الخرطوم – القاهرة -مصطفى عمارة
دحضت الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني ومليشيا التدخل السريع الانباء الواردة عن هدنة لمدة اربع وعشرين ساعة . اذ لا يزال
لليوم الرابع على التوالي تواصل المعارك الضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، ولا سيّما في الخرطوم حيث تسود حالة من الفوضى، رغم النداءات الدولية الملحّة لوقف المعارك التي أوقعت حتى الآن قرابة 200 قتيل.
وفيما أعلنت قوات الدعم السريع على تويتر «الموافقة من جانبها» على مقترح دولي بالالتزام بهدنة إنسانية لمدة 24 ساعة، نفى الجيش علمه بأيّ هدنة.
ونفّذت وحدات الجيش، الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للسودان منذ انقلاب العام 2021، طلعات جوية لإسكات نيران مصفّحات قوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو، حليفه السابق إبان الانقلاب والذي بات عدوه اللدود.
وقالت نقابة أطباء السودان الثلاثاء إنه تم «قصف مستشفى الشعب بالطيران» موضحة أن القصف أصاب «المبنى الإداري ومبنى الحوادث وصهريج المياه وسكن الممرضات بمستشفى ابن سينا الجامعي».
وأضافت أنّه «تم الاعتداء علي العديد من المرافق الصحية في العاصمة الخرطوم و الأقاليم وخروج بعضها من الخدمة واغلاق البعض الآخر».
فيما كشف مصدر دبلوماسي رفيع المستوى في القاهرة للزمان أن مصر تعد مبادرة جديدة لإيجاد حل للأزمة السودانية وأن السفير المصرى فى السودان طرح على قائد الجيش السوداني البرهان أثناء لقائهما ملامح تلك المبادرة لطرحها على القوى السودانية كافة ، وعلى الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل تلك المبادرة إلا أن المصدر أكد أنها تقوم على وقف إطلاق النار وسرعة دمج ميليشيات الدعم السريع في الجيش الوطني وإجراء حوار وطني لتفعيل المبادرة المصرية ، وعن احتمالات التدخل العسكري المصري في السودان لإنقاذ الرهائن المصريين أكد المصدر أن هذا التدخل مستبعد لأنه سوف يعقد الأزمة، كما أن مصر تلقت تأكيدات من حميدتي بضمان سلامة الرهائن المصريين وسرعة تسليمهم إلى مصر فضلا عن تلقي مصر تحذيرات من الإدارة الأمريكية بعدم التدخل العسكري في السودان.
وفي السياق ذاته دعا عمرو موسى وزير الخارجية المصري الأسبق والامين العام للجامعة العربية السابق في اتصال هاتفي مع ( الزمان) مصر إلى إعادة تقييم سياستها في السودان والمنطقة، لأنّ الأمر يتطلب من مصر إتخاذ مواقف جريئة بعد أن أصبحت تلك المصالح مهددة، وأضاف السياسي المصري المخضرم أن تلك المصالح قد تتعارض مع مصالح بعض الدول العربية في المنطقة. وحذّر موسى من استغلال أثيوبيا ما يحدث في السودان في قضية سد النهضة وهو ما أشار له د. نادر نور الدين خبير الموارد المائية والذي أشار أن انفلات الأوضاع في السودان يعني ضياع الحقوق المائية للسودان حيث تعمل أثيوبيا على استغلال الأزمة في إتخاذ قرار أحادي بالملئ الرابع وأضاف أنه كان من المفترض أن تجرى مفاوضات بين الجانبين خلال شهر مايو إلا أن الصراع الحالي مع ميليشيات الدعم السريع الموالية لأثيوبيا سوف يمنحها فرصة لإيقاف كل جهود المفاوضات ، ودعا السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الاسبق إلى وحدة الموقف المصري السوداني للتصدي للمخططات الإثيوبية لملء السد بشكل منفرد ، فيما حذر عدد من الخبراء من تطور الأوضاع في السودان إلى حرب أهلية وفي هذا الإطار قالت د. أماني الطويل الخبيرة بالشأن السوداني في مركز دراسات الأهرام أن هناك مبادرة مصرية لحل الأزمة وتطويق الأحداث إلا أن فشل تلك المبادرة سوف يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية خاصة أن كل طرف له حلفائه والذين يمكن مشاركتهم في تلك الحرب والتي سوف يكون لها تداعياتها الخطيرة على أمن مصر والمنطقة والبحر الأحمر . وأفاد شهود أنّ شاحنات تحمل مدافع مضادّة للطائرات تتمركز في مناطق سكنية في الخرطوم
تمّ تزويدها بذخائر جديدة الثلاثاء. ورغم دعوة وزراء خارجية مجموعة السبع طرفي النزاع في السودان إلى «وقف الأعمال العدائية فورا» والعودة إلى طاولة المفاوضات، إلا أن المعارك مستمرة.
وأكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّه أجرى محادثات مع الجنرالَين السودانيَين حيث «شدد على الحاجة الملحة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار». لكن هذه النداءات لم تؤت ثمارها تماماً كما حصل مع كلّ الاتصالات الدبلوماسية التي أجريت بطرفي النزاع منذ اندلاعه. كما أكد بلينكن تعرّض موكب دبلوماسي أميركي في السودان لإطلاق نار الاثنين، من دون إصابات، في ما وصفه بالعمل «المتهور». وفي حادث منفصل، تعرّض سفير الاتّحاد الأوروبي في السودان لاعتداء في منزله في الخرطوم الاثنين، وفق ما أعلن مسؤول الشؤون الخارجية لدى التكتل جوزيب بوريل، فيما أفادت ناطقة فرانس برس بأن الدبلوماسي «على ما يرام». وحمّل الناطق باسم الجيش السوداني في بيان بالانكليزية على فيسبوك قوات الدعم السريع المسؤولية عن «الاعتداءات على الدبلوماسيين»، مؤكّداً أنّ القوات المسلّحة تعمل على «تأمين مقار إقامتهم منعاً وقوع اعتداءات جديدة.
وفي نيويورك، قالت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توما غرينفيلد إنه «ستكون هناك محاسبة، ولا بدّ من ذلك، لأيّ طرف - بما في ذلك الجيش واللاعبون السياسيون – الذين يحاولون تأجيل أو تعطيل التقدم نحو الديموقراطية في السودان». ودعا الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية الأطراف المتنازعة إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
وأكّد رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر فريد أيوار أنّه «لدينا سيارات إسعاف وأفراد قادرون على تقديم الإسعافات الأولية والدعم النفسي والاجتماعي، ولكن هذا لن يكون ممكناً إلا بضمان الممرّات الإنسانية». وأضاف أيوار «نتلقّى مكالمات من جميع أرجاء (السودان)، ممن يحتاجون أشياء أساسية، وطعامًا لأسرهم، ولمّ شمل الأطفال مع ذويهم، إلا أنّه لا يمكننا التحرّك أو توفير الخدمات الأساسية مثل زجاجة ماء أو وجبة طعام».
ويشير محلّلون إلى أنّ القتال الدائر في عاصمة الدولة التي تعاني منذ مدة طويلة من عدم الاستقرار، غير مسبوق وقد يطول أمده، رغم الدعوات لوقف إطلاق النار وتكثيف النشاط الدبلوماسي.
ويقضي سكان الخرطوم الذين يعيشون حالة ذعر آخر أيام رمضان وهم يشاهدون من نوافذهم الدبّابات تجوب الشوارع بينما تهتزّ المباني ويتصاعد الدخان نتيجة الحرائق التي تسبّبت بها المعارك.
ويجد الأشخاص المضطرون لمغادرة منازلهم أنفسهم وسط طوابير طويلة للحصول على الخبز والوقود في المتاجر والمحطات التي ما زالت تفتح أبوابها، في ظلّ انقطاع للكهرباء.
وفيما تحذّر محلات البقالة التي ما زالت مفتوحة من أنّ ما لديها من بضائع سينفد بسرعة، بدأ رجال ونساء يحملون أكياسًا كبيرة بمغادرة العاصمة إلى حيث لا توجد معارك في المناطق المتاخمة للعاصمة جنوبا. وقال رئيس بعثة الأمم المتّحدة في السودان فولكر بيرثيس إنّ 185 شخصا على الأقل قُتلوا في المعارك حتى الآن فيما أصيب 1800 بجروح.
ولم تعلن أيّ جهة حصيلة للضحايا المحتملين من الجيش وقوات الدعم السربع.
وأفادت منظمة الصحة العالمية أنّ عددا من مستشفيات الخرطوم «تعاني من نفاد وحدات الدم ومعدات نقل الدم وسوائل الحقن الوريدي وغيرها من الإمدادات الحيوية».
وفي منطقة دارفور غربا، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود وصول 183 مصابا إلى المستشفى الوحيد الذي ما زال في الخدمة في ولاية شمال دارفور.
وقال سايرس باي من منظمة أطباء بلا حدود إنّ «غالبية الجرحى هم مدنيون علقوا وسط تبادل إطلاق النار وبينهم العديد من الأطفال».
وأضاف أنّ الإمكانيات المحدودة لإجراء عمليات جراحية أسفرت عن «وفاة 11 شخصاً نتيجة إصاباتهم في الساعات الـ48 الأولى من النزاع»
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط