الانتخابات وتمثيل المكون!

محمد عبد الرحمن

مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات وإقرار قانون انتخابي جديد لها ولمجلس النواب، عاد الحديث مجددا عن “دولة المكونات” ومصالح هذا “المكون” او ذاك.
تتوجب الإشارة أولا الى ان الدستور في مقدمته يقول: نحن شعب العراق، وفي المادة الثالثة منه يتحدث عن كون “العراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب”. والمادة الخامسة من الدستور تؤكد على ان “السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها”، ولم يقل انها من هذا المكون او ذاك. وحتى في المادة التاسعة الدستورية، التي قالت بتشكيل القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز او اقصاء، فانها اكدت انها “تدافع عن العراق ، ولا تكون أداة لقمع الشعب العراقي”.
انه لأمر خطير ان يستمر هذا التشبث من قوى متنفذة بما ثبت فشله مئات المرات وضرره على المجتمع والدولة.
وتجربة العشرين سنة الماضية منذ سقوط النظام في ٩ نيسان ٢٠٠٣ وحتى يومنا، تؤكد ان السبب الرئيسي للازمات المتتالية التي مر ويمر بها بلدنا وشعبنا يتمثل في اعتماد نهج المحاصصة الطائفية – الاثنية الذي ساهم المحتلون في ترسيخه وتغذيته، والقوى المستفيدة منه في مده بعناصر الاستمرارية.
القوى المتنفذة استمرأت ذلك وقامت، ولما تزل، باختزال المكون او الطائفة التي تدعي تمثيلها الى كتلها ومجاميعها السياسية والتي قامت بدورها بحصر ذلك التمثيل بقلة متنفذة مرفهة غنية، واستغلت ذلك لادامة نفوذها ومصالحها وحصر الوظائف والمناصب بها، وقيامها بتقاسم النفوذ مع “قلة متنفذة” أخرى تدعي هي ايضا مثل هذا التمثيل “المكوناتي”، عبر تفاهمات واعراف لم ينزل بها من سلطان، وساعية بكل الطرق الى جعل ذلك سائدا في الحياة السياسية العراقية، وبما يشكله ذلك من تجاهل تام لمبدأ المواطنة العراقية الجامعة والتعامل مع العراقيين على قدم المساواة بغض النظر عن قومياتهم وطوائفهم واديانهم ومواقعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
كثرة من المتنفذين ما انفكوا ينظرون، ويريدون من المواطنين، تصديقهم في ذلك، بانهم ممثلو لمكونات، ولا احد يعرف تماما لماذا هم، ومن كلفهم بذلك، او حتى انتخبهم لهذا التمثيل!
الحقيقة المرة انه بعد هذه التجارب المؤلمة التي مر بها البلد هناك من لا يزال يغذي ذلك ويديمه، وهو شاء القائلون والمتمسكون به ام لا، لا يؤدي الى استقرار ولا يحقق السلم الأهلي، وهو يضعف البناء المؤسسي للدولة وهيبتها، او في احسن الحالات يبقيها كيانا هشا، ضعيفا داخليا، فيه الكثير من الاخاديد، موحدا ظاهريا، ويحكم من اقلية مكونة من ادعياء تمثيل “المكونات” او “الطوائف”.
إن تأكيد الدستور على تعددية المجتمع العراقي في العديد من مواده، لا يعني في حال إقامة “نظام مكوناتي” او بناء دولة المكونات، والإصرار على ذلك، رغم ضرره البين، في العراق وبلدان أخرى، هو إصرار على تحويل الخطأ الى خطيئة.
وما دامت المحاصصة الطائفية والاثنية هي الاس لذلك، فيتوجب مواصلة ما بدأته انتفاضة تشرين من زعزعة لجدار المحاصصة وصولا الى الخلاص الكامل منها. وهنا لا بد من تشجيع مبادرات تشكيل كتل سياسية ببرامج وطنية، وأن تكون عابرة ومتخطية للحواجز فعلا، لا إقامة تحالفات “ادعياء تمثيل المكونات”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاحد 9/ 4/ 2023

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here