لماذا نعشق ؟

(*) د. رضا العطار

نعشق لان لنا غريزة جنسية اذا تنبهت احتدت فأستحالت الى عاطفة، فشهوة، فإندفاع فوري لا يكاد الانسان يدري ما هو فاعل فيه.

لكن للانسان ايضا عقلا اذا تنبه لم يحتد، ولكنه يتأمل في أناة وتبصر. فيستحيل الى وجدان يدري الانسان ما هو فاعل فيه.

وكلنا سواء في الغريزة. بل نحن والحيوان سواء فيها. ولكننا نتفاضل في الحب الوجداني الذي ينشأ عن التعقل والتبصر. فندري ما نحن بسبيله من التقرب للجنس الاخر، ونقدر الصفات ونزن الفضائل.

والحب الغريزي هو حب العاطفة، حب الشهوة والنظرة الاولى، وهو بعيد عن الحب الوجداني الذي يزن ويقدر ويعرف القيم البشرية العالية.

فحب العاطفة هو حب الاعشى القصير

وحب الوجدان هو الحب الفهيم البصير

وهناك نوعان من السعادة، كما ان هناك نوعين من الحب. فان سعادة الغرائز هي سرور زائل، كما نجد في لذة الاكل او الشرب، وهو سرور عاطفي ما هو ان نشبع حتى ينطفئ . . . ولكن السعادة المقيمة هي ثمرة الوجدان والتعقل. وكذلك الشأن في الحب العاطفي الذي ينشأ من اول نظرة، إذ هو شرور زائل، ولكن الحب الوجداني الذي تعتمد فيه على التعقل والتبصر ووزن القيم البشرية، هو اكثر من السرور : هو سعادة مقيمة.

ولكن الحب ينتمي الى اصل آخر هو ذلك التعلق الذي نما في طفولتنا وربطنا بالام.

وهذا هو الذي يجعل في الحب حنانا ورقة ورحمة. ونحن حين نحب امرأة انما في الواقع نحب صورة الأم في وجهها وقامتها وصوتها، لأننا قد نشأنا على ان نكبًر من شأن الصفات التي تتحلى بها امهاتنا. وما في الحب بين رجل وامرأة من عظمة ومجد وجلال، انما يرجع في صميمه الى الصفات السامية التي نعززها الى امهاتنا، والى اخلاق اجتماعية قد علمنا اياها المجتمع، والى عادات عائلية مارسناها في طفولتنا.

واذن يجب ان نقول ايضا ان الناس ليسوا سواء في القدرة على الحب، كما انهم ليسوا سواء في القدرة على السعادة. لان كليهما الحب والسعادة يتوقفان على مقدار ما عندنا من تعقل. وعلى مقدار ما احببنا امهاتنا، و ما كان عند امهاتنا من صفات سامية.

وهناك فرق في الحب بين الرجل والمرأة، فإن حب الرجل يكاد يقتصر على المرأة ، اي على زوجته، وحبه للاطفال ضعيف مشتت مبعثر، إذ هو مشغول بالكسب مختلط بالمجتمع اكثر من المرأة، لكن حب المرأة يختلط بابنائها، لذلك فان الامومة جزء خطير من الحب النسوي.

والواقع ان الحياة اكبر من الحب، وان الانسان يستطيع ان يرصد حياته لعمل عظيم يستغرق كل عقله وكل قلبه وكل مجهوده، كأن يتوخئ تحقيق مذهب، او اختراع آلة، او توجيه شعب الى غاية، او نحو ذلك.

ولكن الحب هو السعادة او هو اقرب شيء الى السعادة وفيه تتبلور اخلاقنا، وتبدو في جوهرها الاصيل، وهو، اي الحب، يربينا ويستنبط منا اسمى ما في اخلاقنا. ولذلك حين نحكي قصة عن الحب انما نروي ايضا احسن ما في الطبيعة البشرية من خلال تحملنا جميعا على الاعجاب وعلى الاحساس بالسعادة.

* مقتبس من كتاب الحب في التاريخ لسلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here