضيعا، فسوف يباع في اغلب الحالات الى سماسرة، نفوسهم قاسية كالضواري المفترسة وقد خلت من مسحة الأنسانية، يقومون بتشويه شكل الطفل، كأن يشدون ارجل الرضيع الى رقبته من الخلف مدة اشهر حتى يصبح منظره البشع كافيا لعمل الشحاذة، بهدف جلب عطف المارة في الطرقات. وبهذا العمل الأجرامي الذي ينأى الحيوان ممارسته، يجني السماسرة الصدقات التي تُرمى الى الطفلة المنكوبة.
* كان جموع الجياع يهاجمون قلاع الأغنياء للحصول على الطعام، خاصة عندما ينقطع المطر، كان هذا الهجوم يكلفهم زهاء مائة قتيل بالمعدل.
* كان بعض الفلاحين الجياع يعمدون الى غرق مولودهم الجديد بعلة شحة الغذاء.
* كان جماهير الجياع يُذبحون عندما يتظاهرون.
* كان العامل يُجلد اذا تباطئ في العمل. ويطرد اذا مرض ليذهب الى ريفه ليموت. فأوقات العمل في اليوم كانت 15 ساعة
* كانت عربات البلدية تجوب شوارع المدن وقت الفجر كل يوم، لتلتقط جثث الجياع.
* كان العمال من الاطفال الذين اشتراهم اصحاب المعامل من المناطق التي ضربها القحط يموتون على الاتهم البدائية.
* كانت اجساد الفلاحين نحيلة مسطحة نتيجة الفقر المدقع و الجوع المزمن،
* لم يكن على وجه الارض ما هو اكثر بؤسا كما كان في الصين قبل عام 1948.
* كانت شوارع المدن مكتظة بالنائمين على الأرصفة، وغالبا ما كان الكناس يوقظهم * كانت البنت تقتل اذا كان اكمام ردائها فوق المرفق وليس حتى المعصم.
* كان الفلاح عندما يريد ان يتعلم، يستعمل اغصان الشجر لرسم الكلمات على التراب
* كان شعار الوطنيين – ان قاتلنا سنموت، وان لم نقاتل سنموت، اذن لنقاتل !
وصلت الصين في منتصف القرن التاسع عشر الى اعمق هوة في التخلف، اي الاستمساك بالتقاليد البالية ولو كان فيها الضرر البالغ بالأنسان والأزدراء لكرامته. فقد احال هذا التخلف شخصية المرأة من الانسانية الى الأنوثة. فلم تعد المرأة انسانا له حق الحياة الحرة في البيت والشارع والمزرعة والمصنع. لا، بل انما قضت عليها التقاليد بأن تكون انثى للسرير فقط.
وكي تؤكد هذه الانثوية، كانت اقدام البنات في الطبقات الثرية توضع في احذية من الحديد منذ الطفولة فلا تكبر القدمان ولا تستطيع الفتاة عندما تبلغ العشرين ان تمشي. أليست انها خلقت للفراش ؟ انها لاتحتاج المشي، أليست هي ثرية ؟
اذن لماذا يجب ان تسعى وتعمل ؟
ومع ان الصينيين هم من اذكى الشعوب في العالم، الاّ ان تقاليدهم القديمة جمدت عقولهم.
وكان نظام الحكم امبراطوريا، مثل جميع النظم الاستبدادية، يأخذ بهذا الجمود.
اذ هو نفسه اي النظام الامبراطوري من التقاليد. ولذلك اصبح التغيير او الابداع او الاصلاح شيئا كريها، وعلى الشعب ان يتجنبه. وعلى الحكومة ان تعاقب الداعي اليه.
ولذلك كانت اللغة من التقاليد، تكتب في 1910 بعد الميلاد كما كانت تكتب في 1910 قبل الميلاد. وكان نظام التعليم لمن يسمون – علماء – يرجع الى الفين سنة الى الوراء بحيث كان هذا – العالم – لا يتخرج الاّ عندما يدخل سن الشيخوخة. وكانت ثقافته تافهة لا تتعدى نطاق ( قال فلان كذا وعلق عليه فلان كذا ) وكانت الفتاة تطيع ابويها اطاعة مطلقة. فإذا تزوجت اطاعت زوجها بنفس المقدار. وكان على جموع الشعب اطاعة الامبراطور وان يؤمن بالألهة المتعددة وبالغيبيات بلا مناقشة.
وكان الفقر و الفاقة تعم 999 في الالف من السكان. كانوا يعانون من الجوع لدرجة يضطرون الى بيع بناتهم كما قلنا. وكانوا يحتاجون لذلك الى الافيون كي يغشوا به الجوع. واقفلت الحكومة الصينية موانيها. لا يدخلها احد من الاجانب لئلا ينتقل كفرهم ورجسهم و نجاستهم الى الصين المقدسة. ولكن المدافع الاجنبية كانت تطرق ابوابهم حتى فتحتها ودخل الاوربيون عنوة، فأصطدم القرن العشرين بالقرن العاشر.
و بدأ بعض الشباب الصيني ينتقل الى برلين وباريس ولندن ونيويورك، ليتعلموا. ورأوا اضواء جديدة من المعارف والاقتحامات والاختراعات لم يكونوا ليعتقدوا انه يمكن العقل البشري ان يستضيء بها. ثم عادوا الى بلادهم يدعون دعوة الغرب، فأتهموا بالكفر وسجنوا. لكن دعوتهم فازت في النهاية، والفوا حروفا هجائية من حروفهم القديمة تمكن الشعب ان يتعلمها ويقرأ بها في وقت قصير، والغوا نظم التعليم القديم وحطموا معابدهم التي كانت تدعوهم الى الاهتمام بالعالم الأخر بدلا من ان يهتموا بالعالم الحاضر
وكان – سون يات سون – زعيم هذه الحركة قد تعلم في امريكا وراى دنيا العصر الحديث، فقاد ثورة الاصلاح عقب عودته. لكن مساعيه فشلت، ففر الى انكلترا ومن هناك استطاع ان يتصل بالشباب الصيني في اوربا وامريكا وان يهيئ الخمائر ويعقد المؤتمرات. ونجحت الثورة عام 1911 التي قضت على النظام الامبراطوري واصبحت الصين جمهورية وصار – سون بات سون – اول رئيس لها. وكان – شيانغ كاي شك – سكرتيره.
الى الحلقة التالية غدا
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط