أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢٩)

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

السَّنةُ العاشِرة

(٢٩)

نــــزار حيدر

{وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ}.

التَّخطيط والتَّنظيم والتَّدبير والحذَر، أُمورٌ أَساسيَّة يأخذَها النَّاجح في الحُسبانِ وبنظرِ الإِعتبارِ كُلَّما أَرادَ أَن يقدِمَ على أَمرٍ ما، أَمَّا الفاشِل فهوَ فَوضوي لا يأخذ بكُلِّذلكَ في الحُسبان، فيتستَّر بالمُقدَّس مثلاً ليخدعَ نفسهِ عندما يتجاهَل كُلَّ ذلكَ، أَو يستشهِد بآياتٍ ورِواياتٍ يُفهَم مِن ظاهرِها غيرَ ما أُريد من جَوهرِها لتبريرِ تكاسُلهِ عنالأَخذِ بكُلِّ ذلكَ كقولِ الله تعالى {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} أَو قولهِ كذِباً وزوراً؛ يكفي أَنَّني على حقٍّ فلماذا كُلَّ هذا الإِهتمامِ بالتَّخطيطِ والتَّنظيمِ والتَّدبيرِ والحذرِ؟! أَوَليسَ الله معنا؟! فلماذا الإِنتباهِ والإِنشغالِ بكُلِّ ذلكَ؟! أَو قَولهِ؛ بالدُّعاء نحقِّق النَّجاح ونتجاوز المشاكِل!.

ولذلكَ يفشَل!.

وهذا ينطبِقُ على الإِنسان الفَرد والإِنسان المُجتمع، فكُلُّ مَن يُفكِّر بهذهِ الطَّريقة ويُبرِّر غفلتهُ بهذا الأُسلوب فسيَفشل حتماً لأَنَّ الله تعالى الذي خلقَ كُلَّ شيءٍ في الكَونثُمَّ سخَّرهُ لعبادهِ أَمرهُم بأَن يأخذُوا بالأَسباب بتخطيطٍ وتنظيمٍ وتدبيرٍ وحذرٍ، كما في قولهِ تعالى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } والسُّلطان هُنا [بحاجةٍ] إِلى تخطيطٍ وتنظيمٍ وتدبيرٍ وحذرٍ، ولمَزيدٍ من المعلُوماتِ بهذا الخصُوص يُمكِنُ مُراقبةِ ومُتابعةِ واحدةٍ مننشاطات [ناسَا] الفَضائيَّة لنتيقَّن أَنَّ [العِلم] الذي حملَ الإِنسان إِلى الفَضاء تفاعل معهُ واستندَ إِلى تخطيطٍ وتنظيمٍ وتدبيرٍ وحذرٍ وإِلَّا لظلَّ الإِنسانُ يدبُّ على الأَرضِ.

ليسَ في الأَمرِ عبثٌ أَبداً {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} فالآلةُ هو المِيزان الدَّقيق {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍمَّوْزُونٍ} وقولُهُ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ} وقولُهُ {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} وقولُهُ {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّاللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

ولقد طلبَ ذو القَرنَينِ الإِعانةِ لإِنجازِ مُهمَّتهِ على الرَّغمِ ممَّا مكَّنهُ منهُ ربُّ العالَمين {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}.

أُنظر إِلى دقَّة التَّنظيم والتَّصوير في الآيةِ المُباركةِ التَّاليةِ التي يسوقُها ربُّ العزَّة لتحريضِ عبادهِ على الإِلتزامِ بدقَّةِ التَّخطيطِ والتَّنظيمِ وعدمِ التسرُّع الذي نتجاوَز بهِ كُلَّذلكَ، يقُولُ تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُالنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.

وفي تفاصيلِ قُصَّة الآية الكريمة ردٌّ جلِيٌّ على ثقافةِ الفاشلِ الذي يتغافَل عن التَّخطيط والتَّنظيم والتَّدبير والحَذر بذرائِعَ شتَّى.

يقولُ تعالى {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَوَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَنتَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}.

فعلى الرَّغمِ من حضُورِ الرَّسول الكرِيم (ص) في المسرحِ الذي تصفهُ الآية الكريمة، وهو {إِنَّما أَنا الرَّحمَةُ المُهداة} كما يصِفُ نفسهُ (ص) وأَنَّ الفِعل الذي تريدُ الجماعَةالإِقدام عليهِ وإِنجازهِ هو العِبادة [الصَّلاة] وبالتَّأكيد فإِنَّ صدق النيَّة والإِخلاص والتوكُّل على الله وحدهُ والأَمن الربَّاني كُلُّها حاضِرة في تلكَ اللَّحظة، وأَنَّ الجَماعة المُؤمنةكانت على الحقِّ المُطلق، معَ كلِّ هذا أُنظُر وتدبَّر كيفَ يُفصِّل الله تعالى في قولهِ لرسولهِ الكَريم (ص) في الخُطَّة والتَّنظيم والتَّدبير والحذَر، فلِماذا لم تكتفِ الجَماعة هُناعن كُلِّ ذلكَ بوجُودِ الأَمن الربَّاني بحضُورِ رَسُولِ الله (ص)؟! لِماذا لم تُفكِّر أَن تتجاهلَ الحذر لأَنَّ الله معَها وهيَ على حقٍّ فلِماذا كُلَّ هذا [الخَوف] من غدرِ العدُوِّ؟!.

والحذرُ ضدَّ الغفلَة كما تُشير الآية والتي يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الفَرق بينهُما بقولهِ {حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَابِيبِ غَفْلَتِهِمُ اسْتَقْبَلُوامُدْبِراً وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلًا فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ وَلَا بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ وَنَفْسِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ وَنَظَرَفَأَبْصَرَ وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي وَالضَّلَالَ فِي الْمَغَاوِي وَلَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍمِنْ صِدْقٍ}.

إِنَّ التَّخطيط والتَّنظيم والتَّدبير والحذَر تمكِّن الإِنسان الفَرد والإِنسان المُجتمع مِن؛

*تجميعِ الطَّاقات والإِنضباطِ في توزيعِها حسبَ الحاجةِ والظَّرفِ الزَّمكاني وعدم التَّفريطِ بأَيِّ مقدارٍ مِنها مَهما كانَ بسيطاً ورُبما يتصوَّرهُ البَعض تافِهاً.

*الأَخذِ بكُلِّ الإِحتمالاتِ بلْ بأَسوئِها لإِلغاءِ عُنصر المُفاجاة الذي يصدِم الإِنسان في اللَّحظةِ الحرجةِ وبالتَّالي يخسَر بسببهِ الشَّيء الكَثير ليسَ أَقلَّها [الهزِيمة] وفُقدانالسَّيطرة على المشرُوعِ.

*وضعِ الأُمورِ في مواضعِها مِن دونِ إِفراطٍ أَو تفريطٍ، فعندَما قِيلَ لأَميرِ المُؤمنينَ (ع) صِفْ لَنَا الْعَاقِلَ قَالَ {هُوَ الَّذِي يَضَعُ الشَّيْ‏ءَ مَوَاضِعَهُ} فَقِيلَ فَصِفْ لَنَا الْجَاهِلَفَقَالَ {قَدْ فَعَلْتُ} أَي أَنَّ الجاهِلَ هو الذي لا يضعُ شيئاً صحِيحاً في مكانٍ صحيحٍ، أَي أَنَّهُ يتخبَّط خبطَ عَشواء.

ولكُلِّ ذلكَ جاءَ التَّظيمُ في آخرِ وصيَّةٍ لأَميرِ المُؤمنِينَ (ع) لولدَيهِ السِّبطَينِ الحَسن والحُسين (ع) صِنو التَّقوى بقولهِ {أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَىاللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ} وهيَ كما نرى وصيَّةٌ لكُلِّ مَن يبلغهُ كِتابُ أَميرَ المُؤمنِينَ (ع) من دونِ استثناءٍ، وأَنَّ نظْم الأَمر جُزءٌ لا يتجزَّء من تقوى الله تعالى لأَنَّ الفَوضى والعبَثوالإِرتجال تفريطٌ وهي بالتَّأكيد ليسَت من علاماتِ مخافةِ الله في شيءٍ، لأَنَّها تُضيِّع الطَّاقات والزَّمن والتَّضحيات وهيَ أُمورٌ مرفُوضةٌ شرعاً وعقلاً ومنطِقاً بنصِّ قَولِ رسُولِالله تعالى {ملعُونٌ ملعُونٌ مَن ضيَّعَ مَن يعُولُ}.

١٩ نيسان ٢٠٢٣

لِلتَّواصُل

www.tiktok.com/@nhiraq

Instagram; @nazarhaidariq

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar5

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here