إمامُ ألبشرية ما بقيَتْ 12 04 2023
طعمة عزيز ألسعدي/ لندن
ما ذُكِرَتْ ألنَّخوةُ إلّأ و كُنتَ سيِّدها، و لا ألشجاعةُ إلا و كُنْتَ مقدامها، و لا ألعدلُ إلّا و كنْتَ ميزانُه ألأدَقْ ألأحَقْ.
رجُلْ ألرجالِ، و فارسُ ألفرسانِ، و ألخالدُ طولَ ألزمانِ، و ألعادلُ ألأعدلْ، و منصفُ ألعدو قبلِ ألصديقُ، و ألغريب قبل ألشقيق، خليفةُ ألمسلمين، و منصفُ كُلّ ألمظلومين، لا دينَ يميِّزُهُمْ، و لا بَشْرَةَ تفرِّقُهُم، فكلّ خلق ألله عندك سواء، تحكم بينهم بالقسطِ، و جعلتَ من آمَنَ أو لمْ يؤمنُ من أهلِ ألكِتابِ متروك ألعقاب و ألثواب لرَبّ ألعباد، لا تفرِّقُ في عدلكَ بينِ مسلمٍ و كِتابيٍّ، عربيٍّ أو أعجمي، يهوديٍّ أو نصرانيٍّ، صابئيٍّ أو زَرادِشتيٍّ مجوسيٍّ، فالناس عندك سواسية أمام ميزان ألعدل ألدنيوي، و أمرهم متروك لرب ألعالمين فيما يعبدون أو لا يعبدون، تعطي ألحق لغير ألمسلم من ألمسلم، فشعارك ألدينُ لله و ألعدلُ للجميع و ألناس صنفان: إمّا أخٌ لك في ألدين أو نظير لك في ألخلق.
ذكاؤك خارق، و كارهك مارق، ملجأ ألمظلوم و مُنصِفَهُ، و سيف ألله ألمسلول على ألظالم و مُهلِكًهُ. خليفة ألمسلمين و أفقرهم مالاً لم تملك غير رداءٍ بالٍ كثرت رُقَعُهُ حتّى ثَقُل و أنت خليفة ألمسلمين، و لم تملِكْ مالاً إلا مثل ما مالكه أفقر ألناس، تُكرِمُ خادمكَ أكثر ممّا تصرف على نفسك، ذلك و ألله سموّ أخلاق لا، و لن يملكْها غَيرَك. كثرَ محبّوك، و ندّرَ مقلدوك، محبّون بالمليارات بلا عدد معلوم، و ألعِبرة بتطبيق ما أمَرتَ بهِ يا إمام ألخلق يا علي عليكَ ألسلام.
قرأت في مطلع شبابي في كتاب أحكام ألإمام علي عليه ألسلام حُكماً مشهوراً خلاصته: جاء ثلاثةُ رجالٍ إليه يطلبون حكمه في تقسيم سبعة عشر من الإبل بينهم كانوا قد إتفقوا على ألمشاركة فيما تخلفه ناقةٌ من جملٍ يملكونهما على أن تكون عند ألقسمة لأحدهما نصف عدد الإبل ألتي تخلفها ألناقة و ألجمل، و ما يولد لخلفتهما من الإبل، و كانت حصة أحد ألشركاء ألنصف، و ألثاني ألثُلثْ ، و ألثالث ألتُسْعْ، و حارَ ألقضاة في ألحكم بينهم، فقالوا ليسَ لها إلا أبا ألحسن ألإمام علي عليه ألسلام.
نظرَ ألإمام ع إلى الإبل و قال: إجلبوا ناقة شخص آخر وضعوها معها فصار ألعدد 18. و أعطى من له نصف ألإبل 9، و من له ثلث ألإبل 6، و من له تُسعها 2، فصار ألمجموع 17، و تعجَّبَ ألشركاء لأنّ كلّ واحد منهم أخذ أكثر من حصته ألتي كانَ يتوقعها. و أمر بإرجاع ألناقة ألتي جُلِبَتْ إلى أهلها. حلٌّ عبقري لا يخطر ببال أحَد.
كنت في أيلول سنة 1978 أو 1979 في معرض بغداد ألدولي ممثلاً لشركة سويسرية شاركت في ألمعرض و كنت و كيلها في ألعراق، و كان ذلك أثناء ألمظاهرات ضد شاه إيران، و كان معرضنا ملتقى لممثلي ألشركات ألسويسرية ألأخرى و كان بضمنهم أحد ألسويسريين ألذي يمثل شركة سويسرية و مقره في طهران و إسمه جان وبر، فسأله أحدهم عن ألمظاهرات و من يقوم بها ضد شاه إيران محمد رضا بهلوي، فأجابَ بإستهزاء إنهم أنصار شخص إسمه علي. فقلت له لا تستهزئ بهذا ألإمام فإنه نبراس ألعدل و قدوة كل قاضٍ عادلٍ منصفٍ و أمين، و هو أذكى إنسان أعرفه و يحلُّ ما يعجز عنه كبار قضاة ألمسلمين. فقال جان أحكام ذلك ألزمان أبسط من أحكام هذا ألزمان، و أي قاض أو رجل متعلم مثلي يستطيع أن يحكم أحسن منه! فقلت له إسمع يا جان: سأطلب منك و من أصحابك ألسويسريين ألأربعة الحاضرين الآن حل مسألة حلها ألإمام علي عليه السلام بثوان معدودات، و كانوا جميعاً من ذوي ألشهادات ألعليا، و لك و لأصحابك الأربعة 24 ساعة لجلب الجواب الصحيح، فَدُهِشَ و قال لي: أتستهزئ بنا يا أبا ريم (كان ألرجل صديقاً لي) فأجبته أنت صديق عزيز و لا أستهزئ بك أو بغيرك. ثم ذكرتُ لهم المسألة أعلاه و طلبت منهم أن يجلسوا سويا في الفندق الذي يسكنون به مقابل سوق رجوان في منطقة ألكرادة ألشرقية في بغداد، و كان إسم ألفندق فندق ألشرق كما أظن، ويأتوني بالحل يوم غدٍ.
جاءوا إليَّ باليوم ألتالي ساعة إفتتاح ألمعرض، ألخامسة مساءً، و عليهم دهشة ألخيبة، فذكرت لهم ألحل، فأخذَ جان يردد بدون إنقطاع علي، علي ،علي، علي….إلخ هذا ألرجل عبقري، فقلتُ له وهو أعدل ألناس بعد ألرسول محمد ص، فقالَ: أصدقك. إمامٌ عرفته ألبشرية ألواعية و الأديان ألأخرى كلّها، و ألأمم ألمتحدة ذكرت عنه (مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ)*. (نهج البلاغة: ح68)
و الإمام علي عليه ألسلام أول من أمر بإستصلاح ألأراضي ألزراعية و ذلك ما أخذته عنه في أوامره لعامله على مصر مالك الأشتر، التي يؤكد فيها على استصلاح الأراضي والتنمية ويقول: (وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لأَنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً)*. (نهج البلاغة: ك 53)
كما ورد في تقرير دولي عن أساليب الإمام عليّ (عليه السلام) في محاربة الجهل والأمية، وتطوير المعرفة، ومجالسة العلماء، حيث يقول لأحد عماله*: (وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَافَثَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ).
من شروط الحاكم العادل تبعاً لمنهجيّة مولانا أمير المؤمنين، فقد أخذ التقرير الدولي للأمم ألمتحدة قوله عليه السلام الذي جاء فيه*: “ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الأُمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع، وَلاَ يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقصَاهُ، أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، أُولئِكَ قَلِيلٌ. ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزيِلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلَكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ، فَانْظُرْ فِي ذلِكَ نَظَراً بِلِيغاً”، (نهج البلاغة).
و أخيرأً: كيف أصفكَ يا سيدي، يا من حارت بوصفِكَ ألبشرُ، تلاشت أنوار غيرك و أنتَ طولَ ألزمان بدرٌ كاملٌ قَمَرُ. هيهات هيهات هيهات أن يأتي مثلك ما عاش ناسٌ و ما بقى لهم أثرُ، سبحان من سوّاكَ فريداً بين جميع ألخلق، رعايا أو ملوكاً أو سلاطين أحياءً و غيرهم ماتوا و إندثروا؟
طعمة عزيز طعمة ألسعدي TuAma Al-Saadi
* http://imamali-ali.com/?page=article&id=68940
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط